حوار صبري يوسف – ستوكهولم،
ترعرَعَتِ الشَّاعرة المصريّة شروق لطيف، في بلدِ الحضارةِ، والفنِّ، والإبداعِ. وتشرَّبَتْ بماءِ النِّيلِ العذبِ، وانبعثَتْ مِنْ حضارةِ مصرَ العريقةِ، شاعرةٌ شغوفةٌ ببوحِ الشِّعرِ، تكتبُ برهافةٍ وشَغفٍ عميقَينِ، تعشقُ فضاءَاتِ بوحِ القصيدةِ، وجموحاتِ الكتابةِ، دعوتُها لإجراءِ هذا الحوارِ معَها حولَ تجربتِها الشِّعريّةِ والأدبيّةِ، فلبَّتْ دعوتي، فوُلِدَ الحوارُ التَّالي عبرَ دَندناتِ الشِّعرِ وحنينِ انبعاثِ الحَرفِ في فضاءِ السَّردِ:
1ـ كيفَ تولدُ عِندَكِ القصيدةُ؟!
القصيدةُ هي تجربةٌ شعوريَّة فريدةٌ، يعيشُ بداخلِ فضائها الشَّاعرُ ويحلِّقُ بين أبياتِها بجناحَيّ العاطفةِ والخيالِ، تتكوَّنُ في الفكرِ وتناجي الشُّعورَ وتهمسُ في أذنِ الشَّاعرِ كي يبوحَ بها.
2. هَلْ تكتبينَ القصيدةَ، دُفعةً واحدةً أَمْ على مراحلَ؟!
لكلِّ قصيدةٍ فكرةٌ تلتمعُ فجأةً في المخيَّلاتِ فيريدُ الشَّاعرُ البوحَ بمكنونِ صدرِهِ والتَّعبيرَ عَنْ مشاعرِهِ وبالفعلِ يمكنُ أنْ تتوالى الأفكارُ في القريحةِ مِثلَ تدافعِ الأطيارِ، مُحلِّقةً في عِنانِ السَّماءِ فتتزاحمُ حتَّى يتمَّ بثُّها دُفعةً واحدةً مَخافةَ أن تتلاشى في طيِّ النِّسيانِ فأقومُ بتسجيلِها ثمَّ أُعيدُ تنسيقَ ترتيبِ أفكارِها حتَى تخرجَ أنيقةً كبستانٍ تُشذِّبُهُ ساقيةٌ ويزيِّنُهُ بكلِّ الزُّهورِ العاطرةِ.
3. مَتى تكتبينَ، هَلْ لديكِ ثمّةَ طقوسٌ مُعيّنةٌ في فضاءِ الكتابةِ؟
الكتابةُ هي وحيٌ إبداعيٌّ يراودُني في أيِّ لحظةٍ وفي أيِّ مكانٍ مِنْ دونِ سابقِ ترتيبٍ، حتَّى أنَّهُ يُمكنُ أنْ يقضَّ مَضجعي فأهبُّ لتدوينِهِ مهما ثقُلَ النَّومُ في عينيَّ، فأكثرُ لحظةٍ تسعدُني هي عندما تلوحُ لي خاطرةٌ جديدةٌ، أعملُ على تطويرِها وأشعرُ بأنَّها ستروقُ للقرَّاءِ. الهدوءُ النَّفسي والانعزالُ عَنِ الضَّوضاءِ يهيئانِ الجوَّ الملائمَ للكتابةِ.
4. ماذا تعني لكِ الكتابةُ، لماذا تكتبينَ، ما هي الدَّوافعُ الَّتي تدفعُكِ للكتابةِ؟!
الكتابةُ هي هبةٌ مِنَ الله تعالى للإنسانِ، ميَّزَهُ بها دونَ سائرِ المخلوقاتِ، ووسيلةٌ لترقيتِهِ الى منازلَ رفيعةٍ في الفكرِ والنُّضوجِ العقلي، ولَمْ أجدْ أوفى مِنَ القلمِ رفيقاً لدربي للتعبيرِ عَنْ كلِّ ما يعتلجُ في نفسي مِنْ مشاعرَ وما يختمرُ في قلبي مِن انفعالاتٍ. دافعُ الكتابةِ هو البوحُ بأُسلوبٍ متفرِّدٍ، ولكلِّ أديبٍ أُسلوبُهُ المتفرِّدُ لأنَّ الكتابةَ هي رحيقُ الفكرِ المختلفِ مِنْ شخصٍ لآخرَ.
5. ماذا ينتابُكِ وأنتِ غائصةٌ في كتابةِ القصيدةِ؟!
يُخالطُني شعورٌ بالتَّوتُّرِ في البدايةِ فهي نوعٌ مِنَ المَخاضِ الفكريِّ يصاحبُهُ ألمٌ دفينٌ حتَّى تتدافعَ الأفكارُ وتُنسَّقَ في مسارِها السَّليمِ وبعدَ التَّعبِ النَّفسيِّ والإجهادِ العقليِّ، تأتي البشائرُ تلوحُ بالفرحِ مَعَ إتمامِ العملِ وتكليلِ الجهودِ بالخاتمةِ المُلائمةِ مَعَ ضَرورةِ الاقتناعِ كلِّيةً بالمصداقيَّةِ في كلِّ حرفٍ، وإلَّا لنْ يكونَ للحروفِ التَّأثيرُ المطلوبُ ولَنْ تَمُسَّ وجدانَ القارئِ ولَنْ يتشوَّقَ لتكملةِ القراءَةِ.
6. مِمَّ تستوحينَ الصُّورةَ الشِّعريّةَ، وكيفَ تَصوغينَ فضاءَاتِها في جموحاتِ التَّجلِّي؟!
مِنَ المُمْكنِ أنْ تستثيرَ عواطفي مواقفُ تبدو بسيطةً إلَّا أنَّهُ عِندَ التَّأمُّلِ العميقِ فيها يمكنُ أنْ تشكِّلَ نواةً لعملٍ مؤثِّرٍ. أحبُّ القصيدةَ الحواريَّةَ الَّتي تُنشئُ حديثاً مُتبادِلاً بينَ النَّفسِ وصداها أو بينَ الشَّاعرِ وقلمِهِ أو الشَّاعرِ مُحدِّثاً عناصرَ الطَّبيعةِ، فتَرِدُ عليهِ تساؤلاتُهُ لتهدأَ ثائرتُهُ ونفسُهُ الهائمةُ الباحثةُ عَنِ الجمالِ بينَ عناصرِها.
7. تُبنى القصيدةُ على اللُّغةِ والفكرةِ والخيالِ. كيفَ تشتغلينَ على اللُّغةِ، واستنباطِ الفكرةِ، وانبعاثِ الخيالِ؟!
بالحقِّ لخَّصْتَ بهذا المثلَّثِ الَّذي هو أضلاعُ القصيدةِ. القاعدةُ هي اللُّغةُ وما أوسعَ بحرَ اللُّغةِ العربيّةِ، شاسعُ الأرجاءِ، وجوفُهُ المُمْتلئُ بالدُّرَرِ الثَّمينةِ، وما أسعدَ هذا الشَّاعرَ الَّذي يُشبِهُ الغوَّاصَ الماهرَ، باحثاً عنها كي يرقى خطابُهُ بهذهِ الألفاظِ الرَّصينةِ والتَّعبيراتِ البليغةِ، أمَّا الفكرةُ فلحظةُ إيجادِها تماثلُ عندي لحظةَ اكتشافِ لؤلؤةٍ ثمينةٍ مِنْ بينِ المَحارِ، وهنا يكمنُ سرُّ التَّفرُّدِ إذا كانَ للشاعرِ قصبُ السَّبقِ في إيجادِ فكرةٍ لَمْ يكتشفْها أحدٌ مِنْ قبلِهِ، فهو مبدعٌ بحقٍّ. أمَّا التَّناصُّ وتطويرُ أفكارِ الأسبقينَ فينكشفُ بسهولةٍ ويتمُّ انتقادُهُ إذا ما حاولَ نسبِها لنفسِهِ، أمَّا الخيالُ فهو هبةٌ إلهيَّةٌ وهنا تختلفُ القرائحُ في درجةِ اتِّساعِ وخصوبةِ الخيالِ، فهو التَّحليقُ بحقٍّ بعقليَّةِ القارئِ لتجعلَهُ مُندهِشاً وهو يدخلُ عوالمَ جديدةً مُنبهراً بها.
8. هَلْ تَشعرينَ أحياناً وأنتِ غائصةٌ في كتابةِ قصيدةٍ ما، أنَّكَ غيرُ قادرةٍ على استكمالِها، كيفَ تتصرَّفينَ؟!
أكيد كثيراً ما يتأرجحُ الشَّاعرُ بينَ النَّجاحِ والفشلِ، والإجادةِ حيناً وعدمِ إصابةِ الهدفِ المَنشودِ تارةً أخرى، وأكثرُ ما أهتمُّ بِهِ هو تطويرُ ذاتي وعدمُ الجمودِ في نطاقِ نقطةٍ فكريَّةٍ مُعيَّنةٍ، بَلْ تكونُ بمثابةِ الانطلاقِ لبدايةٍ جديدةٍ كلَّ مرَّةٍ، مواكِبةً للتطويرِ والتَّحديثِ، وكَمْ بالفعلِ بدأتُ في كتابةِ بعضِ الخَواطرِ ومزَّقتُ الأوراقَ بعدَها لعدمِ اقتناعي بجودةِ أسلوبِها، وينتابُني بعدَها حزنٌ على إضاعةِ جهدي ثمَّ يعوِّضُني تعالى بأخرى تكونُ أكثرَ طلاوةٍ وبأسلوبٍ أكثرَ عذوبةً فتُنسيني سابقتَها.
9. عندما تكتبينَ قصيدةً معيّنةً، وتنتهينَ مِنْ كتابتِها، هَلْ تراجعينَها، تُضيفينَ إليها أو تحذفينَ منها؟!
أجلْ وهذهِ المرحلةُ، ما بعدَ الكتابةِ، تُسمَّى التَّنقيحُ والمراجعةُ اللُّغويَّةُ والنَّحويَّةُ فأقومُ بتغييرِ بعضِ المفرداتِ أو ضبطِ بعضِ الأوزانِ، ولكِنْ هذهِ المرحلةُ تغمرُني بسعادةٍ وأنا أشعرُ أنِّي أضعُ اللَّمساتِ الفنِّيَّةَ الأخيرةَ للعملِ مثلَ الصَّائغِ الَّذي يقومُ بتلميعِ قطعتِهِ الذَّهبيّةِ بعدما أخذتُ منهُ مِنْ شديدِ جهدٍ لتظهرَ برَّاقةً تخطفُ العيونَ وتأسِرُ الألبابَ.
10. ماذا تعني لكِ القصيدةُ، هَلْ تشعرينَ أنَّها صديقتُكِ، صديقُكِ، أنَّها رؤاكِ المُتعانقةُ مَعَ المتلقِّي؟!
القصيدةُ هي مقصدي وملاذي وحِصني الحصينُ، ألوذُ بالهربِ مِنْ أيِّ ضيقٍ أو اكتئابٍ أو حُزنٍ على ذكرياتٍ أو هروبٍ مِنْ واقعٍ خانقٍ بالحروبِ والويلاتِ، فألجأُ اليها أستفئُ تحتَ ظلالِها وأدخلُ عوالمَ الخيالِ،
أُعبِّرُ بها ليسَ عَنْ أحزاني أو رؤيتي الشَّخصيَّةِ فحسبُ، بَلْ أغوصُ في أعماقِ النَّفسِ البشريَّةِ، أعبِّرُ عَنْ مُعاناةِ البشريَّةِ ككلٍّ وأعبِّرُ عَنْ مُختلفِ المشاعرِ والأحاسيسِ المُتضاربةِ الَّتي تعصفُ بها كرياحٍ هوجاءَ.
11. هَلْ تستطيعينَ أنْ تترجمي ما يراودُكِ مِنْ مشاعرَ عَبرَ القصيدةِ أمْ أنّكِ غيرُ قادرةٍ على ترجمةِ مشاعرِكِ؟!
إنْ لَمْ يستطِعِ الشَّاعرُ ع التَّعبيرَ وترجمةَ مشاعرِهِ، فكيفَ لَهُ أنْ يعبِّرَ عَنْ مشاعرِ الآخرينَ، فالخيالُ الخصبُ الَّذي خصَّتْهُ بِهِ العنايةُ الإلهيَّةُ دونَ غيرِهِ إنَّما يتيحُ لَهُ الفرصةَ لتحويلِ الأحلامِ إلى واقعٍ. إنَّهُ يُترجمُ الأمنياتِ إلى حقائقَ في حقلِ الخيالِ الخصيبِ، وما أسعدَني حينما يقولُ لي أحدُ القرَّاءٍ. لقَدْ استطعْتِ أنْ تعبِّري بما في نفسي فيما عجزْتُ عَنِ التَّعبيرِ عنْهُ.
12. هَلْ تُحقِّقُ لكِ الكتابةُ، نوعاً مِنَ التَّوازنِ مَعَ المحيطِ الّذي تعيشينَ فيهِ، وتمنَحُكِ مُتعةً وتفاؤلاً في الحياةِ؟!
الكتابةُ تعبِّرُ عَنْ واقعِ الشَّاعرِ وما يرصدُهُ حولَهُ مِنْ مظاهرَ حياتيَّةٍ وأساليبَ معيشيَّةٍ تؤثِّرُ عليهِ وعلى أُسلوبِهِ، فالبيئةُ هي أحدُ عواملِ تشكيلِ حرفِهِ، بدليلِ شاعرِ الصَّحراءِ في وصفِهِ للبيداءِ وإبلِها والحادي وغنائِهُ في توديعِ القافلةِ، وشاعرٌ آخرُ في وصفِهِ للأنهارِ والمَراعي والجبالِ، وأنا ابنةُ بحرِ الإسكندريةِ، فأحبُّ دائماً مناجاةَ البحرِ وإسقاطَ حالتي النَّفسيَّةِ بينَ أمواهِهِ وتتقلَّبُ النَّفسُ كتقلُّبِ أمواجِهِ بينَ الاهتياجِ والهدوءِ.
13. متى تُناديكِ القصيدةُ، وهَلْ تستجيبينَ لمناداتِها بسلاسةٍ وبكلِّ انسيابيّةٍ واندفاعٍ؟!
لا أكتبُ إلَّا بعدَ انفعالٍ وتأثُّرٍ حقيقيٍّ حتَّى أنَّهُ حينَ التَّعبيرِ عَنِ الحُزنِ والألمِ تنسكبُ العبراتُ على الأوراقِ فيحترقُ الحرفُ في مَحرقةِ الصِّدقِ، فيخرجُ نقيَّاً خالصاً مِنْ أيَّةِ شوائبَ كالذَّهبِ النَّقيِّ، فأجدُ قلمي يُناديني للتعبيرِ ناقداً تارةً، وثائراً تارةً أخرى، أو تأثُّراً بجمالٍ طبيعيٍّ أخَّاذٍ، فتخرجُ الكلماتُ بسلاسةٍ وتلقائيَّةٍ، وأحياناً تَعصيني الكلماتُ وتفرُّ منِّي كالظِّباءِ النَّافرةِ على الجبالِ فأجدُ نفسي أعاتبها في قصيدةٍ وأشعرُ أنَّها ترجعُ إليَّ كالصديقِ الَّذي يؤوب إلى صديقِهِ مُعتذراً عَنْ جفائِهِ أو طولِ غيابِهِ.
14. أنتِ ابنةُ مصرَ، ابنةُ النِّيلِ وسليلةُ حضارةٍ شامخةٍ، هَلْ تنعكسُ حضارةُ النِّيلِ على فضاءِ القصائدِ؟!
الشَّاعرُ هو سفيرُ الوطنِ والمعبِّرُ عَنْ آمالِ وآلامِ الأمَّةِ وقصائدِ الفخرِ، بالانتسابِ لمصرَ والحديثِ عَنْ حضارتِها مُدعاةُ للفخرِ لكلِّ شاعرٍ ارتوى بقطراتِ نيلها الرَّيَّانِ، وأحاولُ كذلكَ إعادةَ ذكرى الشُّعراءِ العُظماءِ الَّذينَ تركوا آثاراً خالدةً تزهو بها مصرُ عَبرَ الدُّهورِ.
15. ما الَّذي قادَكِ إلى فضاءَاتِ بَوحِ القَصيدةِ، وتجلِّياتِ انبعاثِ الحَرفِ؟!
يؤمنُ اليونانيُّونَ القدامى أنَّ هناكَ ربَّةً للشعرِ تعزفُ على قيثارِها وتهمسُ في أذنِ الشَّاعرِ بالإلهامِ، وأنا أؤمنُ بقوَّةِ الحُروفِ وقدرتِها على الارتقاءِ بالأذهانِ وتقويمِ الأخلاقِ ورفعةِ الأقوامِ، فالحروفُ مثلُ الزُّهورِ إذا تمَّ تنسيقُها في باقاتٍ، أصبحَتْ مُبهرةً للعيونِ ومُشرِحةً للصدورِ.
16. كيفَ انتقلَتِ مِنْ فضاءِ الشِّعرِ إلى عوالمِ السَّردِ الرَّوائيِّ، هَلْ مهّدَ الشِّعرُ لهذا الانتقالِ، أمْ أنَّ فضاءَ الرِّوايةِ يختلفُ جذريَّاً عَنِ انبعاثِ بوحِ القصيدةِ؟!
فعلاً كانَ الشِّعرُ هو النَّواةُ للإنطلاقِ في اتجاهٍ تجريبيٍّ لكلِّ أنواعِ الأدبِ، ليسَ كلُّ كاتبٍ روائيٍّ شاعراً والعكس كذلك صحيح، ولكنْ إنطلاقاً مِنْ إيماني بسرديَّةِ القصيدةِ واحتوائِها على قصَّةٍ تعبِّرُ عنها بالأوزانِ والقوافي. هكذا كانَتِ النَّواةُ للوصفِ المطَّردِ والتَّوسعِ الانشائيِّ، فراقَتْ لي فكرةُ أنَّ الرِّوايةَ كذلك هي قصيدةٌ طويلةٌ تعتمدُ على الموسيقى الدَّاخليّةِ ويتَّسعُ فيها استخدامُ مُختلفِ الأساليبِ البيانيَّةِ المتنوِّعةِ، وكذلكَ آثرتُ على دمجِ بعضِ القصائدِ الموزونةِ في داخلِ الرِّوايةِ لتزدادَ ثراءً وقيمةً لغويَّةً وأدبيَّةً متفرِّدةً.
17. كيفَ تعبِّرينَ عَنْ حَالاتِ الأسى والأنينِ، وعَنِ الفرحِ والوئامِ، وعَنِ الحُبِّ والحَنينِ في فَضاءِ الشِّعرِ؟!
تبوحُ النَّفسُ بالأشعارِ عَنْ كلِّ المشاعرِ المتناقضةِ، وبالشِّعرِ تعزفُ أعذبَ اللُّحونِ، فتشجي النَّفسَ في ألمِها فتتعزى وتتيهُ فرحاً بالترنُّم مَعَ أحلى الكلماتِ، وكذلكَ أكتبُ للحبِّ فهو أسمى المشاعرِ الإنسانيَّةِ وهو الطَّاقةُ السِّحريَّةُ الخافقةُ للقلوبِ، والحبُّ في معناهُ الأسمى يبدأ بحبِّ الإنسانِ للخالقِ الأعظمِ، فيمجِّدُهُ ويشكرُ فضلَهُ تعالى في جميلِ خلقِهِ وسموِّ إبداعِهِ في الطَّبيعةِ السَّاحرةِ، وكذلكَ شعرُ الغزلِ عَنْ لسانِهِ وعَنْ لسانِها وحبِّ الوطنِ وحبِّ الطَّبيعةِ كذلكَ.
18. ماذا تعني لكِ الطُّفولةُ، هَلْ تستوحينَ مِنْ عوالمِ الطُّفولةِ بهاءً وبوحاً شِعريَّاً، وسرديَّاً؟!
الطُّفولةُ هي حجرُ الأساسِ الَّذي إذا تمَّ الاهتمامُ بِهِ وتلقينُهُ الأسسَ السَّليمةَ للغةِ والقواعدِ النَّحويَّةِ والبيانيَّةِ سيشبُّ الطِّفلُ على حبِّ الأدبِ وعلى شغفِ المعرفةِ فيستطيعُ بدورِهِ حَمْلَ الشُّعلةِ لاستكمالِ المسيرةِ، ربَّما تُعتبرُ مجموعتي الأدبيّة مِنْ قصصِ ألفِ ليلة مُناسِبةً لتوجيهِها للأطفالِ بما تحويهِ مِنْ قصصٍ شيَّقةٍ وأساطيرَ مِنْ مُختلفِ البلدانِ.
19. ما هو هدفُكِ مِنْ كتابةِ الشِّعرِ، ما الَّذي يجذِبُكِ إلى فضاءَاتِ رِحابِ الشِّعرِ؟!
هدفي الأوَّلُ هو التَّرنُّمُ مِثلَ البُلبلِ في الحقولِ ولذلكَ اخترتُ لنفسي لقبَ "كروانةُ النِّيل" تشبُّها بصوتِ الكروانِ المصري الرَّخيمِ وهو يرفرفُ صادحاً على شاطئِ النِّيلِ فيعذبُ صوتُهُ للأسماعِ، فالهدفُ هو إسعادُ النَّاسِ وإطرابُهم ويكفي أنْ يذكِّروني بجميلِ الدُّعاءِ إنْ استلذُّوا بحروفي.
20. إلى أينَ تُريدينَ أنْ تصلي في مِحرابِ انبعاثِ بوحِ الشَّعرِ، وفي تجلِّياتِ بوحِ السَّردِ؟!
يعتقدُ البعضُ أنَّ الشِّعرَ ساحةٌ للمنافسةِ فيتفاخرُ بعضُ الشُّعراءِ ويختالونَ عجباً بحروفِهم ويعتقدونَ بتفرُّدِهم لا سواهم ولكن مِنْ وجهةِ نظري وعَنْ قناعةٍ تامَّةٍ، أنَّ الشَّاعرَ الحقيقيَّ هو الَّذي إذا قرأْتَ لَهُ ولو للمرةِ الألفِ، تشعرُ بأنَّكَ كأنَّما تقرأُ لَهُ للمرَّةِ الأولى، وأنَّهُ في كلِّ مرَّةٍ يقدِّمُ لكَ سلافاً جديداً مِنْ زقِّهِ العتيقِ بروحِ الأصالةِ والحنكةِ الَّتي اكتسبَها مِنْ طولِ دربةٍ مَعَ الحروفِ.
أجرى الحوار صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
ستوكهولم: تمُّوز، (يوليو) 2024
0 comments:
إرسال تعليق