د. غادة شبير : نبشَت كنوز الألحان في بلاد ما بين النهرين

 


بيروت / غفران حداد

غادة شبير مطربة وموسيقية مبدعة وتعد من أبرز الأصوات  على الساحة الغنائية اللبنانية حاصلة على  شهادة  الدكتوراه في العلوم الموسيقية، منحت غادة   جائزة بي بي سي العالمية للموسيقى لكل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لألبوم "موشحات" ، ومن البوماتها أيضا ألبوم بعنوان" قوالب" و آل قصيدة"

وغيرها عشرات الأغاني والأعمال المميزة الأخرى .

وكالة الغربة  في استراليا اتصلت بالفنانة الدكتورة غادة شبير وحدثتنا عن بعض من مشوارها الفني في سياق اللقاء التالي.

*د غادة. صرحت مرة أنكِ لو خيّرت بين الغناء والبحث الموسيقي، لاخترتِ الثاني دون تردد  ، لماذا رغم ان الغناء هو من ادخلكِ لقلوب الجماهير العربية؟

نعم إنّي أعشق البحث العلمي والتحليل الموسيقي المقامي. وأحبّ أن أكتشف الجديد في النغم والإيقاع والجمل المبتكرة التي أضافَت الجديد على العصر التي هي فيه. إنّما الغناء أيضاً يعني لي الكثير خاصّةً أنّي ألحّن وأعشق أن أعني ما أقوم بتلحينه اليوم.

*تنتهجين في غنائكِ الأصالة وتسعين للمحافظة على التراث و الهوية الموسيقية، كيف راهنتِ على النجاح وانتِ تغردين خارج السرب والساحة الفنية مليئة بأشباه الفنانين؟

نحن نعيش في زمن السوشيال ميديا وكل ما نقوم به يعرض للناس علناً. وهذا شيء جميل ومهمّ لانتشار الفكر الموسيقي والعلمي وانتشار الصوت على أوسع نطاق. أمّا بخصوص السعي للحفاظ على التراث، فهذا يعود إلى إمكانياتي العلميّة ومعرفتي بالتاريخ، تاريخ الغناء القديم بأشكاله. وأشعر أنّي مسؤولة عن الحفاظ على هويّة الأشكال المغنّاة، وأنّ التقليد لن يؤدّي بنا إلاّ إلى خسارة الطابع النغمي والمقامي والموسيقي واللّحني... إلى جانب أنّني أحب وأتمتّع بالحفاظ على هذا الموروث الغنائي.

*كيف تشاهدين الوضع الراهن في العالم العربي وأثره في الموسيقى والأغنية العربية؟


الوضع الراهن من الناحية السياسيّة أو الفنيّة؟

أعتقد أنّنا أمام هلاك كبير بما يخصّ السياسة وتأثيرها على العالم بأكمله. فنحن نغوص في حروب ودمار وسياسات تعرقل مشاريع علميّة وطنيّة وفنيّة ودراسيّة مهمّة. وبات الفنان العربي يبحث عن سبيلٍ للبقاء على أن يبتكر الجديد في الفنّ. فإنّنا اليوم نعير الأهميّة إلى معاناة المجتمع والناس، فتصبح بذلك الموسيقى ثانويّة ربّما. فالغناء والموسيقى للفرح مبتورٌ إلى حدٍّ ما. وإنّي شخصيّاً أرى نفسي حزينة وخجولة من الّذين يعانون في بلدي وخارجه، من كلّ الأزمات وخاصّةً المرضيّة منها والجوع والتشرّد والقتل الذي أصبح منتشراً إلى حدٍّ كبير اليوم إلى جانب الهجرة.

*من مدة نلتِ شهادة الدكتوراه في علوم الموسيقى، وكان عنوان بحثكِ: «تقنية الغناء العربية بين التجويد القرآني والترتيل السرياني»، الدراسة و البحث والتبحّر في كنوز الموسيقى العربية ماذا أضافوا لموهبتكِ؟

البحث والتبحّر في كنوز الموسيقى العربيّة أضافوا إلى موهبتي التمكّن والقوّة والإرادة في إعطاء الرأي بأيّة معلومة أريدها. أضافوا لي الثقة في النّفس والمعرفة الكبيرة في التاريخ والغناء والمقام والصوت وغيرها. وأرى نفسي قادرة على تحقيق ما أريد في العلم الموسيقي طالما أنّ الأساس ثابت. وفي موهبتي شعرتُ أنّ النضوج في الأداء أصبح ظاهراً وأنّ القدرة والتمكّن في امتلاك الذات عند تناول جملةٍ غنائيّة أصبح أكثر وعياً ودرايةً. من هنا أعتبر انّ العلم هو أساس كل موهبة صوتيّة.

* رأيكِ بإعتقاد البعض ان تراجع الأغنية العربية بسبب تجّار الموسيقى والإعلام ؟

تراجع الأغنية العربية اليوم سببه عامل السرعة في كلّ ما نقوم به وكل ما نريد الوصول إليه. ففي الماضي، كانوا يؤلّفون لحناً وينتظرون أشهر وسنين ليصل إلى العامّة من الناس ويحلّلون هذا العمل، فإن أخذ حقّه، اعتبر العمل ناجحاً وانتقلنا إلى آخر. وإن فشل هذا العمل، بحث المؤلّف عن طريقة أو نمط جديد في اللّحن ليعود به إلى مستمعيه. أمّا اليوم فهذا الموضوع أصبح خارج الحسبان. فإنّنا أمام الكمّ الهائل من الفنّانين ومن الأعمال السريعة البسيطة والصغيرة التي تموت بسرعة لتلد أغنية أخرى. نعم الإعلام وتجّار الموسيقى لهم اليد في تحوّل الأذن العربيّة السامعة والناقدة المرهفة والمثقّفة إلى أُذُنٍ تهوى الموسيقى للترف والتسلية فقط. إنّما أيضاً نحن مسؤولون أمام الناس والمجتمع الفنيّ الكبير عمّا نقوم بتقديمه. فعندما نرفض تقديم الرخيص من الألحان، ستتغيّر نظرة وطلب الشركات والإعلام تجاه هذا الفن فيتعاملون معنا بشكلٍ مختلف خاصّةً وأنّ الأصوات العربيّة اليوم غنيّة جدّاً ولدينا مواهب كبيرة تعدُ بمستقبلٍ كبير. إنّما الملحنّون يحتاجون إلى التعمّق بتاريخنا العربي المقاميّ والاقتناع منهم بالعمل على هوية تردّ لنا خصوصيّتنا.

*هل تستمعين للمقام العراقي القديم والأغنية العراقية اليوم؟ من يعجبكِ من نجومها؟

أنا صراحةً وبكلّ شفافيّة أحبّ ناظم الغزالي وأعشق الطريقة التي يغنّي فيها. كما تبهرني ارتجالاته للمواويل ومعرفته الكبيرة بالمقامات العربيّة وأعتبره كنز من كنوز الفكر والعلم الفنيّ في العالم العربي اليوم. اليوم هناك أعمال جميلة مهمّة أيضاً ، إنّما تختلف في بساطتها عمّا أسمعه وأحبّه عادةً. فأنا لا أعشق الجميل من حيث اللّحن فقط، ولا أنغرّ بالكلمة العذبة، لأنّي أهوى الصعب في استعمال الصوت والمقام والنغم، وهذا لا يتحقّق إلاّ بتأليفٍ صادق متَّزِن ورصين، فيه العلم والمعرقة في آنٍ معاً.

* لو وجهت لكِ دعوة للغناء لجمهوركِ العراقي هل ستلبين الدعوة ؟

طبعاً ولما لا ألبّي دعوةً كهذه وأنا الباحثة والمطربة التي نبشَت كنوز الألحان في تكريت والموصل وبلاد ما بين النهرين، وأعرف ألحانها وقيمتها، وأعرف أنّ الشعب العراقي بنى سمعه على هذا المخزون الكبير وهو شعباً أصيلاً وله أذن ذوّاقة.

*من أغنياتكِ (لي حبيب،روحان،ايها المولع،يا شقيق الروح، هجرني) أيّ أغنية الأقرب لروحكِ؟

أحبّ أغنية لي حبيبُ للملحّن وجدي شيّا وكلمات الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين، كما أحبّ أغنية روحان للملحّن جاد غانم وللشاعر نفسه. ولكنّي أتمتّع بغناء كلّ أعمالي التراثيّة منها والحديثة.

*ما جديد الفنانة د.غادة شبير؟

جديدي أغنية ستصدر قريباً على مواقع التواصل الاجتماعي من شعر فتاة العرب ولحني وأدائي، فانتظروها. إلى جانب أعمالٍ أخرى أقوم بتحضير بعض الفيديوهات لها لإصدارها عمّا قريب.

شكراً لكِ على هذه المقابلة والأسئلة القيّمة، على أمل أن نعود إلى الحياة الطبيعيّة بإذن اللّه وأن تنتهي معاناة شرقنا الحبيب والناس من الحروب والأمراض.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق