الشاعر فؤاد نعمان الخوري: الشعر موهبة تُعطى لك أو لا تُعطى، ولا تستطيع تعلّمها في المدرسة

أجرى اللقاء شربل بعيني
بعد أن أصبحت مجلة "لقاء" التابعة لموقع الغربة الالكتروني، محط أحاديث كبار الادباء والشعراء والفنانين العرب على امتداد الكرة الارضية، قررنا أن نبدأ بتحريك عجلات قطار الأدب والفن في مهجرنا الاسترالي، فالتقينا منذ أشهر بالفنان اللبناني العالمي نويل علماوي، واليوم نلتقي بالشاعر المعروف فؤاد نعمان الخوري، وكانت لنا هذه الأجوبة:

* لا نريد ان نعرف من هو الشاعر فؤاد نعمان الخوري لأن الكل يعرفه... ولكن أخبرنا متى تكتب، ولمن تكتب في هذه الايام؟

اكتب متى الحّت القصيدة، وتوافر المحرّض على الكتابة. انا مثل الرادار في المطار، لا اتعب من الدوران والتقاط اشارات الأرض واشارات السماء. اكتب في الصباح وفي المساء، في الحزن والفرح، واثناء نشرة الأخبار. اكتب لكل الناس، بالعامية والفصحى، واغني قصائدي كالديك بعد ان يشرب قطرة ماء. اغني للأحياء من أهلي ورفاقي، ولمن رحلوا ايضاً لأن الوقت لم يسعفني كي أقول لهم كم انا احبهم.

* هل يقرأ فؤاد نعمان الخوري، ام ان مرض عدم القراءة قد ضربه ايضاً كالأمة العربية؟

بدون تواضع زائف أو اعتداد مريض، انا طاحون كتب أقرأ كل يوم الجريدة، والكتاب ينافس رأسي على احتلال وسادتي. اقرأ ما تيسّر في "الغربة"، ولعلي في السنوات الأخيرة زادت مطالعتي للكتب بالانكليزية. واحلى الكتب عندي ما جاءني من لبنان مضمخاً بعطر الأحبة ورحيق الذكريات. وتبقى المنزلة الكبرى في قلبي للكتب الصادرة هنا بالعربية أو العامية، لأني أعرف كم يعاني مؤلفوها في غياب دور النشر ووسائل الدعم والتشجيع.

* عند يونس الابن "مسبحة ستي" وعند فؤاد نعمان الخوري "مسبحة امي"...ما الفرق بين المسبحتين؟

يونس الابن، رحمه الله، شاعر كبير أضاف الى العامية اللبنانية رونقاً ولوناً محلياً مميزاً من خلال ديوانه الشهير "أربع خمس كلمات". ما تشير اليه في سؤالك ينطبق ايضاً على كثير من العناوين في الدواوين. لكن الأهم هو المضمون. "مسبحة ستي" ادبية بحتة تصف الماضي وتسرد حكاياته الرائعة بحرفية عالية... اما "مسبحة امي" فهي حكايتي انا وتجربتي الخاصة مع الغربة والوطن والله والسياسة والبيئة والمجتمع.. من هنا ازعم اني تخطيت الوصف المجاني الى اخذ الموقف وايصال رسائل كُلّفت بها قبل أن وُلدت.

* انت ابن البيئة اللبنانية، تستمد منها اشعارك مثل قصيدة "عَ الروزنا"...ألا تخاف ان يتهمك أحدهم بالرجعية؟

كما تعلم، لقد اتهمني أحدهم بالرجعية زوراً وبهتاناً، لأنه لا يستطيع أن يرتقي الى مستوى الصدق والشفافية في شعري. يشرفني أن اكون ابن "بحويتا"، القرية الصغيرة المعلقة بعنق جبل الأرز كقلادة من ذهب... انا ابن ترابها وفصولها وحكاياتها واحلامها. في الوقت نفسه، درست وعملت في بيروت (ست الدنيا) قبل ان يحط بي الرحال في استراليا. شعري يمثل ترحالي وآمالي في كل تلك المحطات، وفي محطة المستقبل الآتي ايضاً. أما من لم يرَ في قصائدي سوى فراشة وعصفور لم يستطع تلمّس العالمية في اللون المحلي، فهو موتور مغرور...وصبري جميل في كل حال.

* معروف عنك انك عريف حفلات: ماذا يحدث لقصائدك في الحفلات؟ هل تحرق ام سترى النور؟

كمن يتزحلق على الثلج، تزحلقت الى تعريف الحفلات قبل الهجرة وبعدها، وما كان هواية محببة، غدا فيما بعد التزاماً شاقاً على مدى اكثر من ثلاثين سنة. قصائدي في المناسبات كثيرة كثيرة، ولن اطبعها في كتاب، حسبها انها مسجلة في أفلام الفيديو وذاكرة الناس. لكنني اود ان اسجل هنا للتاريخ ان قصيدة المناسبة صعبة جدا اذا كنت جاداً في تقديم الجديد المتميز كل مرة، واترك للناس ان يقولوا كلمتهم في هذا المجال. اذكر مثلاً عرس سلمى وفيليب بليلة (الماردي غرا) حيث غنيت:
بليلة "الماردي غرا" والفحش الرهيب،
جايين تا نفرح سوا ب سلمى وفيليب؛
بقلب "السيتي" كسرُو الصليب وجدّفُو،
وسلمى وفيليب تكلّلوُ وباسُو الصليب!

* كم نوعاً من الشعر يكتب فؤاد نعمان الخوري؟

أنا اكتب نوعاً واحداً اسمه الشعر، والباقي قوالب شكلية لا تقدم ولا تؤخر في جودة التجربة والتعبير.  تجد الشعر في العامية والفصحىى، في الزجل والقصيدة الحديثة، في القرادي والمعنى...ما همّ، ان كان هناك لمعة (شرقطة) تمسك كالكهرباء. اما تلك السفسطة عن عدد الأنواع فهروب متعمد من السؤال الرئيسي عن مدى اضافتك الى ما كُتب من قبلك. يجب ان نعترف ان الشعر موهبة تُعطى لك أو لا تعطى، ولا تستطيع تعلّمها في المدرسة.

* سمعتك تغني الزجل اللبناني. هل انت شاعر زجلي؟

نعم، وبكل فخر انا ارتجل الزجل وافرح حين اغني مع امثال الشاعرين العزيزين جورج منصور ومروان كسّاب، في السهرات الخاصة. أحب الزجل، وللشروقي في قلبي منزلة خاصة. ولعلّ في بيت من العتابا شعراً لا تجده في مطولات رتيبة لاهم لصاحبها الا استنفاد آخر قافية في القصيدة. واسمع مثلاً هذا المقطع (ابو الزلف) الذي غنته اولاّ الفنانة الكبيرة ماري بشاره، وبعدها الفنان مروان محفوظ:
يا عمر ما اقصرك،
يا غفلة الغافي؛
وبيضل عا بيدرك
طير الأمل لافي..
للحُب رح اندرك
وأوفي الندر حافي،
وأوصل على آخرك
جمره رماديّهْ!

ولا تضحكي للسمَك
بيدشّر الَميّهْ!

* ماذا تعني العائلة لك؟ وكيف توفق بينها وبين الشعر؟

الشعر والعائلة لا يختلفان حتى اوفّق بينهما؛ أولادي الأربعة أحلى قصائدي. في كل كتبي الشعرية قصائد أهديتها لأولادي...قلت مثلاً لإبني الكبير طوني يوم تناول قربانته الأولى:
يا رجوتي، يا ثروة المسكينْ،
يا نجمة لْ وقعت بأحضاني:
ندرتَك يا غبني لعَشر قدّيسينْ،
نْ واحد نسي، بيتذكّر التاني!

اما ان كنت تقصد مسألة الوقت والضجة والانشغال بأمور العيال، فكلها تهون امام فرحتي بنجاحهم ونضوجهم واعراسهم الآتية.

* ما هي أجمل قصيدة كتبتها، ولا تقل ان ابنتك "لميا" هي قصيدتك المفضلة؟

صعب اختيار قصيدة بعينها، لكني قد أشير الى قصيدة "عَ الروزنا" التي ستكون عنوان كتابي الثاني عشر بإذن الله.

عَ الرُّوزَنَا

(لَ ستِّي)


عَ الرُّوزنَا، عَ الرّوُزنَا،
ستِّي ترندِح عا تَنا،
والتلج برّا ما هدِي،
ودافي الجمر بالموقدِهْ،
ودافي بحضن ستِّي أنا!
،،،،،،

تقلّي: فقيرَه الرّوُزنَا،
وحلوِه متل قلب الصباحْ..
وفي شبّ سافر واغتنى؛
ولمّا رجع، قصرُو بنى،
وارتاحْ!
وصّى لَ بيّا: البنت هاويها؛
ومن قبل ما تحكي،
 عليِت الآويهَا،
وانكسرِت الضحكِهْ،
وعبسِت لياليها...
وليلة الفرحَه والهنا،
انشقِّت الأرض وسافرِت فيها...
وقالُو أهاليها:
"شُو عملِت الرُّوزنَا،
الّله يجازيها!"
،،،،،

عَ الرُّوزنا، والرُّوزنا
والموقدِه وستِّي وأنا..
تقلِّي: يا ستِّي، امّهَا
بالسرّ لبسِت همّها..
ولمّا ينهنها التعَبْ،
تنفخ النهدِه بالقصَبْ،
تغنّي وما تفتَح تمّهَا:
"يا رايحيِن عا حلَبْ"!
،،،،،

وصارِت سنِه تدفش سنِهْ،
ويدُوب تلج الولدنِهْ...
والموقدِه وستِّي سوا
انطفيُو بقدّاس الهوا...
وإكبَر، وتدفشني الدني،
وتزهر عَ كفِّي سوسنِهْ...
صلّيلها وغنّيلها:
يللاّ تنامْ،
نوم الهَنا..
ويردّ ب البال الحمَامْ:
عَ الرُّوزنَا، عَ الرُّوزنَا!
،،،،،
تموز 2015
**
نرجو قراءة التعليقات تحت اللقاء

CONVERSATION

6 comments:

  1. الأب يوسف جزراوي6 مارس 2016 في 3:47 ص

    مقابلة رائعة بين شاعرين من الطراز الأوّل....لقد جال بخاطري لوهلة أنّ الشمس تحاور القمر. ما لفت انتباهي في اللقاء هو منهجية الوردة البيضاء (الخوري) ؛ ففي كلّ جواب لم يرم الحديث في زوايا اخرى.
    شمس لبنان وقمره بعد أن سجلا التاريخ بحروف من ذهب، اجدهما يتحاوران على ارجوحة الغربة.
    فالف شكر للمنفى الاوزي لانه جمعنا بشاعرين كبيرين (البعيني والخوري)، سيّما عقب أن اثبتا أنّ الشّعر موهبة ربانيّة يكملها التواضع والخلق الرفيع وليس شهادة اكاديميّة، وأنّ الغربة قد تكون مادة عالية الدسم للشّعر، لكنها لم ولن تصنع شاعرًا بقيمتهما.
    محبتي وتقديري
    الأب يوسف جزراوي

    ردحذف
  2. أنطوني ولسن6 مارس 2016 في 11:54 م

    الشاعر فؤاد نعمان الخوري يعرف قيمة الحرف، فما بالنا بالكلمة التي يشكلها في قصيدة تعيد لنا ذلك الزمن الجميل،ولا يتركنا مع الماضي، بل يشدنا الى الحاضر والأسرة أيضا.
    عندي سؤال. هل يا أستاذ شربل تم أخذ هذا اللقاء في منزل الأستاذ فؤاد نعمان الخوري؟ لا لشيء لكن لجمال الصور.
    أنطوني ولسن

    ردحذف
  3. فؤاد نعمان الخوري7 مارس 2016 في 12:05 ص

    أشكرك يا حضرة الأب الأديب يوسف جزراوي، وأشكر الشاعر شربل بعيني الذي عرّفني بك وبمجموعة الأدباء العراقيين الرائعين. شربل وانا لا نبتغي سوى محبة الناس ورحمة الله، ولنا في بركتك وتشجيعك زاد الأيام الآتية.

    فؤاد نعمان الخوري

    ردحذف
  4. فؤاد نعمان الخوري7 مارس 2016 في 12:20 ص

    يا صديقي الأديب انطوني ولسن، هذا بيتي وبيتك أيضا وحبذا لو تشرفني بزيارة، وعلى الرحب والسعة. لأنني أعرف قيمة الحرف، ارفع قبعتي لحرفك وأدبك وقلبك الكبير. أدعو لك بدوام الصحة والعطاء وطول العمر.

    ردحذف
  5. هبة محمود القاسم ـ الكويت7 مارس 2016 في 5:18 ص

    أجوبة رائعة لأسئلة مدروسة جيداً.. ولكن لي رأي أرجو أن لا يخالفني الاستاذ فؤاد به، لماذا لا يكتب الشعر الفصيح فقط، فلقد قرأت بعض قصائده بالفصحى فأعجبت بها تماماً. عليه أن ينطلق الى عالم أوسع من "ع الروزنا" هناك مليار عربي يجب أن يسمعهم صوته، فالروزنا جميلة ولكنها محدودة وغير كافية.. يجب أن يكون ديوانك الجديد بالفصحى وأنت أحد أربابها في المهجر. هذا رأيي رميته كزهرة على مكتبك.. وأنت حر.. ولك مني كل الاحترام.

    ردحذف
  6. فؤاد نعمان الخوري8 مارس 2016 في 1:11 ص

    العزيزة هبة،
    اشكرك على زهرتك التي زينت مكتبي، وكلماتك اللطيفة التي اثلجت صدري. انا اعترف انني هجرت كتابة الشعر بالفصحى لسنين طويلة، حتى بدأ التفاعل مع الشعراء والأدباء العراقيين في سيدني. لقد نشرت ديواناً بالفصحى من قبل عنوانه "راحيل"، وانا مزمع ان انشر ديواناً جديداً بالفصحى مع "عَ الروزنا" ان شاء الله. والشعر في النهاية يختار لغته، كما تختار العروس ثوب عرسها...ولك مني اجمل تحية.

    ردحذف