مقتطفات من كتاب في أدب الحوار أجريته مع الأديبة والنّاقدة الجزائريّة نوميديا جروفي حول تجربتها الأدبيّة




حوار صبري يوسف – ستوكهولم،

تعرّفت على الأديبّة والباحثة والنّاقدة الجزائريّة نوميديا جروفي عبر الشَّكبة العنكبوتيّة، فقرأتُ لها العديد من القصائد الشِّعريّة، والقصص القصيرة والمقالات والحوارات والدِّراسات النَّقديّة الَّتي أعدَّتها ونشرتها عبر العديد من المواقع والصّحف الورقيّة والإلكترونيّة، حيث تتميّز بقلمٍ رصين لما تحمل من ثقافة واسعة في مجالات الأدب والفكرٍ المستنير، ورؤاها منفتحة على فضاءات رحبة، ولها اهتمام كبير للوقوف مع الأقلّيات المهمّشة ومناصرتها في قضاياها، وقد شاركت بعدّة ملفَّات مهمّة في مجلّة السَّلام الدَّوليّة الّتي أحرِّرها من ستوكهولم، وبعد أن اطّلعتُ على تجربتها الأدبيّة، وجدتُ أنّها تحمل رؤية تنويريّة فكريّة فسيحة، ولها وجهات نظر تصبُّ في مرافئ السَّلام والإبداع الرَّصين، ولها باع طيّب في إدارة النّشر الإلكتروني حيث تشرف على إدارة تحرير موقع المجلّة الإلكترونيّة "معراج الفكر"، كما أنّها محرّرة في مجلّة "رؤيا الفصليّة". 

تواصلتُ معها واقترحت عليها إجراء حوار موسّع معها حول تجربتها الأدبيّة، وهو مشروع كتاب في أدب الحوار، فأبدت استعدادها لهذا الحوار، ووصلني منها بطاقة تعريف موسّعة عن تجربتها في الأجناس الأدبية المتعدِّدة من شعر وقصّة ومقال وحوار ودراسات أدبيّة نقديّة، فأعدَدْتُ هذه الأسئلة، بعد أن أعدَدْثُ بحثا ًموسّعاً عن تجربتها في فضاء الكلمة الخلّاقة، ووجدتها متابعة نشيطة وحذقة في مجالات الكتابة والنّشر عبر العديد من المنابر المتاحة على السَّاحة الثَّقافيّة والأدبيّة، ورقيّاً وإلكترونيّاً، وَوُلِدَ الحوار التّالي:

أين تُخبّئين الطفلة التي في داخلك، وهل لا تزال هذه الطّفلة تمرح بين ظلال الرّوح؟

أنا لا أخبّئ الطفلة التي في داخلي أبدا لأنّها تعيش في كتاباتي غالبا، وموجودة في يوميّاتي دوماً.

تلك الطّفلة تظهر أحياناً في لقائي مع صديقات الطُّفولة والمدرسة، وأحياناً تظهر وسط الأطفال في بعضِ الورشات الَّتي أحضرها، وأحياناً أخرى تعودُ وأنا أشاهد رسوم متحركة الجيل الذّهبي مع ابني أو ونحن نلعب معاً، أو وسط قططي وأنا أداعبها وألعب معها لتبقى الطّفلة الَّتي في داخلي تمرح دون أن تكبر أبداً، وأغلب الأوقات وأنا أرسم وألوّن، فأنا أحبّ الأقلام الملوّنة وشغوفة بها. الطّفلة الّتي في داخلي ما تزال تمرح بين ظلالِ الرُّوح حيث كتبتُ يوماً:

يشيبُ الرَّأس

والقلب شابٌّ لا يشيبُ

تغيب شمس الجسد

وشمس الرّوح لا تغيبُ ..

كيفَ ترعرعتِ اللُّغة في عالمِكِ إلى أن أصبحت كأنّها نبتة الحياة في أعماقِكِ، تعبّرينَ من خلالِها عمّا يجولُ في ذهنِكِ من مشاعر رهيفة في الحياة؟

المطالعة منذ كان في عمري تسع سنوات هي من جعلت اللّغة تترعرع في عالمي، فمن خلال الكتب الَّتي 

قرأتها عشتُ عوالما تختلف عن عالمي، سافرتُ عبر التَّاريخ واكتشفت أموراً كنت أجهلها رغم صغر سنّي، 

وكنت دائمة البحث في ثنايا صفحات الكتب.

اللغة تكبر وتنمو بالبحث الكثيف والغوص العميق في صفحات الكتب، وتصبح كأنّها نبتة الحياة في الأعماق عندما يكون الإنسان المثقف عصاميّاً، يُعلّم نفسَهُ بنفسِهِ من خلالِ الكتبِ وحبِّ الاستكشافِ، إضافةً لانتهاجه مبدأ الإنسانيّة حيثُ يشعرُ بمشاعر غيره سواء في الأحزان أو الأفراح.

متى شعرتَ أنّ الكلمةَ، اللُّغة مفتاح العبور في محراب القصيدة؟

في عمر الحادية عشر شعرتُ أنّ في أعماقي صرخة استثنائيّة تريد أن تُسمع خارجاً، مازلت أذكر ليومنا هذا أنّي بدأت كتابة أوّل خاطرة بعد أن أنهيت قراءتي لرواية (الأمين والمأمون) لجرجي زيدان، ومن يومها حصّلت على مفتاح العبور في محراب القصيدة. ووجدتُ نفسي أكتبُ خواطرَ مبعثرة جمعتها لاحقاً في مذكرة واحتفظتُ بها.

كيف عانقتك رهافة القصيدة، وتنامى شغف الكتابة عندكَ إلى أن انبلجَ وميض الشّعر من دنياك؟

الخاطرة كانت بوَّابتي للقصيدة، وجدتُ أنّ ما كنتُ أكتبه وأحتفظ به بمرور الوقت يستحقّ أن يُوثّق ذات يوم، وهكذا كان حيث تنامى شغف الكتابة عندي بقراءاتي الكثيرة للشعراء مثل نزار قباني، محمود درويش وجرير والأخطل وجلال الدِّين الرومي وأنا لم أبلغ الرَّابعة عشر.

في ذلك الزّمن لم تكُنْ هناكَ إنترنيت كما هو الحال الآن، فكنت أكتب في سجلّات مازلت أحتفظ بها ليومنا هذا . ليأت يوم وكانت هناك مسابقة وطنية بعنوان: (جائزة علي معاشي) سنة 2007 جمعت فيها بعض كتاباتي وعرضتها على مدير الثقافة السابق السيد "حكيم ميلود" ليقرأها فشجّعني على الكتابة أكثر ووجّهني لتقسيم الكتابة حسب المواضيع وكان دوما يساعدني باقتناء المزيد من الكتب.   

بمرور الوقت انبلج وميض الشّعر من دنياي وأصبحت أكتب شعراً، صنعتُ به بَصْمَتي الخاصّة الَّتي تُميّزُني عن غيري في طريقة الكتابة.

كيف تلتقطين إشراقة القصيدة، وكيف تنمو خيوط القصيدة إلى أن تصل إلى بهجة القلب وظلالِ الرُّوحِ؟

إشراقةُ القصيدة ألتقطها من نغمة موسيقيّة تُلهمني للكتابة، من منظر يُلفت نظري وأنا أمشي في الشارع، من طفل وأنا في الحافلة، من لوحة فنيّة تشدّ انتباهي، من لقطة تلفزيونيّة وأنا أشاهد فيلم ما.

أكتب نقاطاً ومسودّة أتركها لبعض الوقت ثمّ أراجعها فتنمو من خلالها خيوط القصيدة إلى أن تصل إلى بهجة القلب والروح.

كيف تنظرين إلى بهاء الأزاهير، الطيور، وصفاء السماء في صباح باكر، هل يهفو قلمك إلى مناغاة زقزقات العصافير وعبق الزُّهور وزرقة السَّماء وأنتِ في أوج تجليّات الحنين إلى مذاق بوح القصيدة؟

في الصّباح الباكر أوّل شيء أنظر إليه هي السّماء وحالتها ولونها خاصّة في فصل الشّتاء حيثُ أنّ باقي الفصول عندنا يكون لونها أزرق، فللون السّماء دور كبير في حالتي النَّفسية الّتي سأمضي بها يومي، لو تكون رماديّة قاتمة أكون كئيبة واحتمال كبير أنّ الكتابة الّتي ستخرج من قلمي ستكون حزينة أو منطوية على ذاتها. الأزهار لها بهجة في النفوس لأن الألوان تلعب دور كبير وحتى النباتات باختلاف أنواعها، قد يأتي نصّ قصير و نحن نشاهد أنّ النبتة زادت بورقة أو طول أو اخضرار. وللعصافير نكهة خاصة و جميلة من خلال زقزقتها الصباحية وأنا أفتح النافذة ليوم مشرق بهيج بموسيقاها، أو من خلال العصافير الموجودة عندي بالبيت وأنا أسمع غناءها الجميل الصباحي وهي في قمّة بهجتها وسعادتها التي تُبهجني أيضاً. فبين صفاء السّماء والأزهار وزقزقة العصافير يكون بوح شوق وحنين ويوم جميل. 

هل تشعرين أنّ الشّجرة مبرعمة من رحيق القصيدة، وأنّ زخّات المطر تتهاطل فوق زغب الحرف، فينساب خيالك بكلّ ابتهال فوق خدود الأطفال؟

بكلّ تأكيد الشجرة مُبرعمة من رحيق القصيدة و كلّ غصن فيها هو بمثابة بيت شعر أو سطر نصّ قصير فجمال الشجرة يعطي إلهاما جدّ خاصّ و مميّز للكتابة، كما أنّ زخات المطر عبارة عن موسيقى خاصّة نسمعها و هي تنقر على زجاج النوافذ في ليالي الشتاء الباردة فتتراقص الحروف فوق الأوراق لتُبدع بقصيدة ابتهال فوق خدود الأطفال في أيام العيد. 

هل الشّعر صديق الحلم وينبوع الذّاكرة المحبوكة من أمواج البحار، فيتجلّى عبر حرف مجنّح نحو أجنحة الحنين؟

يبقى الشّعر صديق الحلم وينبوع الذاكرة المحبوكة من أمواج البحر والذكرى والحنين للماضي الجميل أحيانا، أو لأحبّة غادروا وهم تحت الثّرى. أحيانا ونحن نكتب نعود للوراء حيث لا نشعر فنجد أنفسنا نكتب طفولتنا أو شبابنا أو أحلامنا التي كُبتت قهرا، أو ذكريات ما تزال راسخة في الذاكرة لا يمحوها الزمن مهما كبرنا في أعمارنا. يبقى الشّعر سيّد الحرف فمن خلاله يُمكننا التّعبير عمّا في أعماقنا أو ما يُحيط بنا من بهجة وألم وحزن ودمعة صامتة تخرج من القلم بهدوء لا يشعر بها إلاّ من يقرؤها بعمق وهي مختفية وراء سطر أو كلمة.

لماذا لا يستفيد الإنسان من تجارب الحياة، ومن تاريخ الحروب المريرة التي أزهقت أرواح الملايين؟

هنا تكمن المشكلة الكبرى أنّ الإنسان دمويّ بطبعه منذ البداية وكأنّه يستلذّ بتعذيب وعذاب البسطاء من البشر، لا يستفيد من تجارب الحياة ومن تاريخ الحروب المريرة التي أزهقت أرواح الملايين و دمّرت الشعوب 

منذ قرون، لتجد بعضهم يقول:

 التاريخ يُعيد نفسه.. لا .. التاريخ لا يُعيد نفسه، فوحده الإنسان من يُكرّر غباءه وأخطاءه ليعيش الحدث مرتين وثلاث وأكثر بنفس الطريقة والأسلوب، كما يقول المثل السائد:

"من عثر على حجر و عاد إليه.. كان اللّوم و العتب عليه".

أتمنى من أعماقي أن يستفيد الإنسان من هذه التجارب التي آلمته و جعلته يذرف دموعا حارّة و أن تنتهي هذه الحروب التي ما تزال تُنهك كاهل الشعوب المقهورة التي تنتظر رحمة من الله و معونة منه.

فإلى متى و نحن نسمع أخبار الموت و الصواريخ و الانفجارات و الاغتيالات التي لا تنتهي؟ 

إلى متى سيبقى العالم العربي في حالة غليان مع بعضه البعض، ولا يحلّ مشاكله داخل الوطن ومع بقيّة الأوطان و يقدّم أرقى ما لديه للمواطن بعيدا عن كلّ هذه الصّراعات التي تتفاقم فوق جماجم الأوطان؟

إنه السؤال الذي يطرح نفسه مرارا و تكرارا دون جواب ..

العالم العربي للأسف الشديد دوما في حالة غليان مع بعضه البعض، إنه من تنطبق عليه مقولة: 

"اتّفق العرب على ألاّ يتّفقوا.. " وهكذا ..

نجد العرب متخاصمين مع بعضهم البعض في نفس الوطن بين طائفية وعنصرية تمييز وأحزاب إلى غيرها. تصوّر أبناء الشعب الواحد غير متّفقين مع بعضهم البعض، فكيف سيتّفقون مع غيرهم من العرب؟

كلّ هذا ناتج عن روح الكراهية التي تبثّ سمومها عبر الأجيال لتصبح ميراثا يرثه الأبناء عن الآباء والأجداد. قد تسأل شاب مثلا، لماذا تكره البلد الفلاني؟ يكون جوابه: لأنه عدوّ.. 

تعيد سؤاله: ما هو نوع العداوة و السبب؟ يكون جوابه : لا أعلم، هكذا سمعتهم يقولون منذ صغري..

الحلّ يكون يوم تتآزر النفوس و يضعون اليد في اليد بمحبة و إنسانية للتوقّف هذه الفوضى العارمة.

كيف تُحصّنين نفسك من غدر هذا الزمان، وهل تساءلت أين المفرّ من أجيج الاشتعال؟

الزّمان غدّار والدنيا دوّارة لمن يؤذي غيره، وأجمل حصانة لي هي التمسك بإنسانيتي وتواضعي واختيار الأشخاص المحيطين بي الذين أستفيد من معرفتهم  وتجاربهم في الحياة وليس العكس. بصراحة أجمل شيء في الحياة أن يكون لديك صديقا وفيّ تشاطره يومك ويشاطرك يومه وتكون معه على سجيّتك مرتاحا. وأجمل حصانة في الدنيا هي محبة الله التي تمنحنا القوة والعزيمة والشجاعة لمجابهة كل شيء نعيشه. سؤالك وجيه إن كنت قد تساءلت أين المفرّ من أجيج الاشتعال؟.. الجواب بسيط جدّا، لا مفرّ من غير صلاة نابعة من الأعماق بخشوع.  

نوميديا جروفي زهرة فرح في دنيا بكاء، كيف تُخفّفين طفوح الدّمع من أوجاع الانكسار؟

لا يمكن أن أخفي طفوح الدّمع من أوجاع الانكسار لأنها تبدو من خلال كتاباتي الحزينة التي تحكي آلاما يعيشها المقهورين المهمشين والمظلومين. 

مهما حاولت يفضحني قلمي وكلماتي وكتاباتي التي تتكلّم نيابة عنّي دوما، لهذا يسألونني دوما: لماذا كتاباتك حزينة دوما؟ أو يكون السّؤال: ما السرّ في الحزن الذي تُخفين في كتاباتك؟.

تكتبين القصيدة على إيقاع دفء الشّمس، من أين تستمدّين كل هذا الابتهال؟

ج: الشّمس صديقتي كلّ صباح وإيقاع دفئها يمنحني الإلهام خاصة في فصل الشتاء والربيع.

أستمدّ الابتهال من إشراقة صباح يوم جميل ترافقني فيه فيروز و أنا أحتسي فنجان قهوة.  

أنت والمطر صديقان منذ انبلاج الحرف في مآقي القصيدة، كيف تسربلت كينونتك مع زخّات المطر؟

المطر صديقي منذ انبلاج الحرف في مآقي القصيدة، إنّه النغمة الشجية التي ترافقني بعيدا عن ضوضاء الجميع، إنه الحديث الدّائم بيني وبين نفسي في ليالي الشتاء الباردة بانهماره الغزير، إنّه صديقي في طريق عودتي للبيت وأنا شاردة أسمع نقراته على الزجاج، ولكم أعشق المشي تحته دون مظلة في فرح لوحدي في الشارع أحيانا، وهكذا تسربلت كينونتي مع زخّات المطر التي تشبه موسيقى شوبان العالمية بعنوان سنفونية الخريف.

هل كلّما كتبت شعرا منبعثا من نبضات القلب، جمح خيالك شوقا إلى عناق ضياء السّماء؟

طبعا، كلّما كتبت شعرا منبعثا من نبضات القلب أشعر بفرح وسعادة لا متناهية  وكأنّي أعانق ضياء السّماء في فجر منبلج، وكأنّ قلبي يرقص فرحا في يوم عيد.  

متى راودك أن تلملمي قصائدك و تصدري أشعارك في ديوان مستقلّ، و كيف بدأت رحلة الإعداد؟

بعد مشاركتي في مسابقة (علي معاشي) الوطنية ذات يوم و عمري 23 سنة خطرت لي فكرة أن أحضر ديوانا يجمع ما كتبت بعد التنقيح طبعا بعنوان (سفر في مدينة الأحزان) و تركته على حاله لأبدأ بإعداد ما تبقى لي من قصائد كنت قد كتبتها في مسودات. وهكذا بدأت رحلة الإعداد لإصدار قصائدي.  


كيف تُخطّطين عندما تُصدرين ديوانا معيّنا، هل تُخطّطين منذ البداية في كيفية كتابة وتبويب القصائد، أم أنّك تكتبين القصائد كيفما انبعثت إلى النّور، ثمّ تختارين القصائد التي تناسب أجواء الديوان؟

لكلّ ديوان إلهامه الخاصّ، وكالعادة عند بداية الكتابة ومن أول القصائد يبرز العنوان لوحده فأدوّنه في المسودّة حتى لا أنساه وبعد تنقيح ومراجعة القصائد أُعيد قراءة العنوان لأتأكّد أنّه مناسب لمحتوى كلّ ما كتبت. وبالنسبة للقصائد فتكون حسب المواضيع التي أختارها لكل ديوان حسب عنوانه وأبدأ في ترتيبها، وقد حدث معي مرات عديدة أنّي أكتب ديوانين مع بعض، أو كتابين مختلفين في نفس الوقت، وأوّل شيء يخطر على بالي هو العنوان الذي يساعدني على إتمام الكتابة فأتواصل مباشرة مع الصّديق الفنّان التّشكيلي "ستار كاووش" ليُساعدني بلوحة من لوحاته لتكون غلافا لكتابي أو أختار أنا اللحة و أطلب منه أن يبعثها لي، لأنّي بصراحة اعتدت على أن تكون كلّ أغلفة كتبي بلوحات "ستار كاووش" منذ أوّل ديوان شعر لي..

قبل سنوات كانت عندي مشكلة في اختيار عناوين للقصائد، حيث كنت أكتبها و تبقى في المسودات عالقة لأنّها بدون عنوان ومع مرور الوقت تجاوزت هذه المشكلة وصار العنوان يأتي مع نهاية كتابتها لتتجمّل به ويُبرزها، فمع الوقت اعتدتُ الكتابة دون مسودّات أيضا لأكتب مباشرة على الكمبيوتر.

ماذا أحببت أن تقولي في ديوان (في متاهة قلبي المسافر)، ما هذه المتاهات وأين يسافر قلبك عبرها؟

ديوان (في متاهة قلبي المسافر) هو ديوان جمع أحزانا عربية، احتضن آلاما ودموعا من سوريا والعراق وكردستان، فيه قصائد عن شهداء وشهيدات، عن أطفال يحملون أحزانا عميقة، ففي متاهة قلبي المسافر سافرت عبر البلدان والأزمان وكتبت عن ثورة التحرير الجزائرية و مجازر 08 ماي 1945.

سافر قلبي عبر معانات مجتمعات، عمال كادحين و حزانى في شتّى أنحاء العالم العربي دون نسيان أبطال ثورة التحرير الجزائرية المجيدة. 

هل يستطيع الشاعر/الشاعرة أن يرسم متاهات قلبه الذي يرفرف في فضاءاته الرّحبة؟

كيف لا يستطيع الشاعر أن يرسم متاهات قلبه الذي يرفرف في فضاءاته وهو الذي يشعر بألم غيره أو سعادة من حوله، كيف لا وهو الوحيد الذي يستطيع التعبير عن الدموع الصامتة التي يراها وهو يمشي في الشارع؟ .. لماذا سُميّ شاعرا؟ لأنه يشعر و رسمه يكون بالحروف والكلمات التي تٌبرز لوحته المتمثّلة في قصيدة أو خاطرة يقرؤها ويتمتّع بها القارئ أو المستمع.

ما رأيك بالموسيقى والغناء وتغريد البلابل، وحفيف الأشجار مقارنة بإيقاعات أنغام القصائد؟

أنا أملك أذنا موسيقية منذ الصّغر وكل نغمة تجعلني ألتفت إليها و أتماهى معها لحدّ أقصى وأتوغّل فيها وكأنّني أقرؤها بتمعّن، فأنا أصلا عازفة بيانو منذ صغري.

فالموسيقى ترافقني يوميا وأحيانا تلهمني للكتابة، وأجمل ما فيها هي موسيقى الطبيعة من زقزقة العصافير، وانسياب مياه نهر أو شلال، حفيف شجرة، أو موسيقى الناي الحزين المنبعثة منه وتحكي ما يعجز اللسان عن الحديث عنه. أعشق الموسيقى الكلاسيكية لبتهوفن وموزار فهي تُريح أعصابي من يوم شديد التعب والإرهاق، وسماع فيروز يعطيني إلهاما لأكتب أحيانا بإيقاع قصيدة.

فإيقاعات الموسيقى تختلف من موسيقى بآلات أو نابعة من عمق الطبيعة أو ناتجة عن أغنية.. لكلّ آلة حديثها الخاص فمنها من يبعث السعادة أو الشجن أو الحزن أو الفرح. 

هل تكتبين أحيانا قصائدك وأنت تسمعين الموسيقى؟ وما تأثير الموسيقى في انبعاث بوح القصائد؟

الموسيقى هي ملهمي الأول في كتابة قصائدي، فموسيقى البيانو و الكمان لهما تأثيرا خاصّا و استثنائيا و أنا استمع لهما معا أو كل واحدة لوحدها، و من هنا فانبعاث بوح القصائد يأتي متناغما في أغلب الوقت مع تنوع الموسيقى التي كنت أسمعها أو تلك التي أدندنها مع نفسي أو تلك التي أحتفظ بها في ذاكرتي .  

تشبهين غابة فرح مزنّرة بأزهى الأزاهير، وفوق دنياك تُغرّد البلابل أناشيد المحبّة و تهدل الحمائم أناشيد السّلام، كيف تبرعمت هذه الأزاهير في غابة دنياك، وغرّدت البلابل وهدلت الحمائم في خمائل الأحلام؟

هذه الأزاهير تبرعمت ربّما من علاقتي الوثيقة مع الحيوانات منذ صغري، فنشيد المحبة يأتي من محبتنا أو حبّنا لأضعف المخلوقات وهي الحيوانات التي تجعلني أشعر بسعادة قصوى لا يمكن التعبير عنها وأنا أرى محبتها لي من خلال نظرتها البريئة والطفولية كقططي المنزليّة وعصافيري، أو بعد إطعامي اليومي لقطط الشارع التي أفهم نظرة الشّكر الخاصّة التي تمنحني إياها من خلال رفرفة عينيها أو تأملها لي وأنا أبتعد عنها. وأنشودة السّلام تأتي عندي وأنا أساعد نملة تعثرت في مكان و لم تتمكّن من العبور للضفة الأخرى بالنسبة لها، أو وأنا أتجاوز عدد كبير منها وأنا أمشي دون أن أضع رجلي عليها حتى لا أقتلها. بصراحة هنا وفي هذه اللحظة أشعر وكأنّي حمامة أحلّق في الأعالي لأني لم أسرق منها حياتها التي وهبها لها الله. 

هل تعتبرين الكتابة صديقتك الأوفى، الأسمى، الأبهى، الأرقى في زمن مفخّخ بسيوف مسنونة بالنّار؟

الكتابة صديقتي الأوفى والأبهى والأسمى في هذا الزّمن الموبوء بكل شرور العالم، فمن خلالها أعبّر عمّا يختلج في أعماقي. بصراحة لا يمرّ عليّ يوم لا أكتب فيه و لو شذرة صغيرة أو عبارة ذات مغزى أو قصيدة.. من خلال الكتابة أتنفّس و أعيش لأنها الوحيدة التي تجعلني على ما أنا عليه. بالكتابة أحسّ أنّني ما زلت على قيد الحياة، وأنّني ما زلتُ أتنفّس، لأنني ومن خلالها أجد نفسي أحيانا وكأنّني أكلّم نفسي، فهي الصديقة الوفية التي لا تفشي أسرارنا وأوجاعنا التي لا يعرفها سوانا. 

التّأمّل.. أقرأ في محيّاك آفاق التّأمّل، بماذا تتأمّلين، ما هي طقوسك وأنت تتوغّلين في كنوز الأفكار الخلاّقة كي تستشرفي وتستوحي وتستلهمي من تأمّلاتك أبجديّاتك الجامحة في الكتابة الإبداعية؟

التّأمّل له دور فعّال في الكتابة وفي نسج الكلمات التي أصوغها يوميّا.

تأمّلاتي تأتي حتّى من عزف لآلة موسيقية أسمعها أو أتوغّل في سماع موسيقى الكمان للقطعة الموسيقية (ألم وألم) لعاشق الكمان الموسيقار والمايسترو "حازم فارس" التي تأخذني لعوالم جميلة كلّما أُعيد سماعها، 

وقد كتبت الكثير من خلالها.

أبجدياتي الجامحة في الكتابة الإبداعيّة أستلهمها من الطبيعة ولون السّماء والشّمس، من أغاني فيروز وكتابات جبران. لا أملك طقوسا خاصّا في تأمّلاتي فقط أنّي أعيش يومي دون العودة للأمس ولا التفكير في الغد، إنّما أعيش يومي كمّا سطّره لي الله و سيّرني فيه ومنه أستوحي كتاباتي اليومية كيفما كانت، شعرا أو قصّة قصيرة أو فكرة نصّ مسرحي، لأننّي وببساطة لا أتحكّم في قلمي بصراحة.   

لديك توق عميق إلى رفرفات أجنحة السّلام، كيف تترجمين رؤاك في مسارات السّلام؟

السّلام.. هو الوئام، هو الراحة النفسية، هو رؤية الابتسامة في الوجوه، هو سعادة نبُثّها في الأرواح المتألّمة، هو مسح دمعة مهموم، هو بهجة نصنعها لطفل، هو مفاجأة حلوة بتحقيق حلم بسيط لأحدهم، هو الأخذ بيد أحدهم إلى برّ الأمان بعيدا عن قهره اليومي، هو إطعام جائع أو سقي عطشان، هو إشباع حيوان ضائع في الشارع، هو مسح رأس طفل يبكي فنرى ابتسامته الممزوجة بالدموع، هو إطفاء نار الفتنة الطائفية بين أفراد الشّعب الواحد، هو حريّة شعب يتوق للاستقلال، هو إخماد حرب في وطن تشتّت أبناؤه.

ما الذي جذبك إلى فضاءات القصّة القصيرة، و ما رأيك بهذا الجنس الأدبي؟

القصّة القصيرة تحمل في طياتها عبرة وحكمة ومغزى لمن يكتبها بمعاييرها الأساسية. وما جذبني إليها، أنّها تختزل الوصف الدقيق الذي يُستخدم في الرواية، لكنّها في الأخير تُقدّم للقارئ عبرة يستفيد منها في حياته اليومية. والقصّة القصيرة هي جنس أدبي ينتمي للنثر ففيها القليل من القصيدة النثرية أحياناً والسّرد الحكواتي أيضا بطريقة أدبية. ولا ننسى أنّ القصّة القصيرة تعتمد على الألفاظ البسيطة جدّا التي يفهمها القارئ البسيط دون اللّجوء للبحث عن المفردات العويصة الفهم. والشيء الذي جذبني لفضاءات القصّة القصيرة أنها بسيطة جدا ولا تستلزمني وقتا كبيرا للكتابة، ومن خلالها أستطيع التّعبير بما أرغب إيصاله للقارئ دون عناء أو جهد.

كيف يتداخل الحدث مع وهج الخيال أثناء كتابة القصّة، أم أنّك تنسجين القصّة من بوح الخيال؟

أنسج القصّة من الواقع مع إضافة القليل من الخيال في بعض الأحداث دون الخروج عن الموضوع الذي أكون بصدد كتابته. الخيال يلعب دورا فعّالا في الكتابة فلولاه لا يُمكننا أن نُجسّد الأفكار ولا أن نبني الفكرة التي تدور في أذهاننا.  

تكتبين الشّعر والقصّة والمقال كما تكتبين النّقد الأدبي، كيف تفصلين وتعطين لكلّ جنس أدبي من هذه الأجناس حقّه أثناء الكتابة، وهل تتداخل أساليب الكتابة فيما بين هذه الأجناس بطريقة أو بأخرى؟

أكتب الشّعر والقصة القصيرة والنّقد الأدبي والبحث، ولكلّ جنس أدبي طريقته الخاصّة في الكتابة، ولم 

يحدث لي ولا مرّة أن تداخلت أساليب الكتابة بين هذه الأجناس بطريقة أو بأخرى. فموضوع القصّة يختلف عن القصيدة وكذا النّقد الأدبي لهذا لا تتداخل الكتابات فيما بينها عندي.

لغة الشّعر، لغة باطنيّة، انبعاثيّة، تدفّقاتيّة، شاهقة في تجليّاتها وجموحها وفضاءاتها، أشبه ما تكون لغة منبعثة من مآقي السّماء على الشّاعر أو الشّاعرة، كيف تنسجين قصصك وأنت متعانقة بهذه اللّغة الشّاعريّة أم أنّك تموسقينها بين طيّات القصص كلّما اقتضت الضّرورة القصصيّ لذلك؟

عنما أكتب القصّة أنا لا أتجرّد عن الشّعر لأنّي شاعرة أوّلا ولا يُمكنني أن أتخلّى عنه في كتابة القصّة، لأنّ القصّة ببساطة هي لغة شاعريّة قبل كلّ شيء، وأجد نفسي أحيانا أُدخل مقطعا شعريّا وسط القصّة دون أن أشعر أحيانا. 

كيف تكتبين الهاجس الذي يراودك، هل تكتبين الفكرة، ثمّ الخطوط العريضة، أم تتدفّقين بطريقة انسيابيّة ثمّ تراجعين ما كتبتيه شعرا كان أو قصّة أو مقالا، أم أنّ لكلّ جنس أدبي خصوصيّته في فضاء الكتابة؟

ج: طريقتي في الكتابة تقريبا استثنائية لأنّني لا استخدم أوراقا ولا مسودات كما يفعل الكثيرون، أكتب مباشرة في الكمبيوتر بدءا من الفكرة التي تمنحني رغبة في الكتابة فتتدفّق الكلمات انسيابيّة لوحدها سواء كان شعرا أو قصّة أو مقالا، حتّى الكتابة النّقدية نفس الشّيء أو نصّ مسرحي، حيث الأفكار كلّها في عقلي، فأوّل ما أجلس على الكمبيوتر وأبدأ الكتابة، صدقا أنّي لا أتحرّك من مكاني لغاية ما أضع نقطة النّهاية دون استخدام  ولا ورقة مسودّة.

لماذا تكتبين؟ هل تشعرين أنّ الكتابة أشبه ما تكون حاجة، متعة، شغف لا تقاومينه، أم أنّ هناك اعتبارات أخرى تقودك إلى الكتابة، ما هي هذه الإعتبارات والأسباب التي تقودك إلى رحاب فضاء الكتابة؟

لماذا أكتب؟ أكتب لأنّني أتنفّس من خلال الكتابة. أكتب لأنّني أرتاح بالكتابة .. أكتب لأنّني أحسّ بالسّعادة 

من خلال الكتابة.. الكتابة بالنسبة لي متعة و شغف أعيشه يوميا، و لا أذكر أنّني مررت بيوم لم أكتب فيه سوى زمن مررت به بفترة عصيبة جدّا حيث انقطعت عن الكتابة لأوّل مرّة في حياتي لأربع سنوات عجزت فيها عن كتابة حرف واحد و سبّب لي فترة اكتآب رهيبة بسبب ظرف عائلي و أمور شخصية حطّمت كلّ رغبة لي في كلّ شيء حتى المطالعة، و بعد أن تجاوزت تلك الأزمة عُدت لحياتي الطبيعيّة و لم أتوقّف عن الكتابة مجدّدا ليومنا هذا. الكتابة بالنسبة لي هي الموسيقى التي تمنحني بهجة و فرح.

لمن تكتبين؟ هل تكتبين لذاتك، رغبة منك بتحقيق ذاتك، أو تكتبين للآخر ولك معا؟ أنّك تكتبين كي تحقّقي توازنا فيما يراودك وكأنّ ما تكتبينه يُشكّل حملا على كاهلك  ولا ترتاحي إلاّ بتفريغه عبر الكتابة؟

السؤال الذي يُطرح عليّ دوما من طرف القرّاء، لمن تكتبين؟ أضحك في أعماق نفسي، لأنّ الجميع يعتقد 

أنّني أكتب لشخص معيّن قصائدي، حتى أنّهم يقولون لي: كم هو محظوظ.. أو يا لحظّه السّعيد.. هههه الحقيقة أنّني أكتب لشخص يعيش في عقلي ووجداني منذ صغري، إنّه شخص أراه بعين قلبي ولا يراه غيري، إنّه ملهمي منذ بدأت الكتابة في الخواطر والقصائد. أكتب لذاتي ولغيري، نحن نعيش وسط كتاباتنا ونعبّر عن ذواتنا من خلالها للغير.

للكتابة دور كبير في الدّول المتقدّمة والتّنويريّة، بينما في العالم العربي لا نجد هذا الدّور للكتابة، لماذا؟

السّبب بسيط جدّا، قلّة الرّواد على المكتبات وغزو التّكنولوجيا على عقول شباب اليوم و الجيل الحالي.

ففي الدّول المتقدّمة ترى الناس تُطالع في كلّ مكان، حتّى وهي تنتظر حافلة أو ميترو، بينما في العالم العربي تراهم يحملون موبايلاتهم في أيديهم بدل كتاب. بالإضافة إلى انعدام ثقافة المكتبات في المدارس كما كان جيلنا الذهبي الذي شجّعنا على الكتابة من خلال تلخيص كلّ كتاب نُنهي قراءته و نُناقشه مع مُعلّمتنا و أصدقاء قسمنا. فنقول هنا أنّ دور المؤسّسة التعليمية والتربوية العربية له دورا فعّالا في إنشاء جيل يقرأ ويكتب في نفس الوقت بعيدا عن التكنولوجيا التي غزت العقول الصغيرة والكبيرة في نفس الوقت.

لهذا فالدوّل المتقدّمة لها دور فعّال في التّشجيع على الكتابة، بينما في دولنا العربيّة نرى العكس وأكبر دليل قلّة دور النّشر الحقيقيّة واكتساح السّاحة على دور نشر تجارية لا علاقة لها بالساحة الأدبيّة.   

ما هي أسباب تراجع دور الثّقافة و الإبداع و الفكر الخلاّق في العالم العربي؟

ج: السّبب واضح و بسيط جدّا.. التكنولوجيا التي شلّت العقول.. وكذا الكتاب الإلكتروني الذي بات مثل مسمار في نعش الكتاب الورقي.

ودور الثّقافة في العالم العربي نراها لا تُشجّع على الإبداع و المُبدع، في حين تعمل على تشجيع الأدب الرّكيك و تُهمّش من يستحقّ التّشجيع، وهذا ينطبق على كلّ أنواع الأدب دون استثناء. ففي بعض الأمسيات الشعرية ترى من لا يفقه في الشّعر ولا يعرف حتّى كيف يقرؤه في المقدّمة والشّاعر الحقيقي مُهمّش ولا يحقّ له الظّهور. ونفس الشيء بالنسبة للأنواع الأخرى من الأدب والفنون على حدّ سواء، وهذا ما يحدث في العالم العربي الموبوء والمريض بسبب مرضى القلوب الذين يعملون على شلّ الإبداع والفكر الخلاّق. 

كيف بدأت فكرة قراءاتك النّقديّة لنخبة من الأدباء/ الجزء الأوّل، الذي تمّ إصداره في دار نور في ألمانيا عام 2017، ماذا تضمّن هذا الكتاب و كيف استقبله القرّاء بعد إصداره؟

الفكرة جاءت بنفسها، حيث كنت دوما أنشر قراءاتي النقدية للكتب التي أقرؤها فأقوم بنشرها في الصحف والمجلات وكذا صفحتي في الفيسبوك ولم أكن قد فكّرت في تجميعها في ملفّ بعد، لحين تواصلت معي دار النشر نور المتواجدة في ألمانيا وطلبت منّي أن أبعث لها الكتاب النّقدي للنّشر.

في البداية تفاجأت من طلبهم، ثمّ وافقت وبدأت بتجميع ما كتبت في ملف لأندهش أنّ الكتاب تجاوز 250 صفحة. الكتاب تضمّن قراءات نقدية لنخبة من الأدباء والشعراء من فلسطين والعراق ومصر وسوريا  وكردستان الذي استقبله القراء والطّلاب من الجامعات العربيّة بكلّ رحابة صدر لأنّه ساعد البعض منهم في تقديم رسائل الماجستير أو الدكتوراه، وهذا شيء يُشرّفني ويُسعدني طبعا أنّي استطعت تقديم المساعدة للكثيرين منهم سواء في التّعريف بالكُتّاب الذين لم يكونوا معروفين من قبل أو في تبسيط الكتب من خلال قراءاتي النقديّة للقرّاء  والطّلبة الجامعيّين.

أصدرتِ مجموعة قصصيّة بعنوان "تأمّلات بعدسة القلم"، عن دار ماهر للنشر بالجزائر عام 2019، ما الذي دفعك لاختيار هذه القصص؟

الدّافع  لاختيار هذه القصص أنّها من عُمق الواقع و هي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة في أيّ بُقعة من العالم. ترجمت ما رأيت وما سمعت وما عشتُ لقصص قصيرة قدّمتها للقارئ مُختزلة في نهاية كلّ قصّة حكمة أو عبرة يستفيد منها بطريقتي الأدبيّة.

أصدرتِ كتابا نقديًّا "سفر بين الكتب"، قراءة نقدية/ الجزء الثاني، تحدّثي عن سفرك بين هذه الكُتب.

الكتاب النقدي "سفر بين الكتب" هو قراءات نقدية لنخبة من أدباء و شعراء العراق.

تابعتِ تصدرين تباعا، "جماليّة النّصوص الأدبيّة"، قراءة نقدية/ الجزء الثالث، كيف غصتِ في جماليّة النّصوص الأدبيّة التي أبحرت في فضاءاتها؟

الكتاب النّقدي "جماليّة النّصوص الأدبيّة" هو قراءات لكتابات ونصوص راقتني جدّا مثل كتابات الشاعر المرحوم (خلدون جاويد) التي بحثت عنها واخترت منها نصوصا جميلة غُصت فيها وبعد كتابتي عنها فاجأته بها ولكم فرح بما كتبت وجعلها مقدّمة لديوانه الأخير فكان هذا شرفا لي، ونصوص اخترتها للشاعر (بهاء الطّائي)  وكتابات للأب (يوسف الجزراوي) والشاعر والروائي الأسير الفلسطيني (باسم خندقجي) وغيرهم.

من اخترت في كتابك النّقدي / الجزء الرابع "قراءات نقدية لنخبة من أدباء الجزائر"، تحدّثي عن هذا الكتاب النّقدي و كيفيّة قراءتكِ لأدب الكتّاب و الكاتبات؟

بصراحة الكتاب النقدي "قراءات نقدية لنخبة من أدباء الجزائر" هو قراءات نقدية لكُتّاب و شعراء شباب من الجزائر أعجبتني كتاباتهم وأحببت أن يعرفهم القارئ لأنّ  كتاباتهم تستحقّ المطالعة.

فأنا من طبعي أن أكتب عن كُتّاب و شعراء غير معروفين في السّاحة الأدبية، كما فعلت في أحد النّدوات التي أشرفت عليها في الصالون الوطني للكتاب بتلمسان فاخترت 5 أدباء (شعراء وروائيون وقاصّون) (الشاعر قداوي إبراهيم، الشاعر أمين بوشيخي، الروائي ياشر محمد علي، القاصّ أمين محمدي والقاصّ بن دحو نبيل) وقدّمتهم للجمهور لأنّهم مبدعون بكل ما تعني الكلمة. وكتابي النقدي يحتوي على نخبة من الكُتّاب والشّعراء الشّباب مثل: عبد الوهاب بن منصور، ماسينيسا تيبلالي، العربي بوزيان، عبد الرزاق طواهرية، أمين بوشيخي، قداوي إبراهيم، ياشر محمد علي، محمدي محمد الأمين، بن دحو نبيل، نهاد بلقاضي وعبد الرحمان قعودة وغيرهم. 

لديك قراءات سينمائيّة، هل هذه القراءات لأفلام عربيّة، ما هي هذه الأفلام و ما رأيك بها؟

ج: قراءاتي السّينمائية متنوّعة و لا تقتصر على الأفلام العربيّة فقط، فهي لأفلام أجنبيّة  و عربية و هنديّة منها: فيلم DEVDAS، فيلم EK VILLAIN، فيلم THE READER، فيلم AVATAR، مسلسل وردة شامية، مسلسل ورد أسود، فيلم هيليوبوليس، فيلم FEARLESS، فيلم SHAOLIN و غيرها.

كيف ترين واقع السينما، هل تعكس السّينما ما يحتاجه الواقع من أفلام لمناقشة الكثير من المواضيع والأفكار المتعلّقة بواقعنا العربي المخلخل؟

الواقع السينمائي يحتاج لمناقشة الكثير من المواضيع و الأفكار المتعلّقة بواقعنا العربي بدءا من اختيار الممثّلين الجديرين بتقديم العمل السينمائي إلى المواضيع المختارة لتجسيدها. 

هل توافقيني الرأي، أنّ هناك نقصا كبيرا على الشّاشة الصّغيرة في البرامج الأدبيّة  و الحواريّة و الإبداعيّة؟

ج: أوافقك الرّأي طبعا أنّ هناك نقصا كبيرا في البرامج الأدبيّة والحواريّة والإبداعية على الشّاشة الصّغيرة فالشاشة العربية تبقى ناقصة مقارنة بالشاشة الأجنبية في البرامج الأدبيّة للمشاهد العربي.

ما رأيك بواقع النّقد والنّقاد على السّاحة العربيّة؟ و هل لديك وجهات نظرك تتعلّق بتطوير واقع النّقد؟

السّاحة العربيّة تفتقر لنُقّاد كُثر، فقد كثرت الكتابات و قلّ النّقاد في السّاحة. ونحن بحاجّة ماسّة لنُقّاد حقيقيّين كما كان في السّابق حتّى تقلّ الأجناس الأدبيّة التي ظهرت مُؤخّرا و التي ليس لها انتماء أدبي مُعيّن وتفتقرّ للغة العربيّة. حيث وجدنا في المكتبات كُتب تجذب القارئ من خلال العنوان أو الغلاف، لكن محتواها لا يستحقّ القراءة ولا تضييع الوقت بتصفّحها، لأنّ ما يوجد بين الصّفحات لا ينتمي للأدب أصلا. ولهذا السّبب نحن في حاجة ماسّة للنّقاد الذين غابوا عن السّاحة الأدبيّة.

ما رأيك بتشكيل ورشات خاصّة بالتّرجمة، لترجمة الأدب العربي الخلاّق إلى اللّغات العالميّة، وترجمة أرقى ما في الآداب العالميّة إلى اللّغة العربيّة، لتحقيق الفائدة المشتركة بين إبداعات الشّرق والغرب؟

السّاحة الأدبيّة تفتقر لهذه الورشات الخاصّة بالتّرجمة لتعليم الكاتب أو المُترجم كيفية التّعامل مع النصّ 

المُراد ترجمته لأيّ لغة يريدها ويرغبها دون المساس بمحتوى النصّ أو تغييره، وتعلّم اللّغات له دور فعّال في قراءة الكتب باللغة التي نريدها، حيث هناك كتب نبحث عنها ولكن في الأخير نجدها بلغة لا نفهمها ونتمنّى ترجمتها لمطالعتها والاستفادة منها. لهذا السّبب الورشات الخاصّة بالتّرجمة لها دور فعّال ونحن بحاجة لها لتحقيق الفائدة بين إبداعات الشّرق والغرب.

أصدرتِ كتابا بعنوان "موسيقى الحياة" عبارة عن نصوص، كيف عبّرت عن موسيقى الحياة؟

كتاب ( موسيقى الحياة) عبارة عن نصوص و بالأحرى هو تجليّات روحية ومناجاة مع ذاتي أنا بطريقة نثريّة جمعتها في كتاب لتكون موسيقى كلمات للقارئ.

عندكِ كتاب يحمل عنوان "أقوال مأثورة.. حكم و أمثال"، هل هي عبارة عن جمع حكم و أمثال و شرحها وتحليلها أم هو أقوال مأثورة في رحاب إبداعك الشّخصي، حبذا لو تحدّثت لنا قليلا عن هذا الكتاب؟

كتاب (أقوال مأثورة .. حكم وأمثال) قُمت بتجميعه منذ كان عمري 14 سنة، حيث يحتوي عن أقوال وحكم وأمثال عالميّة لا يعرفها الكثيرون، وفيه حتى من أقوال الفلاسفة والحكماء. فالكتاب هو اجتهاد شخصي وأبحاث كثيرة بين الكتب على مدار سنوات كثيرة أثمر عن كتاب قدّمته للقارئ بفخر لأنّي اشتغلت عليه منذ صغري.

قُمتِ بإجراء "حوارات متنوّعة" مع مجموعة من الأدباء والشّعراء والفنّانين، من هم هؤلاء المبدعون المبدعات؟ لماذا اخترتِ هؤلاء دون غيرهم؟ أم أنّ المصادفة هي التي تتحكّم باختياركِ أحيانًا؟

كتاب (حوارات متنوّعة) مع مجموعة من الأدباء والشّعراء والفنّانين على كلّ المستويات، فهؤلاء المبدعون والمبدعات أختارهم بلباقة حيث يجذبني الشيء الاستثنائي الذي يملكونه من أدب أو فنّ ولا يظهرون في السّاحة كثيرا ومنهم من لا يعرفه الجمهور، وحواري يكون كتسليط ضوء للإبداع والمبدع أو المبدعة. لهذا اختياراتي تأتي عفوية من خلال قطعة موسيقية أسمعها كما حدث معي في حوار المايسترو (خليل بابا أحمد) أو الموسيقي الموهوب (مصطفى بن منصور) الذي يُبدع دوما بموسيقى جديدة تتماهى معها الروح، وحواري مع الفنان التشكيلي السماوي (مهدي الجياشي) لوحاته هي من جذبني لإجراء حوار معه لأنه يستحقّ، وبعض الجمعيات الثقافية الفنية هنا بتلمسان التي أجريت معها الحوار كالجمعية الثقافية والفنية (الشيخ محمد بوعلي) التي تُحافظ كغيرها على الموروث الثقافي الأندلسي التلمساني، وحواري مع بعض الفنانين المسرحيين الذين أبدعوا فوق خشبة المسرح وغيرهم من المبدعين في شتّى المجالات ومن كلّ بقاع العالم دون استثناء. فالمصادفة هي من تتحكّم باختياراتي لأنّ الإبداع الذي يُقدّمونه هو من يشدّ انتباهي، فأحيانا بأذني الموسيقية، وأحيانا بعيني بالألوان والمغزى الموجود في اللوحات التي أراها وأحيانا من خلال 

الكتابات التي أقرؤها وهكذا. 

لديكِ دراسة بعنوان "مولانا الحبّ جلال الدين الرّومي"، كيف رأيتِ الحبّ في فضاءات عوالم جلال الدّين؟

حكايتي مع ( جلال الدين الرومي) بدأت منذ كان عمري 12 سنة، حيث بدأ شغفي بقراءته في عمر مبكّر جدّا، بصراحة قرأت للحلاج والسهروردي وابن عربي وابن الفارض وسمنون المُحبّ، لكن عوالم جلال الدين الرومي تختلف عنهم جميعا لهذا السّبب تعمّقت فيه كثيرا وأغلب تجلّياتي الروحية التي كتبتها كانت نتيجة غوصي في عالمه العجيب الذي يبقى الأجمل دوما بالنسبة لي. ودراستي الموسومة بعنوان (مولانا الحبّ جلال الدين الرومي) كانت أوّل دراسة لي ونُشرت في مجلة "مشارف مقدسية" الفلسطينية التي يُشرف عليها الشاعر محمد حلمي الريشة ومنها جاءت فكرة كتابة كتاب موسوعي بعنوان (مولانا الحبّ جلال الدين) الذي أمضيت أكثر من أربع سنوات في البحث والتنقيب العميق لأكتبه ولقرابة السنتين تُهت في فصل واحد فقط (من المريد ومن القطب؟) أهو الرومي أم شمس الدين، كما أنّي أملك صفحة في الفيسبوك باسم (مولانا الحبّ جلال الدين) أنشرُ فيها كلّ أقواله المعروفة وغير المعروفة للقارئ. وعن سؤالك كيف رأيت الحبّ في فضاءات عوالم جلال الدين، بصراحة سأجيبك بقول جلال الدين الرومي:

"الحبّ لا يُكتب على الورق لأنّ الورق قد يمحوه الزّمان، ولا يُحفر على الحجر لأنّ الحجر قد ينْكَسر، الحبّ يٌوصَمُ في القلب و هكذا يبقى إلى الأبد" 

وفي قوله أيضا: "لا تكُنْ بلا حُبّ، كيْ لا تشعُرْ بأنّك ميْتٌ، مُتْ في الحبّ و ابقَ حيًّا للأبد"

ما رأيكِ بالأدب والإبداع الصّوفي؟ أين تضعين تجليّات هذا الأدب مُقارنة ببقيّة أنواع الإبداع؟

الأدب أو الإبداع الصّوفي عبارة عن تجليّات روحية، هكذا أراه أنا.

أصنّفه للنّثر بالدرجة الأولى و هو ليس عبارة عن خواطر كما يراه الكثيرون الذين لا يتعمّقون في دلالاته ومعانيه العميقة. لأنّ الإبداع الصّوفي كمن يتحدّث مع نفسه و يُناجي الله في عمقه، كمن يرى الله بعين قلبه، وقد لا يفهم الكتابة الصّوفية إلا من يشعر بها تُداعب روحه وتمنحها بهجة لا يمكن التّعبير عنها.

لديك شُغف كبير في إعداد البحوث في التّاريخ القديم والأساطير العالميّة والشّعبيّة، لمَ كلّ هذا الاهتمام بهذه الجوانب؟ هل لأنّها تمنحك فضاءً رحبًا للكتابة وتفتح خيالك لآفاق شاهقة على ثقافات العالم؟

لأنها تمنحني خيالا واسعا في كتابة الدراما المسرحية أوّلا، حيث أنقل هذه الأساطير كتابتي المسرحية ليُشاهدها الجمهور بممثّلين مسرحيين يُبدعون في تجسيدها على الخشبة، و من ناحية أخرى أحبّ البحث في التاريخ القديم و الأساطير العالمية و الشعبيّة لأنّها تمنحني خيالا واسعا للكتابة و إعادة تقديمها للقارئ سواء الطفل أو القارئ العادي.

وما أجمل الأساطير المتنوعة التي ما تزال على ألسنة الكبار ينقلونها لنا كما سمعوها وتوارثوها عبر أجيال 

متتالية، فنحن نعلم جيّدا أنّ أغلبها خرافات، لكنّها تبقى أساطير خرافية جميلة في نظري وأنا أحبّها.

رسالتك الأعمق هي أن تنشري السّلام والمحبّة على وجه الدّنيا، بعيدا عن الطّائفيّة التي شرّدت الكثير من البشر، كيف تشكّلت وتنامت هذه الرّسالة في برنامج حياتك إلى أن أصبحت أحد أهمّ أهدافك في الحياة؟

بصراحة أنا أكره و أنبذ أن أسمع كلمة حرب أو مُحتلّ أو مستعمر، فأنا جزائريّة ترعرعت على كلمة حريّة وحريّة الإنحياز. تعلّمنا في المدرسة منذ نعومة أظافرنا أن نكون مع المظلومين دوما ونُساندهم، علّمونا في المدرسة أنّ فلسطين جزء لا يتجزّأ من الجزائرو الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة. غرسوا في قلبنا أنّنا إخوة كلّ العرب دون استثناء. 

ففي طفولتي عشت الحقبة السوداء أو ما نُسمّيها نحن العشرية السّوداء، فعشت طفولة مرعبة من الأحداث الدموية التي شاهدتها بأمّ عيني و لو من بعيد و ما تبع تلك السّنوات العشر، فلا أنس أبدا رعب صديقة طفولتي في الإبتدائي عندما وصلها نبأ ذبح أخيها العسكري في طريقه لهم عائدا للبيت، ولا كيف فصلوا رأس أم صديقتي في المتوسطة عند عتبة البيت و تركوها جثة بلا رأس و كيف صارت صديقتي منهارة بحالة نفسية رهيبة. ولا يُمكنني أن أنس تلك الرهبة والرّعب والخوف الذي عشته وصوت الرّصاص والقنابل وأسماء من قتلوا، كلها محفورة في ذاكرتي أراها وكأنّها بالأمس فقط. لهذا ومع مرور الوقت تغيّرت نظرتي للحياة بعد استقرار الأوضاع فكرّست حياتي وقلمي لأجل السّلام والمحبّة فهما مفتاح الحياة الآمنة في كلّ بقاع العالم، فحيث يعمّ الأمان يكون السلام و تكون المحبّة بين الجميع، وهذا ما نطمح له جميعا أن نرى العالم يعمّه الهدوء بعيدا عن غوغاء الحرب التي تركت الملايين بلا مأوى والملايين مفجوعين بين يتامى وشهداء وأمهات ثكلى وآباء مفجوعين بهول الفقد.

منذ متى وأنت عضو في جامعة الأبجديّة الدوليّة للثّقافة والسّلام؟ وما هي نشاطاتك في هذه الجامعة؟

أنا عضو في جامعة الأبجديّة الدوليّة للثّقافة والسّلام منذ خمس سنوات أي منذ 2019، نشاطاتي فيها تقتصر على كتاباتي التي أنشرها هناك ودعو للسّلام ولمّ شُتات الشّعوب النهوبة والمفجوعة بالأمّهات الثكلى بأبنائها الشهداء والمفقودين.

كتاباتي عن نساء حملنَ الجبال فوق ظهورهنّ ببسالة و بطولة مُتحدّيات كلّ القهر والحرمان لأجل أوطانهنّ.

بصراحة أنا لا أتحكّم في قلمي، لأنّه يتحكّم فيّ فبعد أيّ حدثٍ أليم أنا أكتب و كتابتي تكون إمّا شعرا بأحداث تأثرت بها وشاهدتها من خلال الأخبار أو ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي أو قصّة وأغلبها منشورة في مجموعتي القصصية ( تأملات بعدسة القلم) أو قراءة نقدية لكُتب تنتمي لهذه البلدان كديوان الصديقة الغالية آسيا خليل ( أهب أصابعي لخواتم النور) الذي يحكي قصّة معاناتها في السّجن فعشت من خلال كتاباتها آلامها الرهيبة ة الكئيبة أو من خلال مذكّرات المرحومة الأديبة الكردية مهاباد قرداغي في (سنة في الجحيم) التي ترجمها للّغة العربية الأستاذ الموسوعي جلال زنكبادي لأتمكّن من قراءتها بكلّ ما عاشته مهاباد قرداغي و هي ابنة لم تتجاوز الأربعة عشر عاما و التي كتبتها بعد مُضيّ أربع و عشرين عاما. و كلّ هذه الكتابات منشورة في جامعة الأبجدية الدولية للثقافة و السّلام. 

أنا أتآزر مع كلّ الشعوب المنهوبة و منها الفلاح الذي احترق حقله في موسم الحصاد فدموعه جعلتني أكتب قصيدة تحكي ألمه وهو يرى النيران تنهب محصول القمح، وهناك الشهيدة اللبؤة بارين التي قُتلت ونُكّل بجسدها وعن حلبجة،سينما عامودا وصرخة شنكال وغيرها.   

تُحبّين أن تسمعي فيروز والموسيقى الكلاسيكيّة لبتهوفن وموزار وتشايكوفسكي، .. ماذا تعني لك فيروز والموسيقى والغناء الخلاّق؟ وكيف ترعرعت فضاءات حُبّك إلى الموسيقى الكلاسيكيّة لعمالقة العالم؟

فيروز هي فيروز الحبّ والموسيقى، هي سيّدة البهاء والألق ولا يحلو صباحي دون سماعها، فهي تمنح يومي بهجة ومحبة، كبرتُ بموسيقى بتهوفن وموزار وتشايكوفسكي، وعشقت البيانو منذ صغري و أنا عازفة على آلة البيانو، ومازلتُ أذكر ليومنا هذا أنّ مديرة المتوسطة التي كنتُ أدرس فيها لم تكن تسمح لأحد بالاقتراب من آلة البيانو الكلاسيكية باستثنائي وكانت تُلقّبني ببتهوفن. العزف على البيانو كان بالفطرة دون أستاذ، وبعدها تعلّمته لاحقا على يد أستاذة الموسيقى في الثانوية والأستاذ "شافع" في دار الثقافة عبد القادر علولة بمدينتي تلمسان في سنّ 13 مع تعلّمي العزف على آلة القيتار أيضا.

فضاءات حُبّي إلى الموسيقى الكلاسيكيّة لعمالقة العالم من خلال استماعي لسمفونيات بتهوفن ومن خلال أبحاثي في الكتب عن عمالقة الموسيقى الكلاسيكية كموزار وتشايكوفسكي وشوبان. وأنا أملك أذنا موسيقية للآلات العازفة في جوقة موسيقية فأميّزها كلّها. ومؤخّرا أنا بصدد تعلّم العزف على آلة الكمان الذي أعتبره مثل النّاي في شجنه وروح موسيقاه التي تُلامس الرّوح. 

أنت "عضو في ورشة المسرح بدار الثقافة عبد القادر علولة بولاية تلمسان للكتابة الدراميّة". ما هي مشاركاتك في هذه الورشة الخاصّة بالمسرح، وكيف تأسّست هذه الورشة، وما هي نشاطاتها المسرحيّة؟

مشاركاتي في ورشة المسرح كانت أوّلا كمساعدة مخرج في مسرحية (عجوزة الناير) التي تُمثّل أسطورة خرافية و قام بإخراجها المخرج المسرحي "علي عبدون" و بعدها مسرحية "أيراد"، ثمّ كتبت أنا الفصل الثاني من مسرحية (عجوزة الناير) بعنوان (موسم تافسوت) وجاءتني الفكرة بتجسيد الأغنية الشهيرة (أفافا إينوفا) للفنان العالمي الأمازيغي "إيدير" فكانت المسرحية بعنوان (غريبة والغول) وبعض الأسطورات الأخرى أيضا مثل (بوغنجة) و غيرها ممّا كتبت نصوص مسرحية للأطفال أيضا. ومشاركاتي أنا في الورشة هي تقديم النصوص المسرحية التي أكتبها لهم لتُجسّد على خشبة المسرح أو مساعدتهم في الكواليس في التحضير للعرض المسرحي أو أثناء العرض. وفي الحديث عن ورشة المسرح هي ورشة تضمّ بعض الشباب والشابات المبدعين من ولاية تلمسان وعُشّاق الخشبة ويُشرف على الورشة الفنان المسرحي "عبد القادر مصطفاوي" حيث يُعلّم حتى الأطفال المسرح وهذا شيء جميل ورائع لأنّ هناك من يُحبّ أن يتعلّم الفنون المسرحية، وتعلّمنا جميعنا من الكاتب والمسرحي "علي عبدون" الذي عاصر جيل الكاتب الكبير "كاتب ياسين" و "محمد ديب" و "مصطفى كاتب" و "عبد القادر علولة" و "عز الدين مجوبي" وغيرهم.

وورشة المسرح لدار الثقافة عبد القادر علولة لها نشاطات كثيرة حيث أبدعت بمسرحية (فجر الحرية) من إخراج "عبد القادر مصطفاوي" وكذا مسرحية (عجوزة الناير) و(أيراد) ومؤخرا بمسرحية (بلاد الأسود) من إخراج "علي عبدون" وما تزال نشاطاتها مستمرّة بفضل إبداع شبابها و شاباتها المبدعين ومشرفها ومخرجها.

أنت مُحرّرة في مجلّة رؤيا الفصليّة، متى تأسّست هذه المجلّة، و ماذا تتضمّن أقسام المجلّة؟

مجلّة رؤيا الفصلية يُشرف عليها الكاتب والشاعر العراقي "علاء حمد" وكانت من قبل عبارة عن مجلّة شهرية ثمّ تحوّلت لفصليّة، وبصراحة لا أذكر تاريخ التأسيس بالضبط وأعتقد عمر مجلة رؤيا لوحدها سبع تقريبا وقبلها كانت باسم مجلة الثقافي الشهرية ولا أذكر كم عمرها بالضبط. هي مجلة تضمّ كل أنواع الكتابات الأدبية من شعر وقصّة ودراسات نقدية ونصوص أدبية يُشارك فيها أدباء وشعراء من كلّ أنحاء العالم.

عندك اهتمامات متعدّدة في مجال الإبداع الأدبي والنّقدي، كما لديك اهتمام في الرّسم حيث ترسمين لوحات فنيّة بالكروشيه، وهذا الأسلوب نادر جدّا في هذه المرحلة، منذ متى وأنت ترسمين ولماذا بالكروشيه تحديدا؟

الرسم بالكروشيه له نكهة خاصّة عندي وكأنّني أرسم بقلم الرصاص بكلّ دقّة، لكن الرسم بالكروشيه فيه حسابات دقيقة جدّا حتّى يكون الرّسم بارزا ودقيقا خاصّة في رسم البورتريه أو الحيوانات أو الشخصيات العالمية التي رسمتها في لوحات كبيرة بالكروشيه كما رسمتها بقلم الرّصاص. وأتوق لجمعها كلها في معرض محلّي في ولايتي تلمسان أو معرض وطني، لأنّ اللوحات بالكروشيه غير موجودة أصلا ولم أصادف أن شاهدت معرضا مماثلا. التّماهي مع الخيط والكروشيه وبدأ لوحة جديدة أختارها بالنّسبة لي هو استراحة جميلة بعد أن أنهي كتابة كتاب جديد أو بعد تعب يوم طويل في العمل، أو على شاطئ البحر حيث أشعر بالراحة التامة وأنا مع خيطي أصنع لوحة جديدة وأستمتع بصوت موج البحر، ولكن الرسم بالكروشيه لا أنتهي منه بسرعة كما الرسم بقلم الرصاص، فأحيانا أنهي اللوحة بالكروشيه بعد شهر أو شهرين حسب حجمها. لماذا بالكروشيه تحديدا؟ لأنّي استثنائية في كلّ شيء وأنجذب لكلّ ما هو غريب واستثنائي فأنا لا أشبه غيري منذ صغري. وأتمنّى أن يكون لي معرض لأجل لوحات الكروشيه كمعرض الفنّ التّشكيلي وهذا 

ما أطمح له.   

كتبتِ العديد من المقدّمات لكُتّاب وشعراء من الجزائر ومن خارج الجزائر، كما تنشرين نتاجاتك الأدبيّة المتنوّعة في العديد من الصّحف والمجلاّت الورقيّة والإلكترونيّة، ماذا تعني لك الكتابة والنّشر والإبداع؟

الكتابة والنّشر والإبداع مثل الموسيقى والعزف بالنّسبة لي، فالكتابة هي مثل الرّسم بالكلمات والنّشر هو عرض تلك اللّوحات الإبداعية والإبداع هو التّماهي مع كلّ ما هو جميل ويستحقّ أن يراه ويكتشفه الآخرون من خلال قلمي الذي أُبرز به غيري وأقدّمه للجمهور القارئ، وأشعر بالغبطة والفرح حين أقوم بواجبي وأرى البسمة والسعادة على محيا كل مُبدع ومُبدعة. وأنا لا أنتظر منهم ردّ الجميل أبدا لأنّ ما أقوم به يُشرّفني دوما.

هل لديك اطّلاع على الرّواية؟ ما رأيك بالرّواية العربيّة؟ و هل يُراودك أن تكتبي عملا روائيّا؟

الرّواية تجاوزت مرحلة الرواية الكلاسيكية و تفتّحت على الرواية المعاصرة في يومنا هذا وتُرجمت العديد من الروايات لعدّة لغات لتصل لكلّ العالم كما نرى. حتى الرواية العربيّة بات لها صدى عالميّا مؤخّرا ويتمّ ترجمتها للغات عديدة بأسماء ظهرت وصنعت اسمها بفخر على السّاحة الأدبيّة ونالت جوائزا عديدة كجائزة البوكر التي بات يتهافت عليها الروائيّون والرّوائيّات. أنا لا أفكّر بكتابة رواية الآن وهذا السّؤال يُطرح عليّ دوما إن كنت سأكتب، ليس لأنّي لا أملك مؤهّلات ولكن لأنّي لا أملك الوقت لكتابة رواية هو ذا السّبب الرئيسي والأوّل بالنّسبة لي لأنّي لا أملك وقت فراغ، ومن يدري ما يُخبّؤه لنا القدر وما تُخفيه لنا الأيّام القادمة.

شاركتِ في عدّة مهرجانات شعريّة محليّة و عالميّة، ما رأيك بالمهرجانات الشعريّة العربيّة و العالميّة؟

تختلف المحافل والمهرجانات الشعريّة العربيّة والعالميّة وحتّى المحليّة من خلال طريقة البرمجة والأدباء أو الشّراء المشاركين. رأيي الصّريح أنّنا نرى دوما نفس الوجوه ونفس الأسماء في كلّ مكان مع تهميش بعض 

المبدعين الذين يستحقّون المشاركة.  

ما هو دور المبدعين والمبدعات في التّغيير والتّطوير والتّنوير في العالم العربي؟

للمبدع أو المبدعة دور هامّ جدّا في العالم العربي من خلال نشر الوعي والثّقافة وتبادل الرأي والأفكار والمعلومات مع الآخرين وتطوير الذّات والتّشجيع على المحافظة على تراث وتاريخ المنطقة والتّشجيع على الكتابة عن الموروث الثقافي حتى لا يُطمس التّاريخ للأجيال القادمة دون تحريف الحقيقة مع ظهور جيل التكنولوجيا الحالي. وهذا ما أراه أنا وما أعمل عليه دوما. 

ما رأيكِ بحوار الحضارات وحوار الثّقافات وحوار إبداع الشّرق مع الغرب، من أجل بناء إنسان حضاري مُتنوّر ومُتقدّم، لتقليص الهوّة بين الشّرق والغرب، وخلق تفاهم ووئام بين القارّات في كلّ دول العالم؟

حوار الحضارات مُهمّ جدّا وحوار الثّقافات يفتح الباب على مصراعيه للجميع لاكتشاف ما يجهله من معلومات وحوار إبداع الشّرق والغرب جدّ مُهمّ أيضا لأنّه طوّر وفتح المجال للتّرجمة لنتعرّف على إبداعات لم نكن نسمع بها من قبل. وحوار الحضارات طوّر وقلّص الهوّة السّاحقة للمسافات الشّاسعة بين الشّرق والغرب وخلق وئام بين القارّات ولمّ الشّمل في كلّ دول العالم.

ما هي أنجع الطّرق لإنقاذ العالم العربي والشّرق، ممّا يجري هناك من تصدّعات  وحروب وتناحرات دمّرت الأخضر واليابس، وانتشال المواطن من الواقع المزري الذّي يعيشه الآن ومنذ قرون من الزّمان؟

أنجع وأنجح الطّرق لإنقاذ العالم العربي والشّرق هو بثّ ونشر ثقافة السّلام بين الشّعوب وأن يكون هناك حوار منفتح مع الآخر وتبادل الأفكار لينسجم الجميع تحت راية المحبّة والسّلام والأمان بعيدا عن الحرب وصداها والقتل الذي شتّت ودمّر العديد من البلدان التي تكاد تُجتثّ من جذورها بسبب الدّمار الذي ألمّ بها من كلّ النواحي ( الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية). 

ما رأيك لو أعددنا مهرجانات أدبيّة وفنيّة في الشّرق والغرب، ونُقدّم مثلا معارض ومهرجانات تضمّ ألف لوحة تشكيليّة من مُختلف فنّاني وفنّانات العالم، وألف قصيدة شعريّة، وألف قصّة قصيرة وألف مقالة مُستلهمة من الأعمال الإبداعيّة من فضاءات السّلام، لترويج وترسيخ ثقافة السّلام بين البشر في العالم؟

سيكون لها صدى عالميّا دون محالة وسيُرغّب كلّ مبدع ومبدعة في المشاركة بغبطة، فمثل هذه المهرجانات الأدبية والمعارض الفنيّة نحن بحاجة لها لنعرف بعضنا البعض أكثر من خلال اللّوحات المعروضة ونكتشف خبايا ما نراه ونغوص في أعماقه لنقرأ ما يُعرض من خلال خبرتنا في المجال الفنّي المستلهم من فضاءات السّلام لترسيخ السّلام بين جميع البشر في العالم. فلأجل السّلام نحن نكتب ونُبدع في شتّى المجالات متمنيّين رؤية الجميع بخير ووئام وأمان وسلام واستقرار. وما زلنا نحلم بترسيخ ثقافة السّلام العالمي.

نشرتُ منذ سنوات مُطالبًا عبر بيانٍ فرديّ، بتأسيس وزارة السّلام في كلّ دولة من دول العالم، ما رأيكِ بتأسيس وزارة السّلام، و تأسيس هيئة سلام عالميّة، تكون وزارات السّلام في كلّ دول العالم، تابعة لهذه الهيئة العالميّة لتحقيق ما يتطلّبه السّلام بشكل قانونيّ في جميع دول العالم؟

ما أجمله من خبر لو يتحقّق ويتجسّد ويُعترف به في كل الوزارات عبر العالم فتُنشأ وزارة السّلام في كلّ دولة من دول العالم، فتكون هناك هيئة سلام عاميّة. صدّقني لو يحصل الأمر فسيكون الجميع بخير فيتحقّق السّلام بشكل قانوني في جميع دول العالم وتكون كلّ الشّعوب مطمئنة لأنّ السّلام ينبوع المحبة والأمان. 

أنتِ ابنة تلمسان التي انجبتكِ للحياة فوق تُرابها، أين تُخبّئين تلمسان وماذا يعني لكِ مسقط الرّأس؟

أنا ابنة تلمسان التي أنجبتني للحياة فوق تُرابها الجميل فاستنشقت عبير نسمات لالّة ستّي ومسكونة بما يفيض من فيض العُرفان في مدينة مشحونة بجلال المقام البومديني في العُبّاد، ومشحونة بجلال التاريخ في المشور وجوهرة المغرب مدينة الفنّ والتّاريخ والموسيقى الأندلسية. فأنا تلمسانيّة القلب والروح والوُجدان.

تلمسان لا أخبؤها لأنّي دوما أجعل الجميع يراها ويعرفها من خلال مقالاتي التاريخية المنشورة في كتاب (أقلام مُلوّنة) في كتاباتي عن الموروث الثقافي والعادات والتقاليد، وأحمل تلمسان في الزيّ التّلمساني المُتوارث عن أجيال الذي أرتديه في المناسبات والمحافل الوطنية وكذا الدولية، وترافقني مدينتي دوما في قصصي التي أكتبها من خلال ما أحتفظ به من ذكريات طفولة راسخة في مُذكّرتي. مسقط الرأس هو الوطن وتربة الأجداد والشّهداء الأبرار الذين ضحّووا بالنّفس والنفيس لأجل الحريّة وتركوا لنا إرثا تاريخيّا نفتخر به دائما وللأبد، لأنّهم ورّثونا نخوة وشهامة وكرامة وإنسانيّة  لكلّ ما هو وطني وعربي ونصرة المظلوم.

ماذا تُحبّين أن تقولي في نهاية هذا الحوار، تستطيعي أن تردّي على أيّ سؤال يُراودكِ.

ج: في نهاية الحوار أشكرك أستاذ صبري ولجهودك الثمينة والعظيمة لترسيخ ثقافة السّلام عبر كلّ ربوع العالم من خلال مجلّة السّلام الدولية ومن خلال قناة السّلام وبرامجك الأدبية التنويرية التي نستمتع بها ونكتشف فيها عوالم وشخصيات أدبيّة راقية، فأنت أيقونة أدبيّة كبيرة ونجمة ساطعة في سماء الأدب والفنّ والقصّة وحمامة سلام لأنّك تعمل على نشر ثقافة السّلام.

فآخر ما أختم به الحوار هو كلامي من كتابي (منبع الحياة الروحيّة):


عندما يحلّ بنا أمر ما لم نكن نتوقَّعُه 

فلا نتذمّر ولا تخور قلوبنا بل نتحمّل 

الله يعرف هذه الأمور بدقةٍ

وهو يفعل هذا بهدف وبقصدِ فائدةِ المُجرّبين.


والإنسان المحبّ المُلتصق باللَّه على الدّوام 

لا تؤذيه الأمواج مهما كثُرت 

بل على العكس يخرج منها بقوّةٍ جديدةٍ 

أمّا الإنسان الضّعيف المُتخاذل 

فإنّه يسقط كثيراً 

حتّى لو لم يوجد ما يُضايقه.


لنتبعه حيثما يأمُرنا ولا نفكّر كثيراً

إن كان يأمرنا أن نسلك طريقاً سهلاً وممهّداً

أو طريقاً صعباً وعراً. 


أجرى الحوار من ستوكهولم

الأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف

مدير مجلّة وقناة السَّلام الدَّوليّة 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق