الفنّانة التَّشكيليّة العراقيّة ازدهار أسامة: الفنُّ هو رسالةٌ إنسانيّةٌ وجماليَّةٌ، والفنَّانُ مرآةُ مجتمعِهِ
حوار صبري يوسف – ستوكهولم،
أتابع تجربة الفنَّانة التَّشكيليّة العراقيّة ازدهار أسامة منذُ سنوات، وقَدْ حضرْتُ لها عدَّةَ معارضَ مشتركة في العاصمة السُّويديّة، ستوكهولم، وساهمَتْ في نشرِ أعمالِها في مجلَّةِ السَّلام الدَّوليّة بعدّةِ أعدادٍ، وهي خرّيجة معهد الفنون الجميلة في بغداد، وشاركَتْ بعد تخرُّجِها مِنَ المعهدِ في عدَّةِ معارض في العراق، وبعدَ أنْ استقرَّتْ بها الأحوال في السُّويد، بدأَتْ ترسمُ لوحاتِها بكلِّ هُدوءٍ ومُثابرةٍ، وتساهمُ في معارضَ مشتركةٍ مَعَ العديدِ مِنَ الفنّانينَ والفنَّاناتِ في السُّويدِ وفي بعضِ الدُّولِ الأوربيّةِ والعربيّةِ. تُركِّزُ في لوحاتِها على رسمِ لوحةٍ تتضمَّنُ مَوضوعاً مُعيَّناً بترميزاتٍ مُتعدَّدَةٍ. تميلُ الفنّانةُ إلى رسمِ عوالمِ الطُّيورِ والشُّخوصِ والحيواناتِ والطَّبيعةِ، وترمزُ لها برموزٍ ومدلولاتٍ عميقةٍ. التقيتُها مُؤخَّراً في معرضٍ مُشتركٍ أقامتْهُ جمعيّةُ الفنَّانينَ التَّشكيليِّينَ العراقيِّينَ في ستوكهولم، حملَ عنوان: "وسام معنا"، احتفاءً بالفنّانِ التَّشكيليِّ الرَّاحلِ وسام النَّاشي، واقترحْتُ عليها إجراءَ هذا الحوارِ حولَ تجربتِها الفنّيّةِ، فوافقَتْ على اقتراحي برحابةِ صدرٍ وَوُلِدَ هذا الحوار:
1ـ ما الّذي جذبَكِ إلى عوالمِ الرَّسمِ، وهَلْ كانَ لديكِ اهتمامٌ وشغفٌ في فضاءِ الرَّسمِ في مرحلةِ الطُّفولةِ؟
نعم كانَ لديَّ شغفٌ واهتمامٌ في عالمِ الفنِّ والرَّسمِ، وأكثرُ ما جذبَني إلى الفنِّ هو أنَّني مِنْ عائلةٍ فنِّيّةٍ. عمِّي رسامٌ وخطّاطٌ وابن عمي وابن خال أبي، وابن عم أبي كاتبُ مسلسلاتٍ وأفلامٍ، فهو معروف في الوسط الفنّي معاذ يوسف، فقَدْ تأثَّرْتُ بهذِهِ الأجواءِ الفنّيّةِ مُنذُ كنْتُ طفلةً، وتذوَّقْتُ الفنَّ، وحينَ كبرْتُ كنْتُ أرسُمُ بينَ الحينِ والآخرِ، وأناقشُ أحياناً أعمالَ الكاتبِ معاذ يوسف في كتاباتِهِ، كما كنْتُ أناقشُهُ حولَ الموسيقى وأنواعِ السِّيمفونيَّاتِ، والفرقُ بينها وبينَ الموسيقى الشَّرقيّةِ. كلُّ هذهِ الأجواءِ والنِّقاشاتِ غذَّتْ مِيولي للفنِّ والرَّسمِ، وبدأْتُ أرسمُ بشغَفٍ، وفي هذهِ الأجواءِ المُشجَّعةِ تَنامَتْ مِيولي للرَّسمِ والفنِّ.
2. متى شعرْتِ أنَّ لديكِ الرَّغبةَ في الرَّسمِ، وكيفَ بدأْتِ الرَّسمَ، وكيفَ تنامَى عِندَكِ شغَفُ الرَّسمِ؟!
ترعرَعْتُ في وسطِ عائلةٍ فنِّيّةٍ، وكنْتُ أتذوَّقُ الرَّسمَ، وأعطي رأيي في الكثيرِ مِنَ الرُّسومِ والقضايا الفنِّيَّةِ، وكنْتُ أحاولُ تقليدَ بعضَ لوحاتِهم، لكِنْ بدايةُ شغفي الكبيرِ كانَتْ في إيطاليا، مِنَ الفاتيكانِ، مَعقلِ الفُنونِ، فقَدْ ذهبْتُ مَعَ العائلةِ ضمنَ رحلةٍ سياحيّةٍ إلى إيطاليا، وهناكَ التقيتُ مَعَ فنَّانينَ، كانوا يرسُمون الأعمدةَ الكبيرةَ والتَّماثيلَ في ساحةِ الفاتيكانِ، وقَدْ استهوَتني الأجواءُ الفنِّيَّةُ، استهوتني الأجواءُ كثيراً، جلَسْتُ بكلِّ فرحٍ وشغَفٍ بالقربِ مِنهم، لاحظَ أحدُ الفنّانينَ اهتمامي بهم، فتقدَّمَ نحوي وأعطاني قلماً وورقةً، وقالَ لي ارسمي، وحاوَلْتُ أنْ أرسمَ وكنْتُ أقولُ لَهُ، أنا لسْتُ رسَّامةً، لكنِّي أُحِبُّ الرَّسمَ، لكنَّهُ قالَ لي أنتِ لديكِ حسٌّ فنّيٌّ، ويمكنُ أنْ تصبحي رسَّامةً. سرَّتْني هذه الأجواءُ، والحواراتُ، ولَمْ آخذُ كلامَهم بجدّيّةٍ، وبدأْتُ أرسُمُ بكلِّ عفويَّتي، ثمَّ ذهبْتُ مَعَ أبي إلى متجرٍ فيهِ تحفٌ ولوحاتٌ فنّيّةٌ، لشراءِ بعضِ اللَّوحاتِ والتُّحفِ الفنّيَّةِ، اخترْتُ لوحةَ خيولٍ وأصرَرْت على شرائِها، قالَ صاحبُ المتجرِ لأبي ابنتُك ستكونُ رسَّامةً في المُستقبلِ. كنْتُ آنذاكَ أدرسُ تجارة، وأثناءَ عودتي إلى العراقِ غيَّرْتُ تخصُّصي مِنَ التِّجارةِ إلى معهدِ الفنونِ الجميلةِ.
3. ماذا كنْتِ ترسُمينَ عندما بدأْتِ بالرَّسمِ، تحدَّثي عَنْ تجربةِ البداياتِ والمواضيعِ الَّتي كُنْتِ ترسمينَها؟
كنْتُ أرسمُ أيَّ شيءٍ يُعجبُني، ويجذبُني، استهواني الرَّسمُ كثيراً، لِما كانَ فيهِ مِنْ مُتعةٍ أثناءَ لحظاتِ الرَّسمِ، غالباً ما كنْتُ أرسمُ أشكالَ الشُّخوصِ، وأرسمُ الطَّبيعةَ، الأشجارَ والورودَ وبعضَ أشكالِ الحيواناتِ، كَما كنْتُ أقلِّدُ لوحاتِ بعضِ الفنّانينَ كنوعٍ مِنَ التَّدريبِ على الرَّسمِ.
4. متى قرَّرْتِ الالتحاقَ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ في بغدادَ، تحدَّثي عَنْ هذهِ المرحلةِ الدِّراسيّةِ في المَعهدِ؟!
كنُتُ أدرسُ التِّجارةَ، وبعدَ عودتي مِنْ زيارتِنا لإيطاليا تغيّرَ مَسار دراساتي، لأنِّي بدأْتُ أرسمُ كثيراً، ولَمْ أهتمَّ بشرحِ المدرِّسةِ في الصَّفِّ، وحالما استمَعْتُ خبرَ افتتاحِ القبولِ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ، توقَّفْتُ عَنْ دراسةِ التِّجارةِ، والتحقْتُ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ، وخضْتُ اختبارَ القبولِ، وحصَلْتُ على درجةٍ عاليةٍ، وتمَّ قبولي في المعهدِ، وسُرِرْتُ كثيراً بالتحاقي بالمَعهدِ، وانطلقْتُ برحلتي الفنِّيّةِ الّتي كنْتُ أهواها كثيراً.
5. كيفَ انطلقْتِ في فضاءِ الرَّسمِ بعدَ تخرُّجِكِ مِنْ معهدِ الفُنونِ، وما هوَ الأسلوبُ الّذي اتبعتِهِ في الرَّسمِ؟
انطلقْتُ بهمَّةٍ ونشاطٍ وأنا طالبةٌ في السّنةِ الثّالثةِ مِنْ دراستي في المعهد، وساهمْتُ في معرضٍ مشتركٍ مَعَ الفنَّانةِ التَّشكيليّةِ غادة حبيب في أكبرِ "هوتيل" في العراق، وكانَ وقتًها مهرجانُ المربدِ واجتماعُ الوزراءِ العربِ. نجحَ المعرضُ نجاحاً كبيراً، وبيعَ أكثرُ مِنْ نصفِ الأعمالِ، أمَّا مشاركاتي بعدَ المعهدِ، فقَدْ شاركْتُ بمعارضَ فنِّيَّةٍ كبيرةٍ وكثيرةٍ مَعَ كبارِ الفَّنَّانينَ العراقيِّينَ والعربِ والأجانبِ في مركزِ الفنونِ في بغداد، وحصلْتُ على شهاداتِ تقديرٍ، وكُرِّمْتُ مِنْ قِبلِ وزيرِ الثَّقافةِ والفنونِ. وقدَّمْتُ معارضَ شخصيّةً، وكذلكَ شارَكْتُ بعدَّةِ معارضَ فنِّيّةٍ مشتركةٍ في العراقِ، في قاعةِ التَّحريرِ وقاعةِ النَّصرِ، ورسمْتُ أعمالاً جداريّةً كثيرةً في ساحاتِ بغدادَ، وعملْتُ في مجالِ فنِّ وتركيبِ السُّقوفِ الثَّانويّةِ. لَمْ أؤطِّرْ نفسي بأسلوبٍ مُحدَّدٍ، حيثُ أرسمُ كلَّ شيءٍ يجذِبُني ويستهويني، وتميَّزَتْ أعمالي بإدخالِ الحيواناتِ والطُّيورِ والشُّخوصِ لفضاءَاتِها لأنَّ عوالمَها رائعةٌ.
6. متى وكيفَ ترسُمينَ، هَلْ ترسُمينَ اللَّوحةَ دُفعةً واحدةً أمْ على مراحلَ، ومتى تكتملُ عندَكِ اللَّوحةُ؟!
متى أرسمُ؟ هذا لا يحدِّدُهُ وقتٌ مُعيَّنٌ، لأنَّ الفنَّانَ مزاجيٌّ، وعندما تستهويهُ فكرةً ما، فجأةً يبدأُ برسمِها، بعدَ أنْ يجهِّزَ أدواتِ الرَّسمِ، يضعُ اللَّوحةَ البيضاءَ على "الستاند"، وحولَهُ الألوانُ والفراشي في الانتظارِ، ثمَّ يبدأُ بالرَّسمِ وهو يستمعُ إلى الموسيقى المفضَّلةِ لديهِ، لكِنْ كَمْ تأخذُ اللَّوحةُ وقتاً لرسمِها؟ هذا ما لا يستطيعُ الفنَّانُ أنْ يقدِّرَهُ، لأنَّ لكلِّ لوحةٍ فضاؤها الخاص، ويتوقَّفُ الأمرُ بحسبِ موضوعِ اللَّوحةِ ومزاجِ الفنّانِ أيضاً.
7. عندما ترسمينَ لوحةً ما، هَلْ لديكِ فكرةٌ ما عنها، كروكيه، تخطيطٌ ما، أمْ ترسمينَها مِنْ وحي الخيالِ؟!
نعم، قبلَ أنْ أرسمَ لوحةً ما، لديَّ فكرةٌ عَنِ اللَّوحةِ الَّتي سأرسمُها، ربَّما هذهِ الفكرةُ راودَتْني مِنْ خِلالِ حدثٍ مُعيّنٍ أو موقفٍ مُعيَّنٍ، أو موضوعٍ شخصيٍّ مُعيّنٍ، ظلَّ مُخزَّناً في ذهني، فأبدأُ برسمِ كروكيه على الورقِ، أو أرسمُ تخطيطاً يتضمَّنُ الفكرةَ الَّتي أنا بصددِ رسمِها، ونطلقُ على التَّخطيطِ الأوّلي مُصطلحَ "السكيج" وهنا نستطيعُ أنْ نبنيَ أساسَ الفكرةِ ومضمونَها، وخلالَ تنفيذِ اللَّوحةِ نقومُ بتطويرِها، ويُمكنُ أنْ نضيفَ بعضَ التَّفاصيلِ، كما يُمكنُ أنْ نختزلَ بعضَها، وهذا يتوقَّفُ بحسبِ ما يريدُ الفنّانُ أنْ يوصلَهُ للمشاهدين.
8. ترسمينَ أشكالَ الطُّيورِ، الحيواناتِ، الطَّبيعةَ وشكلَ الإنسان، ولديكِ ترميزاتٌ للشكلِ الَّذي ترسمينَهُ، كيفَ تُسقطينَ ترميزاتِكِ ورؤاكِ على اللَّوحةِ الَّتي تتضمَّنُ شكلاً ما، طيراً كانَ أو حيواناً، إنساناً أو طبيعةً؟
أنا أحبُّ عوالمَ الحيوانِ وأخذني الفضول لأبحثَ عن عالمِهم حين سمعتُ قول الله، كلهم أممٌ أمثالكم. بالفعل لو ندرسُ ونتعمَّقُ بتفاصيلِ حياةِ كلِّ حيوانٍ، سنرى عالماً رائعاً وجميلاً. الغرابُ هو مَنْ علَّم الإنسانَ كيفَ يتصرَّفُ عندَ موتِ أخيهِ، وكذلكَ الذِّئابُ تبرُّ بوالديها عندما يكبرانِ، وأمورٌ كثيرة عَنْ مملكةِ الحيوانِ مِثلَ وفاءِ الكلابِ. أقولُها بكلِّ صراحةٍ، لو درسَ كلُّ شخصٍ عالمَ الحيواناتِ لاستفادَ منها فائدةً كبيرةً، لهذا أنا أُحِبُّ أنْ يكونَ لعوالمِ الحيواناتِ والطُّيورِ نصيباً وافراً في فضاءِ لوحاتي.
9. ما هي الألوانُ الَّتي ترسمينَ فيها: الأكريل، الزَّيتي، المائي، الشّمعي/ الباستيل؟ ولماذا تختارينَ لوناً مِنْ هذهِ الألوانِ دونَ غيرِهِ؟!
أختارُ الألوانَ الزَّيتيَّةَ، فهي الأفضلُ عندي، لأنّها تُعطي حرِّيةَ الإبداعِ، وانسيابيّةً في رسمِ اللَّوحةِ. الألوانُ المائيّةُ يجبُ أنْ يكونَ الفنّانُ دقيقاً وحَذرَاً برسمِ الموضوع ،ِلأنَّ الألوانَ المائيّةَ لا تتقبَّلُ الأخطاءَ، وأيُّ خطأ غالباً ما يؤثِّرُ على اللَّوحةِ، وأمّا الأكريليك، فهذا اللَّونُ يجفُّ بسرعةٍ على اللّوحةِ، لهذا لا أحبِّذُهُ، لأنَّهُ يُقيِّدُ الفنّانَ بحركةِ الفرشاةِ ومُناغمةِ الموضوعِ، لهذا أفضِّلُ الألوانَ الزّيتيّةَ وأبدعُ فيها أكثرَ مِنْ بقيّةِ الألوانِ.
10. شارَكْتِ في عدّةِ مَعارضَ في العراقِ، وفي السُّويدِ، كما شارَكْتِ في معارضَ دوليّةٍ، تحدَّثي عَنْ مشاركاتِكِ في هذهِ المعارضِ، وما هي الفائدةُ الّتي جنيتِها مِنْ هذهِ المَعارضِ الَّتي شاركْتِ فيها؟
شاركْتُ بمعرضٍ في مَركزِ الفنونِ في بغدادَ، وهو أكبرُ تجمُّعٍ فنِّي دولي. وحصَلْتُ على جوائزَ وشهاداتٍ تقديريّةٍ. وشارَكْتُ في مَعرضِ القاهرةِ وحَصَلْتُ على تكريمِ، كما شاركْتُ في معارضَ في تركيا ولندن وإيطاليا وهنكاريا ودولٍ أخرى، وبالإضافةِ إلى الجوائزِ والتَّكريماتِ، حصَلْتُ على صداقاتٍ لفنَّانينَ وفنَّاناتٍ مِنْ دُولٍ عديدةٍ، وقَدْ أضافَتْ هذهِ المعارضُ والمشاركاتُ لتجربتي الفنِّيِة رؤيةً عميقةً وخبرةً جديدةً.
11. ما هي المعارضُ الفرديّة الّتي قدَّمتِها سواءً في العراقِ أو خارجَ العراقِ وكيفَ كانَ انطباعُ المُشاهدينَ؟
قدَّمْتَ عدَّةَ معارضَ وتمَّ اقتناءُ أكثرَ مِنْ نصفِ لوحاتي، ودعاني رئيسُ مجلّةِ الرِّسالةِ الكويتيّةِ. الله يذكرُهُ بالخيرِ الأستاذ جاسم المبارك لإقامةِ معرضٍ بالكويتِ الشَّقيقِ، لكنَّ الحروبَ والحِصارَ آنذاكَ حالَتا دونَ ذلك.
12. ما هو دورُ الفنِّ في رسمِ البُعدِ الجمالي والتَّنويري في المجتمعِ وهَلْ حقَّقَ الفنُّ هذا الدَّورَ كما يجب؟
الفنُّ هو رسالةٌ إنسانيّةٌ وجماليَّةٌ، ونرى الفنَّانَ يُبدعُ بالسِّلمِ وفي الحربِ، نَستطيعُ القولَ: إنَّ الرَّسامَ هو المرآةُ العاكسةُ لكلِّ ما هو جميلٌ وبشعٌ، وربَّما في بعضِ الأحيانِ نلاحظُ الرَّسامينَ يجمِّلون الواقعَ البشِعَ لكي يخفِّفَ مِنْ حَجمِ بشاعةِ الحَدثِ على المجتمعِ، نرى رسَّاماً يرسمُ حُطامَ مدينةٍ، لكِنْ يضعُ أموراً مِثلَ زهورِ الحمامِ الأبيضِ، بهذا يعطي للمشاهدِ أنَّهُ رغمَ الشَّرِّ لكنْ هناكَ خيرٌ وإعادةُ إعمارٍ، الرَّسامُ دورُهُ مهمٌّ جدَّاً بخلقِ أشياءَ مِنْ خِلالِ لوحاتِهِ مِنْ لا شيءَ، لهذا تأثيرُ الفنِّ على المُجتمعِ تأثيرٌ إيجابيٌّ.
13. ماذا يعني لكِ الرَّسمُ، الفنُّ، الإبداعُ، والعطاءُ الخلّاقُ في أيِّ مَجالٍ فنِّي أو أدبيٍّ أو فكريٍّ؟!
الرَّسمُ وجميعُ الفنونِ مِثلُ الموسيقى والتَّمثيلِ والشِّعرِ والرّقصِ، تعني لي الكثيرَ، فجميعُ هؤلاءِ هم رسائلُ إنسانيَّةٌ، ومرآةٌ عاكسةٌ في حالةِ السِّلمِ أو الحربِ، وهذهِ المَجالاتُ الفنِّيّةُ والأدبيّةُ والفكريّةُ هي الباقيةُ طويلاً.
14. ما هي المدارسُ الفنّيّةُ الّتي تستهويكِ في الرَّسمِ، وكيفَ تَدمُجينَ في أعمالِك أكثر من تيّار فنّي؟!
المدارسُ الواقعيّةُ والسّرياليّةُ تستهويني، وكذلك الانطباعيّةُ، وعِندَما أُنفِّذُ عملاً ما أو فكرةً ما، تتداخلُ هذهِ المدارسُ مَعَ بعضٍ وأخرجُ بأفكارٍ فنّيةٍ، أنفِّذُهَا على اللَّوحةِ، ويُعجبُ بها الزُّوارُ أثناءَ عرضِها في المعارضِ.
15. هَلْ رسمتِ لوحاتٍ تجريديّةً، أمْ لديكِ توشيحاتٌ تجريديّةٌ في فضاءِ اللَّوحةِ؟!
نعم رسمْت لوحاتٍ تجريديَّةً، أنا مِنْ طبعي لا أحبُّ التَّقيدَ بأسلوبٍ مُحدَّدٍ، حتَّى على صعيدِ حياتي اليوميّةِ أُحِبُّ التَّنويعَ في الأساليبِ الفنّيّةِ، خصوصاً في الرَّسمِ، لا أتقيَّدُ بمدرسةٍ معيَّنةٍ، كلُّ شيءٍ جميلٍ يستهويني، ويلفُتُ نظري بشكلٍ لا إراديٍّ، وتراني أتوجَّهُ صوبَ الجمالِ كي أترجمَهُ عبرَ تناغماتِ الألوانِ، وأنفِّذَ الموضوعَ بشوقٍ عميقٍ.
16. مِنْ خلالِ تجربتِكِ ومتابعتِكِ للفنِّ التَّشكيلي العراقي والمشرقي، واطلاعِكِ على الفَنِّ الغَربيِّ والسُّويديِّ بشكلٍ خاص، أينَ تضعينَ مستوى التّشكيلِ العراقيِّ مقارنةً بالفنِّ المشرقي والعربي والغربي؟!
يوجدُ فنَّانونَ عِراقيِّونَ مُبدعونَ جدَّاً، سبقَ وقلْتُ كانَ العراقُ قِبلةَ الفنَّانينَ والشُّعراءِ ومنارةَ جميعِ الفُنونِ. كانَ العربُ والغربُ يأتونَ للمشاركةِ مِنْ أجلِ حُبِّ الاندماجِ الفنِّيِّ والثَّقافيِّ مَعَ الفنَّانِ العراقي. الفنَّانُ العراقيُّ والفنانونَ العربُ يركِّزُونَ على الواقعيّةِ والانطباعيّةِ. أمَّا الفنَّانونَ الغربيِّونَ عامةً والسُّويديون أيضاً، فقَدْ طغى على أسلوبِهم فضاءُ التَّجريدِ.
17. ما هي طُموحاتُكِ المستقبليّةُ بما يتعلّقُ بالرَّسمِ، هَلْ لديكِ برنامجٌ فنِّيُّ مُعيَّن لآفاقِ رؤاكِ الفنّيّةِ المُستقبليّةِ؟
أهدفُ إلى تطويرِ تجربتي الفنّيَّةِ، وإلى رسمِ أجملِ اللَّوحاتِ. وأنا أشتغلُ كمنسِّقةٍ لمعارضَ خارجَ السُّويدِ، وأطمحُ أنْ أُؤَسِّسَ منتدى فنِّيَّاً وأدبيَّا خاصَّاً بتقديمِ وعرضِ الفُنونِ الإبداعيّة كالرَّسمِ والشِّعرِ والأدبِ.
18. كيفَ يمكنُ للفنّانِ والفنّانةِ مِنْ أنْ يرفعا مِنْ مُستوى الفنِّ مِنْ جهةٍ، وكيفَ يمكنُ للأدباءِ والكتّابِ مِنْ أنْ يرفعوا مِنْ مستوى الأدبِ والفكرِ مِنْ جهةٍ أخرى، وما هي أفضلُ الطُّرقِ لرفعِ مستوى الفنونِ الإبداعيّةِ مِنْ تشكيلٍ وأدبٍ وفكرٍ ضمنَ الظُّروفِ الرَّاهنةِ؟!
يستطيعُ الكتّابُ والشُّعراءُ والفنَّانونَ أنْ يرفعوا مِنْ مُستوى الفنونِ الإبداعيّةِ، مِنْ خلالِ المُثابرةِ والتَّواصلِ والإبداعِ، وأشرْتُ مُسبقاً أنَّ كلَّ هؤلاءِ هُمُ المرآةُ العاكسةُ لكلِّ ما يطرأُ على المُجتمعاتِ، مِنْ سِلْمٍ وحَربٍ وفَرحٍ وحُزنٍ في الوقتِ الرَّاهنِ. تراهم ينهضونَ بكلِّ ما لديهِم مِنْ قوّةٍ وطُموحٍ مِنْ أجلِ الوثوبِ والارتكازِ على صخرةِ التَّحدِّي الَّذي يوصلُنا إلى أرقى حالاتِ الإبداعِ.
ستوكهولم: آب (أغسطس) 2024
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم