الفنّانة التَّشكيليّة العراقيّة ازدهار أسامة: الفنُّ هو رسالةٌ إنسانيّةٌ وجماليَّةٌ، والفنَّانُ مرآةُ مجتمعِهِ

 




حوار صبري يوسف – ستوكهولم،

أتابع تجربة الفنَّانة التَّشكيليّة العراقيّة ازدهار أسامة منذُ سنوات، وقَدْ حضرْتُ لها عدَّةَ معارضَ مشتركة في العاصمة السُّويديّة، ستوكهولم، وساهمَتْ في نشرِ أعمالِها في مجلَّةِ السَّلام الدَّوليّة بعدّةِ أعدادٍ، وهي خرّيجة معهد الفنون الجميلة في بغداد، وشاركَتْ بعد تخرُّجِها مِنَ المعهدِ في عدَّةِ معارض في العراق، وبعدَ أنْ استقرَّتْ بها الأحوال في السُّويد، بدأَتْ ترسمُ لوحاتِها بكلِّ هُدوءٍ ومُثابرةٍ، وتساهمُ في معارضَ مشتركةٍ مَعَ العديدِ مِنَ الفنّانينَ والفنَّاناتِ في السُّويدِ وفي بعضِ الدُّولِ الأوربيّةِ والعربيّةِ. تُركِّزُ في لوحاتِها على رسمِ لوحةٍ تتضمَّنُ مَوضوعاً مُعيَّناً بترميزاتٍ مُتعدَّدَةٍ. تميلُ الفنّانةُ إلى رسمِ عوالمِ الطُّيورِ والشُّخوصِ والحيواناتِ والطَّبيعةِ، وترمزُ لها برموزٍ ومدلولاتٍ عميقةٍ. التقيتُها مُؤخَّراً في معرضٍ مُشتركٍ أقامتْهُ جمعيّةُ الفنَّانينَ التَّشكيليِّينَ العراقيِّينَ في ستوكهولم، حملَ عنوان: "وسام معنا"، احتفاءً بالفنّانِ التَّشكيليِّ الرَّاحلِ وسام النَّاشي، واقترحْتُ عليها إجراءَ هذا الحوارِ حولَ تجربتِها الفنّيّةِ، فوافقَتْ على اقتراحي برحابةِ صدرٍ وَوُلِدَ هذا الحوار: 

1ـ ما الّذي جذبَكِ إلى عوالمِ الرَّسمِ، وهَلْ كانَ لديكِ اهتمامٌ وشغفٌ في فضاءِ الرَّسمِ في مرحلةِ الطُّفولةِ؟

نعم كانَ لديَّ شغفٌ واهتمامٌ في عالمِ الفنِّ والرَّسمِ، وأكثرُ ما جذبَني إلى الفنِّ هو أنَّني مِنْ عائلةٍ فنِّيّةٍ. عمِّي رسامٌ وخطّاطٌ وابن عمي وابن خال أبي، وابن عم أبي كاتبُ مسلسلاتٍ وأفلامٍ، فهو معروف في الوسط الفنّي معاذ يوسف، فقَدْ تأثَّرْتُ بهذِهِ الأجواءِ الفنّيّةِ مُنذُ كنْتُ طفلةً، وتذوَّقْتُ الفنَّ، وحينَ كبرْتُ كنْتُ أرسُمُ بينَ الحينِ والآخرِ، وأناقشُ أحياناً أعمالَ الكاتبِ معاذ يوسف في كتاباتِهِ، كما كنْتُ أناقشُهُ حولَ الموسيقى وأنواعِ السِّيمفونيَّاتِ، والفرقُ بينها وبينَ الموسيقى الشَّرقيّةِ. كلُّ هذهِ الأجواءِ والنِّقاشاتِ غذَّتْ مِيولي للفنِّ والرَّسمِ، وبدأْتُ أرسمُ بشغَفٍ، وفي هذهِ الأجواءِ المُشجَّعةِ تَنامَتْ مِيولي للرَّسمِ والفنِّ.


2. متى شعرْتِ أنَّ لديكِ الرَّغبةَ في الرَّسمِ، وكيفَ بدأْتِ الرَّسمَ، وكيفَ تنامَى عِندَكِ شغَفُ الرَّسمِ؟! 

ترعرَعْتُ في وسطِ عائلةٍ فنِّيّةٍ، وكنْتُ أتذوَّقُ الرَّسمَ، وأعطي رأيي في الكثيرِ مِنَ الرُّسومِ والقضايا الفنِّيَّةِ، وكنْتُ أحاولُ تقليدَ بعضَ لوحاتِهم، لكِنْ بدايةُ شغفي الكبيرِ كانَتْ في إيطاليا، مِنَ الفاتيكانِ، مَعقلِ الفُنونِ، فقَدْ ذهبْتُ مَعَ العائلةِ ضمنَ رحلةٍ سياحيّةٍ إلى إيطاليا، وهناكَ التقيتُ مَعَ فنَّانينَ، كانوا يرسُمون الأعمدةَ الكبيرةَ والتَّماثيلَ في ساحةِ الفاتيكانِ، وقَدْ استهوَتني الأجواءُ الفنِّيَّةُ، استهوتني الأجواءُ كثيراً، جلَسْتُ بكلِّ فرحٍ وشغَفٍ بالقربِ مِنهم، لاحظَ أحدُ الفنّانينَ اهتمامي بهم، فتقدَّمَ نحوي وأعطاني قلماً وورقةً، وقالَ لي ارسمي، وحاوَلْتُ أنْ أرسمَ وكنْتُ أقولُ لَهُ، أنا لسْتُ رسَّامةً، لكنِّي أُحِبُّ الرَّسمَ، لكنَّهُ  قالَ لي أنتِ لديكِ حسٌّ فنّيٌّ، ويمكنُ أنْ تصبحي رسَّامةً. سرَّتْني هذه الأجواءُ، والحواراتُ، ولَمْ آخذُ كلامَهم بجدّيّةٍ، وبدأْتُ أرسُمُ بكلِّ عفويَّتي، ثمَّ ذهبْتُ مَعَ أبي إلى متجرٍ فيهِ تحفٌ ولوحاتٌ فنّيّةٌ، لشراءِ بعضِ اللَّوحاتِ والتُّحفِ الفنّيَّةِ، اخترْتُ لوحةَ خيولٍ وأصرَرْت على شرائِها، قالَ صاحبُ المتجرِ لأبي ابنتُك ستكونُ رسَّامةً في المُستقبلِ. كنْتُ آنذاكَ أدرسُ تجارة، وأثناءَ عودتي إلى العراقِ غيَّرْتُ تخصُّصي مِنَ التِّجارةِ إلى معهدِ الفنونِ الجميلةِ. 

3. ماذا كنْتِ ترسُمينَ عندما بدأْتِ بالرَّسمِ، تحدَّثي عَنْ تجربةِ البداياتِ والمواضيعِ الَّتي كُنْتِ ترسمينَها؟

كنْتُ أرسمُ أيَّ شيءٍ يُعجبُني، ويجذبُني، استهواني الرَّسمُ كثيراً، لِما كانَ فيهِ مِنْ مُتعةٍ أثناءَ لحظاتِ الرَّسمِ، غالباً ما كنْتُ أرسمُ أشكالَ الشُّخوصِ، وأرسمُ الطَّبيعةَ، الأشجارَ والورودَ وبعضَ أشكالِ الحيواناتِ، كَما كنْتُ أقلِّدُ لوحاتِ بعضِ الفنّانينَ كنوعٍ مِنَ التَّدريبِ على الرَّسمِ. 

4. متى قرَّرْتِ الالتحاقَ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ في بغدادَ، تحدَّثي عَنْ هذهِ المرحلةِ الدِّراسيّةِ في المَعهدِ؟! 

كنُتُ أدرسُ التِّجارةَ،  وبعدَ عودتي مِنْ زيارتِنا لإيطاليا تغيّرَ مَسار دراساتي، لأنِّي بدأْتُ أرسمُ كثيراً، ولَمْ أهتمَّ بشرحِ المدرِّسةِ في الصَّفِّ، وحالما استمَعْتُ خبرَ افتتاحِ القبولِ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ، توقَّفْتُ عَنْ دراسةِ التِّجارةِ، والتحقْتُ بمعهدِ الفنونِ الجميلةِ، وخضْتُ اختبارَ القبولِ، وحصَلْتُ على درجةٍ عاليةٍ، وتمَّ قبولي في المعهدِ، وسُرِرْتُ كثيراً بالتحاقي بالمَعهدِ، وانطلقْتُ برحلتي الفنِّيّةِ الّتي كنْتُ أهواها كثيراً.


5. كيفَ انطلقْتِ في فضاءِ الرَّسمِ بعدَ تخرُّجِكِ مِنْ معهدِ الفُنونِ، وما هوَ الأسلوبُ الّذي اتبعتِهِ في الرَّسمِ؟

انطلقْتُ بهمَّةٍ ونشاطٍ وأنا طالبةٌ في السّنةِ الثّالثةِ مِنْ دراستي في المعهد، وساهمْتُ في معرضٍ مشتركٍ مَعَ الفنَّانةِ التَّشكيليّةِ غادة حبيب في أكبرِ "هوتيل" في العراق، وكانَ وقتًها مهرجانُ المربدِ واجتماعُ الوزراءِ العربِ. نجحَ المعرضُ نجاحاً كبيراً، وبيعَ أكثرُ مِنْ نصفِ الأعمالِ، أمَّا مشاركاتي بعدَ المعهدِ، فقَدْ شاركْتُ بمعارضَ فنِّيَّةٍ كبيرةٍ وكثيرةٍ مَعَ كبارِ الفَّنَّانينَ العراقيِّينَ والعربِ والأجانبِ في مركزِ الفنونِ في بغداد،  وحصلْتُ على شهاداتِ تقديرٍ، وكُرِّمْتُ مِنْ قِبلِ وزيرِ الثَّقافةِ والفنونِ. وقدَّمْتُ معارضَ شخصيّةً، وكذلكَ شارَكْتُ بعدَّةِ معارضَ فنِّيّةٍ مشتركةٍ في العراقِ، في قاعةِ التَّحريرِ وقاعةِ النَّصرِ، ورسمْتُ أعمالاً جداريّةً كثيرةً في ساحاتِ  بغدادَ، وعملْتُ في مجالِ فنِّ وتركيبِ السُّقوفِ الثَّانويّةِ. لَمْ أؤطِّرْ نفسي بأسلوبٍ مُحدَّدٍ، حيثُ أرسمُ كلَّ شيءٍ يجذِبُني ويستهويني، وتميَّزَتْ أعمالي بإدخالِ الحيواناتِ والطُّيورِ والشُّخوصِ لفضاءَاتِها لأنَّ عوالمَها رائعةٌ.

6. متى وكيفَ ترسُمينَ، هَلْ ترسُمينَ اللَّوحةَ دُفعةً واحدةً أمْ على مراحلَ، ومتى تكتملُ عندَكِ اللَّوحةُ؟!

متى أرسمُ؟ هذا لا يحدِّدُهُ وقتٌ مُعيَّنٌ، لأنَّ الفنَّانَ مزاجيٌّ، وعندما تستهويهُ فكرةً ما، فجأةً يبدأُ برسمِها، بعدَ أنْ يجهِّزَ أدواتِ الرَّسمِ، يضعُ اللَّوحةَ البيضاءَ على "الستاند"، وحولَهُ الألوانُ والفراشي في الانتظارِ، ثمَّ يبدأُ بالرَّسمِ وهو يستمعُ إلى الموسيقى المفضَّلةِ لديهِ، لكِنْ كَمْ تأخذُ اللَّوحةُ وقتاً لرسمِها؟ هذا ما لا يستطيعُ الفنَّانُ أنْ يقدِّرَهُ، لأنَّ لكلِّ لوحةٍ فضاؤها الخاص، ويتوقَّفُ الأمرُ بحسبِ موضوعِ اللَّوحةِ ومزاجِ الفنّانِ أيضاً.

7. عندما ترسمينَ لوحةً ما، هَلْ لديكِ فكرةٌ ما عنها، كروكيه، تخطيطٌ ما، أمْ ترسمينَها مِنْ وحي الخيالِ؟!

نعم، قبلَ أنْ أرسمَ لوحةً ما، لديَّ فكرةٌ عَنِ اللَّوحةِ الَّتي سأرسمُها، ربَّما هذهِ الفكرةُ راودَتْني مِنْ خِلالِ حدثٍ مُعيّنٍ أو موقفٍ مُعيَّنٍ، أو موضوعٍ شخصيٍّ مُعيّنٍ، ظلَّ مُخزَّناً في ذهني، فأبدأُ برسمِ كروكيه على الورقِ، أو أرسمُ تخطيطاً يتضمَّنُ الفكرةَ الَّتي أنا بصددِ رسمِها، ونطلقُ على التَّخطيطِ الأوّلي مُصطلحَ "السكيج" وهنا نستطيعُ أنْ نبنيَ أساسَ الفكرةِ ومضمونَها، وخلالَ تنفيذِ اللَّوحةِ نقومُ بتطويرِها، ويُمكنُ أنْ نضيفَ بعضَ التَّفاصيلِ، كما يُمكنُ أنْ نختزلَ بعضَها، وهذا يتوقَّفُ بحسبِ ما يريدُ الفنّانُ أنْ يوصلَهُ للمشاهدين. 

8. ترسمينَ أشكالَ الطُّيورِ، الحيواناتِ، الطَّبيعةَ وشكلَ الإنسان، ولديكِ ترميزاتٌ للشكلِ الَّذي ترسمينَهُ، كيفَ تُسقطينَ ترميزاتِكِ ورؤاكِ على اللَّوحةِ الَّتي تتضمَّنُ شكلاً ما، طيراً كانَ أو حيواناً، إنساناً أو طبيعةً؟ 

أنا أحبُّ عوالمَ الحيوانِ وأخذني الفضول لأبحثَ عن عالمِهم حين سمعتُ قول الله، كلهم أممٌ أمثالكم. بالفعل  لو ندرسُ ونتعمَّقُ بتفاصيلِ حياةِ كلِّ حيوانٍ، سنرى عالماً رائعاً وجميلاً. الغرابُ هو مَنْ علَّم الإنسانَ كيفَ يتصرَّفُ عندَ موتِ أخيهِ، وكذلكَ الذِّئابُ تبرُّ بوالديها عندما يكبرانِ، وأمورٌ كثيرة عَنْ مملكةِ الحيوانِ مِثلَ وفاءِ الكلابِ. أقولُها بكلِّ صراحةٍ، لو درسَ كلُّ شخصٍ عالمَ الحيواناتِ لاستفادَ منها فائدةً كبيرةً، لهذا أنا أُحِبُّ أنْ يكونَ لعوالمِ الحيواناتِ والطُّيورِ نصيباً وافراً في فضاءِ لوحاتي.


9. ما هي الألوانُ الَّتي ترسمينَ فيها: الأكريل، الزَّيتي، المائي، الشّمعي/ الباستيل؟ ولماذا تختارينَ لوناً مِنْ هذهِ الألوانِ دونَ غيرِهِ؟!  

أختارُ الألوانَ الزَّيتيَّةَ، فهي الأفضلُ عندي، لأنّها تُعطي حرِّيةَ الإبداعِ، وانسيابيّةً في رسمِ اللَّوحةِ. الألوانُ المائيّةُ يجبُ أنْ يكونَ الفنّانُ دقيقاً وحَذرَاً برسمِ الموضوع ،ِلأنَّ الألوانَ المائيّةَ لا تتقبَّلُ الأخطاءَ، وأيُّ خطأ غالباً ما يؤثِّرُ على اللَّوحةِ، وأمّا الأكريليك، فهذا اللَّونُ يجفُّ بسرعةٍ على اللّوحةِ، لهذا لا أحبِّذُهُ، لأنَّهُ يُقيِّدُ الفنّانَ بحركةِ الفرشاةِ ومُناغمةِ الموضوعِ، لهذا أفضِّلُ الألوانَ الزّيتيّةَ وأبدعُ فيها أكثرَ مِنْ بقيّةِ الألوانِ.

10. شارَكْتِ في عدّةِ مَعارضَ في العراقِ، وفي السُّويدِ، كما شارَكْتِ في معارضَ دوليّةٍ، تحدَّثي عَنْ مشاركاتِكِ في هذهِ المعارضِ، وما هي الفائدةُ الّتي جنيتِها مِنْ هذهِ المَعارضِ الَّتي شاركْتِ فيها؟

شاركْتُ بمعرضٍ في مَركزِ الفنونِ في بغدادَ، وهو أكبرُ تجمُّعٍ فنِّي دولي. وحصَلْتُ على جوائزَ وشهاداتٍ تقديريّةٍ. وشارَكْتُ في مَعرضِ القاهرةِ وحَصَلْتُ على تكريمِ، كما شاركْتُ في معارضَ في تركيا ولندن وإيطاليا وهنكاريا ودولٍ أخرى، وبالإضافةِ إلى الجوائزِ والتَّكريماتِ، حصَلْتُ على صداقاتٍ لفنَّانينَ وفنَّاناتٍ مِنْ دُولٍ عديدةٍ، وقَدْ أضافَتْ هذهِ المعارضُ والمشاركاتُ لتجربتي الفنِّيِة رؤيةً عميقةً وخبرةً جديدةً.

11. ما هي المعارضُ الفرديّة الّتي قدَّمتِها سواءً في العراقِ أو خارجَ العراقِ وكيفَ كانَ انطباعُ المُشاهدينَ؟

قدَّمْتَ عدَّةَ معارضَ وتمَّ اقتناءُ أكثرَ مِنْ نصفِ لوحاتي، ودعاني رئيسُ مجلّةِ الرِّسالةِ الكويتيّةِ. الله يذكرُهُ بالخيرِ الأستاذ جاسم المبارك لإقامةِ معرضٍ بالكويتِ الشَّقيقِ، لكنَّ الحروبَ والحِصارَ آنذاكَ حالَتا دونَ ذلك. 

12. ما هو دورُ الفنِّ في رسمِ البُعدِ الجمالي والتَّنويري في المجتمعِ وهَلْ حقَّقَ الفنُّ هذا الدَّورَ كما يجب؟

الفنُّ هو رسالةٌ إنسانيّةٌ وجماليَّةٌ، ونرى الفنَّانَ يُبدعُ بالسِّلمِ وفي الحربِ، نَستطيعُ القولَ: إنَّ الرَّسامَ هو المرآةُ العاكسةُ لكلِّ ما هو جميلٌ وبشعٌ، وربَّما في بعضِ الأحيانِ نلاحظُ الرَّسامينَ يجمِّلون الواقعَ البشِعَ لكي يخفِّفَ مِنْ حَجمِ بشاعةِ الحَدثِ على المجتمعِ، نرى رسَّاماً يرسمُ حُطامَ مدينةٍ، لكِنْ يضعُ أموراً مِثلَ زهورِ الحمامِ الأبيضِ، بهذا يعطي للمشاهدِ أنَّهُ رغمَ الشَّرِّ لكنْ هناكَ خيرٌ وإعادةُ إعمارٍ، الرَّسامُ دورُهُ مهمٌّ جدَّاً بخلقِ أشياءَ مِنْ خِلالِ لوحاتِهِ مِنْ لا شيءَ، لهذا تأثيرُ الفنِّ على المُجتمعِ تأثيرٌ إيجابيٌّ.

13. ماذا يعني لكِ الرَّسمُ، الفنُّ، الإبداعُ، والعطاءُ الخلّاقُ في أيِّ مَجالٍ فنِّي أو أدبيٍّ أو فكريٍّ؟!

الرَّسمُ وجميعُ الفنونِ مِثلُ الموسيقى والتَّمثيلِ والشِّعرِ والرّقصِ، تعني لي الكثيرَ، فجميعُ هؤلاءِ هم رسائلُ إنسانيَّةٌ،  ومرآةٌ عاكسةٌ في حالةِ السِّلمِ أو الحربِ، وهذهِ المَجالاتُ الفنِّيّةُ والأدبيّةُ والفكريّةُ هي الباقيةُ طويلاً.  

14. ما هي المدارسُ الفنّيّةُ الّتي تستهويكِ في الرَّسمِ، وكيفَ تَدمُجينَ في أعمالِك أكثر من تيّار فنّي؟!

المدارسُ الواقعيّةُ والسّرياليّةُ تستهويني، وكذلك الانطباعيّةُ، وعِندَما أُنفِّذُ عملاً ما أو فكرةً ما، تتداخلُ هذهِ المدارسُ مَعَ بعضٍ وأخرجُ بأفكارٍ فنّيةٍ، أنفِّذُهَا على اللَّوحةِ، ويُعجبُ بها الزُّوارُ أثناءَ عرضِها في المعارضِ.

15. هَلْ رسمتِ لوحاتٍ تجريديّةً، أمْ لديكِ توشيحاتٌ تجريديّةٌ في فضاءِ اللَّوحةِ؟! 

نعم رسمْت لوحاتٍ تجريديَّةً، أنا مِنْ طبعي لا أحبُّ التَّقيدَ بأسلوبٍ مُحدَّدٍ، حتَّى على صعيدِ حياتي اليوميّةِ أُحِبُّ التَّنويعَ في الأساليبِ الفنّيّةِ، خصوصاً في الرَّسمِ، لا أتقيَّدُ بمدرسةٍ معيَّنةٍ، كلُّ شيءٍ جميلٍ يستهويني، ويلفُتُ نظري بشكلٍ لا إراديٍّ، وتراني أتوجَّهُ صوبَ الجمالِ كي أترجمَهُ عبرَ تناغماتِ الألوانِ، وأنفِّذَ الموضوعَ بشوقٍ عميقٍ.

16. مِنْ خلالِ تجربتِكِ ومتابعتِكِ للفنِّ التَّشكيلي العراقي والمشرقي، واطلاعِكِ على الفَنِّ الغَربيِّ والسُّويديِّ بشكلٍ خاص، أينَ تضعينَ مستوى التّشكيلِ العراقيِّ مقارنةً بالفنِّ المشرقي والعربي والغربي؟! 

يوجدُ فنَّانونَ عِراقيِّونَ مُبدعونَ جدَّاً، سبقَ وقلْتُ كانَ العراقُ قِبلةَ الفنَّانينَ والشُّعراءِ ومنارةَ جميعِ الفُنونِ. كانَ العربُ والغربُ يأتونَ للمشاركةِ مِنْ أجلِ حُبِّ الاندماجِ الفنِّيِّ والثَّقافيِّ مَعَ الفنَّانِ العراقي. الفنَّانُ العراقيُّ والفنانونَ العربُ يركِّزُونَ على الواقعيّةِ والانطباعيّةِ. أمَّا الفنَّانونَ الغربيِّونَ عامةً والسُّويديون أيضاً، فقَدْ طغى على أسلوبِهم  فضاءُ التَّجريدِ.

17. ما هي طُموحاتُكِ المستقبليّةُ بما يتعلّقُ بالرَّسمِ، هَلْ لديكِ برنامجٌ فنِّيُّ مُعيَّن لآفاقِ رؤاكِ الفنّيّةِ المُستقبليّةِ؟ 

أهدفُ إلى تطويرِ تجربتي الفنّيَّةِ، وإلى رسمِ أجملِ اللَّوحاتِ. وأنا أشتغلُ كمنسِّقةٍ لمعارضَ خارجَ السُّويدِ، وأطمحُ أنْ أُؤَسِّسَ منتدى فنِّيَّاً وأدبيَّا خاصَّاً بتقديمِ وعرضِ الفُنونِ الإبداعيّة كالرَّسمِ والشِّعرِ والأدبِ. 

18. كيفَ يمكنُ للفنّانِ والفنّانةِ مِنْ أنْ يرفعا مِنْ مُستوى الفنِّ مِنْ جهةٍ، وكيفَ يمكنُ للأدباءِ والكتّابِ مِنْ أنْ يرفعوا مِنْ مستوى الأدبِ والفكرِ مِنْ جهةٍ أخرى، وما هي أفضلُ الطُّرقِ لرفعِ مستوى الفنونِ الإبداعيّةِ مِنْ تشكيلٍ وأدبٍ وفكرٍ ضمنَ الظُّروفِ الرَّاهنةِ؟!

يستطيعُ الكتّابُ والشُّعراءُ والفنَّانونَ أنْ يرفعوا مِنْ مُستوى الفنونِ الإبداعيّةِ، مِنْ خلالِ المُثابرةِ والتَّواصلِ والإبداعِ، وأشرْتُ مُسبقاً أنَّ كلَّ هؤلاءِ هُمُ المرآةُ العاكسةُ لكلِّ ما يطرأُ على المُجتمعاتِ، مِنْ سِلْمٍ وحَربٍ وفَرحٍ وحُزنٍ في الوقتِ الرَّاهنِ. تراهم ينهضونَ بكلِّ ما لديهِم مِنْ قوّةٍ وطُموحٍ مِنْ أجلِ الوثوبِ والارتكازِ على صخرةِ التَّحدِّي الَّذي يوصلُنا إلى أرقى حالاتِ الإبداعِ.


ستوكهولم: آب (أغسطس) 2024 

صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم   


لقاء مع الامين العام الدكتور خالد البقالي


 اجرى اللقاء مصطفى منيغ:

أحزاب وُجُود بعضها أحسن منه عَدَمُها ، تكابر مند سنين طويلة من تأسيسها ، للبقاء ولو ضمن آخر الذيل قبل رحيلها ، لم تعد لها واجهة لعرض ما تبقى من سلعة برنامجها ، المُرَقَّع بألف وَعْدٍ ووعد من نتاج خيالها ، ولا أعضاء يستحملون البعض من أمنائها ، الذين عايشوا الحرب العالمية ألثانية ليصلوا ما يجري الآن في غزة لا يحسنون حتى الحديث عنها ، بالأحرى الوقوف ولو سياسيا كأضعف الإيمان لتأييدها ، فقد شاخ عقلهم مع دَعْمٍ ليبعدهم عن اختصاص سياسة الأحزاب بما لها وما عليها ، ليصبحوا قدوة اندماج اللاديمقراطية مع ميوعة حرية فقدت كنه حريتها ، مسخرة مغطاة بعدم تطبيق قانون الأحزاب لأسباب كامنة في مكوثها ، صورة لواقع حالة في مجال مضاف لتعقيدها ، صمت الوزارة الوصية العالمة بمثل الأحزاب المعنية وأسرارها ، صمت لا مبرر له سوى الإذعان في عرقلة المسيرة الحقيقية لأحزاب قائمة لها مصداقيتها ، طالما رفعت نداءاتها لتصفية جو الساحة السياسية الحزبية حتى تباشر مسؤولياتها ، كما يتمنى الشعب المغربي العظيم حفظه الله ونصره بإبعاد بعض أحزاب  عن بعض أمناء عامين فقدوا الشرعية (لبقائهم أمناء مدى الحياة) بكاملها.

هناك أحزاب تعد تطلعا مشرفا لمستقبل الحركة السياسية الحزبية بالمغرب لها ايجابياتها ، بأمناء عامين هم من الشباب الواعين أن التطور في المجال عنوانه احترام القوانين ذات الارتباط والعمل بما هو منصوص في فصولها ، مع ابتكار ما يفسح المجال لمن أراد الانضمام تحت لوائها ، كأعضاء لهم الحق المطلق لمعرفة كل صغيره وكبيرة تحصل داخلها ، وفي مقدمة المقدمات الإطلاع على التدبير المالي لمداخليها الرسمية كمصاريفها المُتًّفق عليها . من هده الأحزاب حزب التقيت بأمينه العام الدكتور الشاب الأستاذ الجامعي خالد ألبقالي في مدينة فاس وأجريت معه الحوار التالي : 


سؤال مصطفى منيغ :

لما الانتساب الحزبي ، ولما اختيارك تحديدا للحزب الديمقراطي الوطني ؟ بماذا يمتاز هذا الحزب عن الأحزاب الأخرى ؟.


جواب الأمين العام :

الحزب الديمقراطي الوطني ليس جديدا ، وإنما هو استمرار للحزب الوطني الديمقراطي الذي تأسس في بداية الثمانينات وحصل على عدد مهم من المقاعد في البرلمان إضافة إلى مشاركته في التدبير الحكومي ، لذلك فان الحزب الديمقراطي الوطني مستمر على خطه الاديولوجي والسياسي ، ويمتلك مقاربة دقيقة ومرنة لتدبير القضايا والإشكاليات طبعا في تفاعل مع التطورات الإقليمية والدولية .


سؤال مصطفى منيغ :

أهناك برنامج للحزب تناضلون من أجل تحقيقه ، إن كان هناك ما هي خطوطه العريضة ؟ .


جواب الأمين العام :

الحزب الديمقراطي الوطني ملتزم ببرنامجه السياسي ومرجعيته الليبرالية الاجتماعية ، ولكن في تمفصل مع التوجهات الإستراتيجية الكبرى للدولة ، فالحزب الديمقراطي الوطني له تصور في تدبير إشكالية التنمية في المغرب ، ينسجم مع روح خلاصات الحوار الوطني لإعداد التراب الوطني ، و المخططات الإستراتيجية القطاعية ،  لكن الحزب ، وإدراكا منه ان هذه التوجهات الكبرى للبلاد تستوجب عمليات إجرائية في مجالات ترابية محددة ، يتبنى الحزب المقاربة الترابية والتشاركية ، لذلك فهو يرتكز على مفهوم القرب ، ليس فقط في عمليات التدخل والتأطير ، ولكن أيضا كأداة منهجية قي يد الحزب ، لفهم وتفسير القضايا محليا .


سؤال مصطفى منيغ :

كيف تنظرون إلى عملكم السياسي الحزبي مستقبلا وهل لكم رؤية في الموضوع ؟، وإن كنتم على انسجام مع الحكومة أم العكس هو الصحيح ؟.


جواب الأمين العام :

الحكومة لها مشروعية وتعبير عن إرادة الناخبين ، لا يمكن أن ننكر مجهودات الحكومة في عدة قطاعات ، ولكن لدينا وجهات نظر مختلفة في تدبير عدة إشكاليات ،  يمكن أن نعطي في هذا الصدد مثال إشكالية الماء ، فالحزب لديه تصور ينسجم مع المقاربة الترابية تتقاطع فيه الأبعاد الاقتصادية (خاصة الفلاحة)، والأبعاد البيئية (وضعية المغرب في نطاق شبه جاف، ومخزون الفرشة المائية الباطنية)،بمعنى يمكن تفعيل مخطط المغرب الأخضر ( الجيل الأخضر)ولكن باعتماد التنطيق والتحكم في نوع الزراعة من خلال آلية الدعم .

أحزاب سياسية وراء الباب منسية


أجرى اللقاء مصطفى منيغ


منها مَن وصلت لرئاسة الحكومة كالحالية ، ومنها منذ تأسيسها وهي مجرَّد دُمْيَة ، يلعب بوجودها أطفال النظام من أجل غاية ، يكبرون معها فتصبح مجرَّدة من فحواها كديكور تتباها به أغرب ديمقراطية حزبية محلية ، ومنها المحترمة السائرة على مبادئها المحصنة عبر مراحل احتياطا من كل سوء نية ، ومنها المجمعة مؤسساتها الصورية في شخص أمين عام يرى الحزب بقرة حلوب تزوده بالعيش على قفا ميزانية وزارة الداخلية من جراء ما يقسمه على شهور السنة من دعم عمومي على رواتب شهرية شخصية ، فهو الأمين العام والمؤتمر  الوطني والمجلس الوطني والمكتب  السياسي وكل المنظمات الموازية ، من هذه العاهة هناك أكثر من واحد نزولا لعيونهم العسلية ، تتجاوز وزارة الداخلية عيوبهم المسجلة عندها بالحجج والدلائل الكافية ، لكنها لا تحرك ساكنا مؤجلة الفاعل ( ربما) ليوم موعود لا شك في وصوله لتطبيق التصدي المشروع لمثل الانحرافات بالوسائل القانونية . هناك أحزاب واثقة من عملها كمؤطرة مؤهلة للمواطنين عامة فاتحة أبوابها لاستقبال طالبي العضوية ، ومنها غالقة هذه الأبواب محافظة على المنتسبين اليها من سنين تقضي بهم متطلبات المرحلة الانتخابية . فسيفساء من شبه أحزاب الغرض منها التشويش على الساحة الحزبية ، الحقيقية القائمة مع ذلك بواجباتها المنصوص على فقراتها في قانون الأحزاب السياسية الوطنية ، بالتأكيد هناك من يطالي باصلاح هذا المحور المرتبط أساسا بتسيير الشأن العام الو طني الذي صراحة علقت به طفيليات أضحت  بما عمرَّت دون فائدة تذكر اللهم تحقيق  إبعاد الشعب في مجمله عن الثقة فيها الجزئية أو الكلية ، مهما اتخذت من وسائل الظهور بعقد مؤتمرات لا أساس لها من الشروط القانونية ولو في الخد الأدنى البعيد عن السياسة السفسطائية . هذا لا يعنى أن الحقل ميؤوس منه ، إذ هناك من الأطر أكانوا من النساء أو الرجال على قدر من الكفاءة يساهمون من خلال انتسابهم لبعض الأحزاب في تنشيط ما يجب تنشيطه وفي هذه المرحلة والمغرب يحيا تحديات المفروض أن يواجهها بالعناصر المطلوبة ومنها الحزبية . من هؤلاء الأطر تنصلنا بالأستاذ معاد فاروق  منسق إقليم (محافظة) سطات لإجراء الحوار التالي :


 سؤال مصطفى منيغ : لما الانتساب الحزبي ولما اختيارك تحديدًا حزب الأمل؟ بماذا يمتاز هذا الحزب عن الآخرين؟ 


جواب المنسق الإقليمي :  إن الاشتغال في الحقل السياسي من حيث الممارسة لا يمكن أن يكون بمعزل عن الانتماء والانخراط في تنظيم يضمن توافق القناعات الخاصة والعامة، وعليه فالانتساب الحزبي بالنسبة لي لم يكن خيارًا عشوائيًا، بل هو نتاج اقتناع راسخ بأن العمل السياسي المنظم هو السبيل الأنجع لخدمة الصالح العام والمساهمة في تطوير المجتمع، إذ من خلال الانتساب لحزب سياسي، يصبح من الممكن تحويل الأفكار والرؤى إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ، وهو ما يتيح للفرد أن يكون جزءًا من عملية التغيير بدلًا من أن يكون مجرد مراقب للأحداث. ومن خلال اهتمامي وتتبعي للمشهد السياسي المغربي والقيام بجرد دقيق لمختلف الأحزاب السياسية والاطلاع على أهدافها وبرامجها الحزبية المتشابهة أغلبها، وجدت اختلافا في حزب الأمل على وجه التحديد على مستوى التوجه العام لأنه يتوافق مع قيمي ومبادئي، حيث يمتاز الحزب بالتزامه اللامشروط في العديد من المحاور المهتمة بقضايا العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية في العمل الحكومي، وما يميز أيضا حزب الأمل عن الأحزاب الأخرى هو تركيزه الكبير على دعم فئة الشباب رغبة منه في إعطاءهم حيز كبير من الاهتمام والعمل على تمكينهم من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، كما أن الحزب يمكن أن يساهم في إعادة الثقة للمواطن المغربي من خلال اعتماد شعار: المصداقية أساسيا، مع العلم أن هذا المعطى تنادي بها كل الأحزاب في حملاتها الانتخابية وشعاراتها، ولكن بالنسبة لحزب الأمل يهتم بالمصداقية من حيث العمق الدلالي سعيا في ترسيخ المصداقية كسلوك حضاري من أجل إقلاع حقيقي وكذا بناء مجتمع تسوده كل القيم النبيلة، كما أن الحزب يضع أهمية قصوى على الابتكار في الحلول السياسية والاجتماعية، وعلى الإصغاء لمشاكل المواطنين والعمل على حلها بطريقة شفافة وفعالة، إضافة إلى المرجعية الايديولوجية المتبنية لنسق حداثي ليبرالي وسطي اجتماعي وعمله على دعم المملكة الدستورية الديمقراطية البرلمانية الاجتماعية، وكذا تعزيز الاختيار الديمقراطي وفق مرجعيات المملكة واحترام مقدساتها وتوابثها، ثم لا أنس الفلسفة الحكيمة التي يعتمدها الأمين العام السيد محمد باني ولد بركة من حيث التواضع والمسؤولية وإيمانه القوي بالطاقات والتحفيز والدعم المعنوي وتوسيع مساحة التواصل والتفاعل الإيجابي مع المنتسبين للحزب مما أعطاني شحنة قوية للانخراط كليا فيه عن قناعة واقتناع والعمل على بلورة كل الأفكار التي من شأنها المساهمة في تحقيق الإشعاع والتقدم وتواجد الحزب في الصفوف الأمامية وبصفة مشرفة في المشهد السياسي المغربي.


سؤال مصطفى منيغ : أهناك برنامج للحزب تناضلون من أجل تحقيقه؟ إن كان هناك، ما هي خطوطه العريضة؟ 


 جواب المنسق الإقليمي : صحيح أن حزب الأمل ليس من الأحزاب الأكثر تواجدا وطنيا أو تمثيلية في البرلمان ولكنه يسعى جاهدا لصنع موقع متميز في المشهد السياسي بفضل مناضليه الأوفياء وبكل تأكيد، لديه برنامج طموح وواقعي نسعى جاهدين لتحقيقه. هذا البرنامج يتناول قضايا محورية تهم المجتمع المغربي بأسره، وينطلق من رؤية شاملة لتطوير البلاد على المدى الطويل ومن بين الخطوط العريضة لهذا البرنامج: 1/ العدالة الاجتماعية: نعمل على تقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تحسين ظروف المعيشة لكافة فئات المجتمع، خاصة الفئات المهمشة. نركز على خلق فرص عمل مستدامة، وتوفير التعليم والرعاية الصحية للجميع، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا واستقرارًا. 2/ الحكامة الرشيدة: نؤمن بأن الشفافية والمساءلة هي أساس العمل الحكومي الفعال. لذلك، نسعى إلى تعزيز آليات المراقبة والتقييم، وتفعيل دور مؤسسات الرقابة لتضمن نزاهة وفعالية السياسات العامة. 3/ التنمية المحلية والمستدامة: نحن ملتزمون بتقوية دور الجماعات الترابية عبر تمكينها من الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع تنموية تخدم سكانها، كما شجع على اعتماد مشاريع تنموية محلية ومجالية تستجيب لحاجيات كل منطقة، مع توفير الدعم الفني والتقني واللوجيستيكي والمالي اللازمين لهذه المشاريع التنموية. 4/ لشباب والمشاركة السياسية: نضع الشباب في قلب اهتماماتنا، ونعمل على خلق برامج تدريبية وتكوينية تهدف إلى تعزيز قدراتهم القيادية وإشراكهم بفعالية في الحياة السياسية. نؤمن أن تمكين الشباب هو مفتاح المستقبل. 5/ مواكبة قضايا المرأة : الاهتمام بمختلف الانشغالات النسائية على مستويات عدة: *المستوى السياسي: الرفع من عدد النساء في مواقع القرار والمسؤولية داخل المؤسسات التمثيلية وكذا تفعيل التمييز الايجابي وإدماج مقاربة النوع. *المستوى الاقتصادي: العمل على إلغاء كل الفوارق بين المرأة والرجل في الأجور. *المستوى الاجتماعي: محاربة العنف ضد النساء ونبذ كل أشكال التمييز. 6/ العناية بقضايا العالم القروي : الاهتمام من حيث برامج ومشاريع تعنى بتوفير البنيات التحتية والمسالك والطرقات والكهربة القروية وقطاع الماء والصحة.


سؤال مصطفى منيغ : كيف تنظرون إلى العمل السياسي الحزبي المغربي مستقبلا وهل لكم رؤية في الموضوع؟


جواب المنسق الإقليمي : كما هو معلوم أن المغرب منذ الاستقلال اختار تبني التعددية السياسية كأساس لكل بناء ديمقراطي وأن مسلسل الديمقراطية بالمغرب تساهم فيه الدولة والأحزاب على حد سواء، هذه الأخيرة التي من المفروض أن تنهج القطيعة مع “المشروعية التاريخية” من خلال صناعة الزعماء السياسيين المتشبثين بكراسيهم القيادية والمؤمنين بقدسية قراراتهم والرافضين لكل انتقاد أو معارضة، الشيء الذي يساهم تأخير الانتقال الديمقراطي، الذي استنزفت فيه الأحزاب زمنها السياسي ومكتسباتها النضالية منذ حكومة التناوب والحكومات المتعاقبة. وفي نظري الشخصي، مستقبل العمل السياسي الحزبي في المغرب رهين لتفعيل المقتضيات الدستورية من خلال بتجديد على عدة مستويات. أولًا، ينبغي التركيز على بناء الثقة بين الأحزاب السياسية والمواطنين. هذه الثقة لن تتحقق إلا إذا كانت الأحزاب قادرة على تقديم خطاب سياسي صادق، واقعي، وملامس لتطلعات المواطن الذي يلعب دورا مهما في اللعبة السياسية وتحديد معالمها من خلال قدرته على التأثير في الخريطة السياسية، لذا بات من الضروري على الأحزاب تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالممارسة السياسية وكذا أجرأة العديد من التوصيات والملاحظات والتوجيهات الواردة في الخطابات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده الموجهة في إطار تقييم أداء الأحزاب، التي يجب عليها أيضا العمل على تجديد هياكلها التنظيمية وإتاحة المجال أمام الشباب والنساء للمشاركة الفعالة وتعزيز مكانتها من خلال مواقع ومسؤوليات للمساهمة في صنع القرار ، كما أن مستقبل العمل السياسي يعتمد على قدرة الأحزاب على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى مدى قدرتها على الابتكار في طرح الحلول والسياسات. وفي هذا السياق تبقى رؤيتي للعمل الحزبي المستقبلي تتمثل بالأساس في تعزيز الشراكة بين مختلف الفاعلين والفرقاء السياسيين والاجتماعيين، بما في ذلك المجتمع المدني والقطاع الخاص، لخلق منظومة متكاملة تعمل من أجل التنمية الشاملة، كما أرى أهمية كبيرة في تعزيز ثقافة الحوار المتبادل والتواصل المستمر بين الأحزاب والمواطنين، لضمان أن تكون البرامج السياسية نابعة من احتياجات حقيقية، وليست مجرد شعارات انتخابية. وأخيرًا، أعتقد أن النجاح في المستقبل يعتمد على مدى قدرة الأحزاب على الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتحسين أدائها وتوسيع قاعدة مشاركتها، فالتحول الرقمي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تقريب المواطن من العمل السياسي، وتوفير قنوات جديدة للتواصل من أجل المشاركة الفعلية في الحياة السياسية. في الختام، أشكر لكم هذه الفرصة الثمينة للتعبير عن رؤيتي وآرائي.  تقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.

حرفُ الكاتبة السُّوريّة حوريّة الصَّفدي موشومٌ بالسُّموِّ وأصفى حبورِ التَّجلِّي




حوار صبري يوسف – ستوكهولم، 

الكاتبة السُّوريّة حوريّة الصَّفدي، كاتبةٌ مُرهِفةٌ في بناءِ حَرفٍ مَوشومٍ بالسُّموِّ وأصفى حُبورِ التَّجلِّي. تكتبُ كَمَنْ تشدو للجمالِ، للمشاعرِ الدَّفينةِ في أعماقِ الرُّوحِ، يهدهدُ حرفُها هُبوبَ نَسيمِ الصَّباحٍ. تمتلكُ رؤيةً ساطعةً بالأملِ، هَلْ هذا الأملُ قادمٌ، هل سيتحقَّقُ أمْ أنَّهُ مجرَّدُ أملِ كاتبةٍ "محكومةٍ" بإشراقةِ الأملِ، في زمنِ الانكسارِ، وتفاقمِ لهيبِ النّارِ مِنْ أغلبِ الجهاتِ، فلا ترى أجدى مِنَ الحرفِ تناغيهِ كي تخفِّفَ عنها ضجرَ الحياةِ؟! أحبَبْتُ أنْ أُجريَ معَها هذا الحوار، فاستجابَتْ برحابةِ صدرٍ المشاركةَ في بوحِها عَنْ مرامي الحوارِ.


1ـ متى تكتبينَ، ماذا تعني لكِ الكتابة؟ 

الكتابةُ مرآةُ أرواحِنا عندما تتحجَّرُ الدَّمعةُ بالمقلِ، وشاحُ أرواحِنا عندما تحملُهُ النَّسماتُ الهاربةُ، وسادةُ نبضٍ اعتنقَ الصّراخَ صمتاً، استكانَ لمسافةِ الاستحالةِ بينَ الغيمةِ والثَّرى. أكتبُ عندما يغفو القمرُ على زندِ النَّجماتِ. أكتبُ أثناءَ صحوةِ الفجرِ على تراتيلِ الطُّيورِ فوقَ مُهودِ الأشجارِ. أكتبُ كلَّما حَنَّ السَّحابُ إلى حُضنِ السَّماءِ وعانقَ المَطرُ أزاهيرَ الصّباحِ. أكتبُ كلَّما طرقَتْ قطراتُ غيثٍ نافذةَ شجني، وعزفَتْ على إيقاعِ أجراسِ الكنائسِ. أكتبُ لحظةَ وداعِ الشَّمس عرينَ الأفُقِ وأرجوانِ المساءِ. أكتبُ كلَّما غفا حُلُمٌ على وجنةِ الألمِ، كُلَّما تهادَتْ أناملي على نصاعةِ صمْتِ الورقِ. كُلَّما هزَّني وجدٌ لعُرى السَّماءِ وقُبلةِ السَّلامِ.


2. أيُّهما أقربُ إليكِ في رِحابِ القراءَةِ، القصيدةُ أم القصّةُ، النَّصُّ الأدبي، أم فضاءَاتُ السَّردِ الرِّوائي؟! 

في رحابِ القراءَة كلُّ حرفٍ إحساسٌ، وكلُّ سطرٍ فكرةٌ. عندما أقرأ أكونُ أسيرةَ الخيالِ، أسافرُ مَع أولى الحروفِ للبعيدِ .. للشعرِ وقعُهُ الجميلُ، وللقصَّةِ فضولُ المتابعةِ، واستخلاصُ المعنى والمرادِ، للنصِّ الأدبيِّ 

جماليَّةٌ تستحوذُ على اهتمامي .. أمَّا السَّردُ الرِّوائيُّ فيشغلُ حواسي بفضاءَاتِهِ الطَّليقةِ الَّتي تتقنُ العزفَ على أوتارِ الرُّوحِ والفكرِ والقلبِ بشغفٍ واهتمامٍ ودقَّةٍ ومتابعةٍ.

في رحابِ القراءَةِ، ينصهرُ الإنسانُ بصليلِ الحروفِ، ويختالُ بخيالِهِ، بالصُّورِ والتَّشابيهِ ومآثرِ الحكايا، يتقمَّصُ أفراحَها وأشجانَها،  يبتسمُ تارةً  ويتجهَّم تارةً أخرى، يلملمُ دمعَه تارةً، ويسامرُ عُرسَ القمرِ تارةً أخرى. 

كلُّ الفنونِ الأدبيَّةِ جديرةٌ بالاهتمامِ والمتابعةِ، ومَعَ غزارةِ ما نقرأُ يصعبُ علينا الاصطفاءُ، فندعُ المآقي والمشاعرَ تأخذُنا حيثُ تختارُ وتهمسُ الحواسُ لترسو على شواطىءِ قصيدةٍ أو قصَّةٍ أو روايةٍ ..  أي تشدُّني الحروفُ العابقةُ بعطرِ المَشاعرِ وأهازيجِ الخَيالِ، وصُدقِ الواقعِ .. ونبضِ الإنسانِ بينَ السُّطورِ ..


3. هَلْ أدهشَكِ إبداعُ اللُّغةِ، كيفَ تنظرينَ إلى إبداعِ اللُّغاتِ، هَلْ تستطيعينَ أنْ تتخيَّلي واقعَ حالِ الإنسانِ مِنْ دونِ لُغاتٍ يتواصلُ عَبرَها مَعَ بني جنسِهِ في سائرِ أرجاءِ المَعمورةِ؟! 

اللُّغةُ لسانُ الشُّعوبِ ووعاءُ فكرِها وحضاراتِها منذُ القديمِ، باللُّغةِ تتواصلُ الأفكارُ وتتوارثُ القيمُ. اللُّغةُ تشحذُ مَلكةَ النُّطقِ وتطرِّزُها بألوانِ الوجودِ والأصقاعِ .. تزيِّنُها بأزهارٍ تًصقُلُ حروفَها وتحملُها على جناحِ السُّرعةِ لعالمٍ آخرَ. باللُّغةِ تتواصلُ الشُّعوبُ والحضاراتُ وتستفيدُ مِنَ التَّجاربِ الإنسانيَّةِ بكلِّ المجالاتِ. اللُّغةُ إبداعٌ حضاريٌّ حرَّرَ الأرضَ مِنْ قيدِها وحدودِها العقيمةِ نحوَ فضاءِ العالمِ. اللُّغةُ حطَّمَتْ أقفاصَ البشرِ وأطلقَتْ العنانَ للأرواحِ والأفكارِ للانطلاقِ والتَّعبيرِ بحرِّيَّةٍ وتمازجٍ مَعَ أبناءِ الأرضِ قاطبةً. اللُّغةُ وسيلةُ التَّواصلِ مُنذُ القديمِ ومَعَ أنَّها كانَتْ بدائيَّةً ومرتبطةً بالحاجاتِ البسيطةِ للإنسانِ القديمِ كي يتمكَّنَ مِنَ التَّعاملِ مَعَ جماعتِهِ ومحيطِهِ، وبدأَتْ تشقُّ عبابَ السَّماءِ وتحطِّمُ قيودَ الصَّمتِ مُعبِّرةً عَنِ الآمالِ والآلامِ. باللُّغةِ تبارَتِ العقولُ والأقلامُ نحوَ الجمالِ، نحوَ القيمِ الإنسانيَّةِ، نحو الحرَّيَّةِ والتَّطورِ والحياةِ واحترامِ الفكرِ الإنسانيِّ. إذاً اللُّغةُ دهشةُ الإبداعِ، وسرُّ الحضارةِ. لا يُمكنُ أنْ نتخيَّلَ الحياةَ مِنْ دونِ وسيلةِ تواصلٍ عبرَ اللُّغةِ، لأنَّ التَّواصلَ حاجةٌ ماسَّةٌ للبشرِ في أرجاءِ المعمورةِ وهي سبيلُ الحضارةِ وحجرُ الأساسِ في عمليَّةِ التَّطوُّرِ. وكَّلما زادَ التَّواصلُ بينَ الشُّعوبِ، ضاقَتِ الفجوةُ بينَ أصقاعِها المتناحرةِ وانصهرَتِ الحدودُ والمسافاتُ وتخطَّتِ البحارَ والمحيطاتِ لتحقيقِ أهدافٍ ساميةٍ تُنصفُ البشرَ جميعاً وتوحِّدُ تطلُّعاتِهم عَنْ طريقِ الاستفادةِ مِنْ خلاصةِ التَّجاربِ وتطوُّرِها، أي أنَّ الشُّعوبَ دوماً تتوقُ إلى التَّواصلِ السِّلميِّ الحرِّ فيما بينها. وهذا ما تحقِّقُهُ اللُّغةُ، واليومَ نشهدُ سرعةً بالتَّواصلِ بفضلِ التَّطوُّرِ العلميِّ وسهولةِ انتشارِ وانتشالِ اللُّغةِ مِنَ الجُمودِ والانكفاءِ، فحلَّقَتْ بالأرواحِ والعُقولِ بوسعِ المَدى وحققَّتْ ثورةً لُغويَّةً تخطَّتْ قوانينَ الطَّبيعةِ والبشرِ أي قوانينَ الجغرافيا والسِّياسةِ والمُجتمعاتِ وتخطَّتْ نظُمَ ودساتيرَ البلادِ قاطبةً، لتحقِّقَ التَّواصلَ الثَّقافيِّ والفكريِّ والاجتماعيِّ الَّذي منحَ البشرَ حصانةً وحرِّيَّةً في عالمٍ أصبحَ روضةً لتبادلِ الأفكارِ وتمازجِ الحضاراتِ بغضِّ النَّظرِ عَنِ المذاهبِ والأديانِ والأعراقِ والاعتقاداتِ. أي أعطَتْ دافعاً للتنويرِ والحداثةِ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ. واختصرَتْ أشواطاً إعلاميَّةً عَنْ طريقِ الثَّوراتِ الفكريَّةِ والتَّنويريّةِ للشعوبِ التَّائقةِ للعدالةِ والحرِّيَّةِ والسَّلامِ. إنَّها اللُّغةُ، إنَّها الهواءُ، إنَّها الشَّمسُ والسَّماءُ الخاضنةُ لأهلِ الأرضِ. فلا يُمكنُ أنْ نتصوَّرَ الأرضَ مِنْ دونِ لُغةٍ. باللُّغةِ تسامرَ البشرُ وتناقشوا وتحابوا بكلِّ الأعرافِ والقوميَّاتِ. وحَّدَتْهم اللُّغةُ كبشرٍ، لغةُ الإنسانيَّةِ قاطبةً. سلاحُ البشرِ الَّذين حطَّموا جبابرةَ العصورِ، وحرَّروا قيدَ ألسنتِهم وخوفَ عقولِهم ووحَّدوا آلامَهم وآمالَهم. ركنُ الحياةِ والوجودِ والحضارةِ، سمةُ الإنسانيَّةِ وصوتُها وحلمُها وصدى أرواحِها في أصقاعِ المعمورةِ. هي كلمةُ سواءٍ يجتمعُ عليها أهلُ الأرضِ تحتَ سماءٍ واحدةٍ. اللُّغة مِنْ دونِ تواصلٍ كطيرٍ أبكمَ، أصمَّ عاجزٍ عَنِ التَّغريدِ. تعدَّدَتِ اللُّغاتُ والإنسانُ واحدٌ على وجهِ الأرضِ، جسدٌ وروحٌ وفكرٌ ومشاعرُ، يتوقُ لنزعِ وثاقِهِ ونيلِ حقوقِهِ ومساندةِ بني جنسِهِ، واللُّغةُ سلاحُهُ في تحقيقِ الإنسانيَّةِ. اللُّغةُ سلاحُ البشرِ لتتَّحدَ وتقفَ عِندَ حقوقِها وأحلامِها وتلجمَ سجّانَها وعربدةَ دساتيرِ الأرضِ وأعرافِها القديمةِ الَّتي تقفُ عائقاً في وجهِ التَّطوُّرِ والتَّجدُّدِ والإصلاحِ. ترقى لحُلُمِ السَّلامِ والعيشِ المُشتركِ، تتقاسمُ نِعمَ الأرضِ كما تتقاسمُ الهواءَ. وترنو لعالمٍ مِنَ الأمانِ والحقِّ والخيرِ والعدالة. يولدُ الإنسانُ بصرخةٍ، فلتكُنْ صرختُهُ هي اللُّغةُ الَّتي تحملُهُ لرحابةِ العالمِ وتلمُّ شملَ إنسانيّتهِ.


4. تمتلكينَ لُغةً سلسةً، رهيفةً، فيها مِنَ الإنسيابيَّةِ والجموحِ البهيِّ، مِمَّ تستوحينَ هذا الفضاءَ البديعَ؟! 

استوحي فضاءَاتِ لغتي وحرفي مَنْ صفوِ السَّماءِ، مِنْ غفوةِ الغيماتِ، مِنْ شدوِ الطُّيورِ، مِنْ حفيفِ الشَّجرِ.   

تعجُّ الطَّبيعةُ الرِّيفيَّةُ بخوابي الجمالِ العذريِّ الآسرِ.  طبيعةٌ هادئةٌ، حالمةٌ، تصدحُ بنسماتِ الخيالِ وأنشودةِ الرُّوحِ، طبيعةٌ تنهلُ مِنَ المآقي وعذوبةِ الصُّورِ وخضرةِ الأملِ. الطَّبيعةُ مخدعُ جوارحي وصدى نبضي، بها أتنفَّسُ، بها أرنو لعشقِ الجمالِ. بها أتلمَّسُ مَعنى القيمِ الَّتي أودعَها الخالقُ بالبشرِ، مِنْ حبٍّ وعطاءٍ وخيرٍ ونقاءٍ. أخطُّ حروفي على أديمِ الثَّرى، أداعبُها بزهرِ الأقاحي وميسمِ الياسمينِ المتدِّلي على كتفِ الدَّوالي.  

أستمدُّ فضاءَاتِ حرفي مِنْ ضحكاتِ الطُّفولةِ الَّتي تملأُ الحيَّ فرحاً .. مِنْ سهوةِ كهلٍ على حافَّةِ العُمرِ  يتَّكىءُ على عصاهُ المنهكةِ. مِن غفوةِ أمٍّ حالمةٍ تلازمُ ساحةَ الدَّارِ وفيءِ الزَّيتونِ بانتظارِ مَنْ رحلوا. عيناها ترقبُ النَّجماتِ المسافرةَ ليلاً، والغيماتِ الصَّامتةَ نهاراً .. أمَّهاتُ وطنٍ، يتَّسعُ العالمُ ويضيقُ بأبنائِهِ، وطنٌ يُحتضرُ خلفَ متاهاتِ الزَّمنِ، وطنٌ استساغَ الموتَ والشَّوكَ والرَّحيلَ. أنهلُ نبضَ حروفي مِنْ أحلامي الموؤودةِ على حافَّةِ القَمرِ، مِنْ خُصلاتِ الشَّمسِ الباردةِ على مُحيَّا الصَّباحِ المُستكينِ، مِنْ همسِ وجدٍ يؤنسُ وحدتي مِن خلفِ المدى، ومِنْ عبيرِ نسمةٍ تُلاطفُ أجفانَ غفوتي وتدعوني لعُرسِ السَّهرِ.


5. هل لديكِ أهدافٌ مِنَ وراءِ الكتابةِ، وما هي المواضيعُ الَّتي تراودُكَ في الكتابةِ عنها، ولماذا؟!

مؤكَّد أنَّ للكتابةِ أهدافاً، أودُّ الكتابةَ للتعبيرِ عَنْ صرخةٍ للتعبيرِ عَنْ غصَّةٍ، للتعبيرِ عَنْ دمعةٍ تحجَّرَتْ في مآقي الزَّمنِ، عَنْ ظِلالٍ أقبعُ تحتَ ظلِّها الخافتِ. بالكتابةِ نسكبُ كأسَ أرواحِنا على سطحِ الورقِ، نفرِّغُ فيضَ جراحٍ تعجزُ العروقُ عَنْ حملِها على أديمِ السُّطورِ، بالكتابةِ نحلِّقُ بعُرى الخيالِ، نراقصُ السَّحابَ، نلثمُ النَّجماتِ، نزدانُ بأساورِ القمرِ، نحيا بذاكرةٍ جديدةٍ، لا تحملُ شوائبَ الزَّمنِ، ذاكرةٍ نتغنَّى بتلوينِها ورسمِ معالمِها، كما نرغبُ وبما يُرضي أرواحَنا الحالمةَ بالصَّفو وعناقِ السَّماءِ. أودُّ الكتابةَ لأطبعَ بسمةَ فرحٍ على شفاهٍ عَطشى لرحيقٍ مقدَّسٍ، رحيقٍ يبعثُ الحياةَ بالأماسي الحزينةِ. أودُّ الكتابةَ لبلسمةِ واقعٍ يجترُّ خيباتِهِ بعجزٍ وخوفٍ، واقعِ أُناسٍ ترقبُ الأملَ مِنْ طيَّاتِ القدرِ. أناسٌ تلوذُ بالصَّمتِ والقهرِ خلفَ أبوابِ الفاقةِ والصَّبرِ المريرِ، أودُّ الكتابةَ لرثاءِ أطلالٍ تندبُ مآلَها العاثرَ. تراودُني دائماً كتابةُ حكايا مبعثرةٍ على جدارِ التَّاريخِ، حكايا لَمْ تدوِّنْها الصَّفحاتُ المزيفةُ، حكايا لَمْ يُنصفْها التَّاريخُ ولا الأقلامُ. هنا وهناكَ بشرٌ .. شجرٌ .. حجرٌ يئِنُّ وجعاً، وجوعاً، وغربةً، وحزناً لا يطالُهُ الفرحُ،  حكايا أُناسٍ بلا وطنٍ، يتجرَّعونَ الذِّلَّ موتاً كلَّ لحظةٍ، حكايا سلاسلَ طالَ احتمالُها. قيودٌ أحكمَتْ وثاقَها، طغاةٌ أسرفوا بغياً، تتوالى حكايا الأوطانِ النَّازفةِ، حكايا عالمٍ مجرَّدٍ مِنَ الحسِّ الإنسانيِّ، حكايا عالمٍ يُسارعُ لمثواهِ لأنَّهُ غاصَ بالظُّلمِ حتَّى الثَّمالةِ، حكايا عالمٍ بحضارةٍ زائفةٍ وقودُها البشرُ، حلمُها الدَّنيءُ تكدُّسِ المالِ والجاهِ والسُّلطةِ على حسابِ البشرِ، عالمٍ بلا قوانينَ، يسودُهُ الظَّلامُ والانحطاطُ. حضارةٌ زائلةٌ عاجلاً أمْ آجلاً، لأنَّها مجوَّفةٌ وخاليةٌ مِنَ القيمِ. مواضيعُ مزدحمةٌ أودُّ الكتابةَ عنها، لا يتَّسعُ العمرُ لكتابةِ أحزانِها، مَعَ أنَّ الكتابةَ شهقةُ النَّجاةِ.  وواحةُ السَّلام، لكنَّ الواقعَ يخلو مِنْ بريقِ سلامٍ، أمنيتي الكتابةُ عَنْ مدينةٍ فاضلةٍ ترقى لاحترامِ البشرِ والطَّبيعةِ وتحتضنُ الوجودَ بأرجاءِ الأرضِ وتخلدُ للسلامِ.


6. أصبحَ واقعُ الحياةِ أشبهَ ما يكونُ خرافيَّاً، هَلْ نعيشُ في واقعٍ وهميٍّ خرافيٍّ، متى سينجلي هذا الواقعُ الخرافيُّ والوهميُّ، ونبني واقعاً إنسانيَّاً بديعاً يُسعدُ حياتَنا كبشرٍ جئنا لنعيشَ بكلّ هناءٍ وسعادةٍ وحرّيَّةٍ؟!

اصبحَ واقعُ الحياةِ خرافيَّاً حقَّاً. نحيا بوهمٍ نسلتذُّهُ لأنَّهُ أجدى مِنْ واقعِ حقيقةِ التَّعاسةِ. واقعٍ مُشرذمٍ عالميَّاً.   

تفاوتٌ طبقيٌّ وتصنيفٌ للبشرِ حسبَ ميزانِ القوَّةِ. البقاءُ للأقوى أصبحَ قانونُ الأرضِ للأسفِ، يتهافتُ أثرياءُ العالمِ على مَناجمِ الأرضِ ومواردِ الثَّراءِ تحتَ رعايةِ منظَّماتٍ دوليَّةٍ تحميهم بكلِّ دناءَةٍ. وهنا يكمنُ الخطرُ الَّذي ضربَ عرضَ الحائطِ بالبشرِ وحطَّمَ ميزانَ الحقِّ والحقيقةِ تحتَ نيرِ الظُّلمِ والبغيِ والسِّباقِ غيرِ الأخلاقيِّ للهيمنة على مقدَّراتِ الشُّعوبِ ونهبِها وتركِها عرضةً للجوعِ والفقرِ والاحتلالِ. عالمٌ أخرقُ جُلُّ حماقاتِهِ المالُ والسِّلاحُ الَّذي يعتبرُهُ وسيلةَ تجارتِهِ الرَّابحةِ. سلاحٌ وضيعٌ يغذِّي النِّزاعاتِ الدَّنيئةَ في الأرضِ. 

قتالٌ ودمارٌ واحتلالاتٌ، غزوٌ و تهجيرٌ وحماقاتٌ تحكمُ عالمَ اليومِ. حتَّى العلمُ أصبحَ سلعةً بأيدي العابثينَ بالشُّعوبِ. يزرعونَ الأوبئةَ لتنهشَ الأبرياءَ، بكلِّ خسَّةٍ ودناءَةٍ خُلقَ عالمٌ وهميٌّ نظنُّهُ حياةً، هو موتٌ رحيمٌ، عالمٌ ينحدرُ للقاعِ المزدحمِ قباحةً وزيفاً. حقَّاً نعيشُ خرافةَ جهلٍ مُدقعٍ، خرافةً لا تمتُّ للعقلِ بشيءِ، خرافةً تستبيحُ المجتمعاتِ وتزرعُ الفتنَ والموبقاتِ لتكرِّسَ الجهلَ والفقرَ والاستغلالَ وتهيمنَ على كلِّ ما يأتي بمخطَّطِها الوضيعِ، ولكي ينجليَ هذا الواقعُ المريرُ لا بدَّ مِنْ ثورةٍ تنويريَّةٍ تقودُ دفَّةَ التَّغييرِ وتبدأُ إعلاميَّاً بنشرِ الوعي المجتمعي لأنَّ جهلَ الإنسانِ بحقوقِهِ يُساهِمُ باستغلالِهِ وتسخيرِها. نحتاجُ لسلاحِ الوعي والفكرِ والَّذي يجتثُّ الصَّمتَ والغباءَ ويحدثُ نقلةً فكريَّةً بالعالمِ وخاصَّةً العالمَ الثَّالثَ والمجتمعاتِ الَّتي ترزخُ تحتَ نيرِ التَّخلُّفِ والاحتلالِ. نحتاجُ ثورةً تذكي قيمَ الحقِّ والعدالةِ والحرِّيَّةِ والسَّلامِ. كَما فعلَتِ الثَّورةُ الفرنسيَّةُ وأسقطَتِ الدَّولةَ والكهنةَ وأنارِتِ العالمَ بقيمِ الحقِّ والعدالةِ، فكانت أنشودةَ حرِّيَّةٍ لشعوبِ العالمِ ومثالاً يُحتذى بِهِ للوقوفِ في وجهِ الظُّلمِ والقهرِ وسلبِ الإنسانيَّةِ مِنَ البشرِ وجعلِها تلهثُ خلفَ قُوتِها اليوميِّ لتنصرفَ عَنْ إعمالِ فكرِها بقيمٍ أسمى ترنو لحياةٍ حرَّةٍ كريمةٍ، تتساوى فيها الحقوقُ والواجباتُ، وينالُ فيها الإنسانُ قسطاً مِنَ السَّلامِ والتَّعايشِ مَعَ نفسِهِ بسلامٍ وبالتَّالي مَعَ بني جنسِهِ بوئامٍ، أجل نحتاجُ ثورةً تقتلعُ جذورَ الشَّرِ وقوانينَ الغابِ الضَّالةِ وتعتمدُ على قوانينَ ودساتيرَ تُنصِفُ البشرَ، وتحترمُ حقوقَ الشُّعوبِ وحرِّيتَها ودياناتِها.  

نحتاجُ ثورةً تقتلعُ حدودَ القوميَّاتِ والمذاهبِ والأعراقِ وتستبدلُها بدينِ الإنسانيَّةِ الَّذي لا يعرفُ حدَّاً للأرضِ ولا لوناً للبشرِ ولا نهجاً للديانةِ. كلُّ ما يعرفُهُ أن تحكمَ إنسانيةُ الإنسانِ جميعَ البشرِ، تحتَ سماءٍ واحدةٍ أودعَها الله للبشرِ لتحيا بظلِّها حياةً مشتركةً تتقاسمُ الهواءَ والماءَ والخيراتِ. 

أرضٌ ملكٌ للجميعِ بتوزيعٍ عادلٍ يطالُ الجميعَ مِنْ دونِ استثناء. حينها تفيضُ الأرضُ خيراً وسلاماً وتتحقَّقُ عدالةُ توزيعِ الثَّرواتِ فوقَ الأرضِ، ويختالُ ميزانُ العدالةِ سمُوَّاً ورفعةً بالحقِّ والعدلِ والصِّدقِ. خلقنا الله كبشرٍ لنحيا فوقَ الأرضِ لا تحتَها، نحيا حياةً كريمةً ونشعرُ بانسانيَّتِنا وكرامَتِنا وحقوقِنا، جئنا للحياةِ ورقةً بيضاءَ ناصعةً مِنْ لَدُنِ السَّماءِ، ورقةً تحلمُ بالعيشِ بالفرحِ، بالوئامِ، بالحرِّيَّةِ، بالهواءِ الطَّلقِ يُنعِشُ الأرواحَ ويحلِّقُ بِها لعالمِ الخيرِ والجمالِ. مِنْ حقِّنا كبشرٍ أنْ ننعمَ بعطاءِ الخالقِ. الأرضُ ملكُ الجميعِ. ليسَتْ منَّةً مِنْ أحدٍ مِنْ أكاسرتِها الجبابرةِ، إنَّها هبةُ اللهِ للجميع .. الكلُّ متساوونَ أمام الله، لا  فضلَ لأحدٍ على الآخرِ.   

بقدرِ ما تعطي تأخذُ. الجميعُ خَلْقُ اللهِ وليسَ لأحدٍ سلطانٌ عليهم إلّا قانونُ الاخلاقِ والتَّسامحِ والمحبَّةِ. يرنو البشرُ لعالمٍ مِنَ السَّلامِ والزَّهرِ والحياةِ. ملَّتِ الأحداقُ مِنْ أشواكِهم، ملَّتِ القلوبُ مِنْ ضحاياهم، ملَّتِ الأرضُ مِنْ منظَّماتِهم، نحتاج لهيئةٍ عالميَّةٍ خالصةِ الأخلاقِ، صافيةِ الهدفِ، نبيلةِ الطُّرقِ، تُسهِمُ بنبذِ الموتِ وزرعِ الحياةِ بعالمٍ يحتضرُ و يأملُ السَّلام ليسَ إلّا.


7. ما رأيُكِ في الحياةِ، في العُمرِ، في الزَّمنِ، في الوجودِ، وفي إنسانِ هذا الزَّمانِ؟! 

الحياة تبدأ بالوعي وتنتهي بانطفاءِ الرُّوح، فالولادةُ بدايةُ الوجودِ الطَّبيعيِّ للإنسانِ، صرختُهُ الأولى الَّتي تعلنُ قدومَهُ للعالمِ، وبعدَ أنْ يبدأَ بالإدراكِ  وتلمُّسِ مُحيطِهِ يبدأُ وعيُهُ بالتَّفتُّحِ، وتبدأُ رحلةُ الحياةِ. 

الحياةُ قدرٌ وليسَتْ اختياراً، ما بأيدينا وُلدْنا، ولَمْ نختَرْ اسماءَنا ولا أبوينا ولا مذاهبَنا أو طائفتَنا، حيثُ نولدُ تكونُ هويَّتُنا، وبالوعي نتبنَّى الاسمَ والنَّسبَ والأمَّ والأبَ ومكانَ الولادةِ، تصبحُ هذهِ الهويَّةُ نقطةَ انطلاقٍ في عالمٍ كبيرٍ، وتُصبِحُ هذهِ الهويَّةُ عنوانَنا الَّذي نذودُ عنَهُ ونبني آمالنَا تحتَ سقفِها، فالهويَّةُ هي الوطنُ الَّذي ينطلقُ مِنهُ المرءُ في طريقِ الحياةِ. تَصبَحُ حياتُنا رهنَ وجودِنا الجغرافيِّ ليتحوَّلِ المكانُ الَّذي نترعرعُ فيهِ إلى جزءٍ مِن أرواحِنا، نعشقُهُ بكلِّ جوارِحنا، نعشقُ الأسرةَ ونبجِّلُ الانتماءَ إليها. وبعدَ أنْ تكتملَ أساريرُ الفهمِ ونتمكَّنَ مِنَ الاختيارِ، تبدأُ رحلةُ التَّمعُّنِ والتفكيرِ بالواقعِ، فقَدْ نستسلمُ لَهُ بحذافيرِهِ ونمضي مَعَ القطيعِ الَّذي وجدْنا بينَهُ بكلِّ رضىً وتسليمٍ وتبنٍّ لكلِّ طرقِ الحياةِ كما الجميعُ وتبنِّي الأهدافِ والقوانينِ كما الجميعُ تماماً بكلِّ إرادةٍ وقبولٍ وانصياعٍ وقناعةٍ لأيِّ تقليدٍ وتكرارِ الأمرِ. ولادةٌ فطفولةٌ فشبابُ وأسرةٌ وعملٌ وانتظارُ أجلٍ، وقَدْ يختارُ الإنسانُ طريقاً آخرَ غيرَ الَّذي نشأَ عليهِ، كأنْ يبدِّلَ مكانَهُ ويرفضَ عقيدتَهُ، ويبحثَ عَنْ جغرافيا جديدةٍ تتَّسعُ لحلمِهِ. قَدْ يختارُ التَّغييرَ طوعاً بكلِّ طواعيةٍ، وقَدْ يُجبَرُ على تركِ مكانِهِ عنوةً، كما يحدثُ أثناءَ الحروبِ والتَّهجيرِ وسنواتِ القَحطِ والجدبِ الَّتي أجبرَتِ البشرَ مُنذُ القديمِ على الرَّحيلِ وتغييرِ مكانِ الإقامةِ طلباً لحياةٍ أفضلَ، بدءاً مِنَ البداوةِ المتنقِّلةِ طلباً للماءِ والكلأ، مروراً بموجاتِ الهجرةِ الفرديَّةِ والجماعيَّةِ.   فحياةُ البشرِ تتغيَّرُ كُلَّما نضجَ وعيُهم، أي كلَّما أدركَ الإنسانُ واقعَهُ بعمقٍ وتخيَّلَ مستقبلَهُ، حاولَ التَّغييرَ والتَّجديدَ نحو الأفضلِ. البشرُ نبضُ الحياةِ. تزهو بوعيِهم ومقدرتِهم على التَّأقلمِ والتَّطوِّر وتضمرُ بسكونِهم وصمتِهم وتقليدِهم الأعمى وقلوبِهم لِما هم عليهِ. والحياةُ ديناميكيَّةٌ وحركةٌ وتقدُّمٌ، لا تستمرُّ مِنْ دونِ تجدُّدٍ وفي حالِ الرُّكودِ تبدأ بالموتِ والضُّمورِ والوهنِ، كما حدثَ في عصورِ الانحطاطِ. ولكي تستمرَّ الحياةُ لا بدَّ مِنْ مواكبةِ التَّغييرِ، لأنَّ العقمَ سبيلُ الاندثارِ.   

العمرُ فترةٌ زمنيَّةٌ يحياها الإنسانُ مِنْ ولادتِهِ حتَّى مماتِهِ، أعمارُنا أقدارٌ، نعيشها في الفترةِ الَّتي منحنا إيّاها الخالقُ، قد تمضي هباءً حينَ ترتدي ثوبَ القناعةِ والتَّسليمِ وتقبعُ ضحيَّةَ الجمودِ والانصياعِ، فلا أثرُ يذكرُ ولا لمسةٌ تطبعُ ولا حلُمٌ يتحقَّقُ. بينما يصبحُ للعمرِ معنىً، عندما نمتلكُ زمامَ القرارِ وعلى قدرٍ مِنَ المسؤوليَّةِ والحرِّيَّةِ لتبنِّي ما نريدُ واصطفاءِ ما نرغبُ مِنْ دونِ خوفٍ مِنْ نظمٍ وعاداتٍ تُنهكُ الرُّوح وتُقيِّدُ الفكرَ. فالإنسانُ سيِّدُ حياتِهِ عندما يفكِّرُ بتعقُّلٍ،  ويتأمَّلُ ما حولَهُ ويضعُ هدفاً لانطلاقتِهِ،  ويبدأُ رحلةَ العمرِ بإرادته واختيارِهِ ليدافعَ عَن قيمِهِ وحلمِهِ وما يصبو إليهِ.  

الوجودُ نقطةُ البدايةِ، ركيزةُ الكونِ، وسرُّ الوجودِ البشري لا يكمنُ في البقاءِ على قيدِ الحياةِ، لكنَّهُ يتمركزُ في شيءٍ نعيشُ مِنْ أجلِهِ، أي أنَّ الوجودَ سعادةٌ عندما نتقبَّلُها كقدرٍ وبصمةِ خالقٍ. ويستمرُّ الوجودُ باستمرارِ الجنسِ البشري في ظلِّ طبيعةٍ حاضنةٍ، وكلُّ شيء في حالةٍ مستمرَّةٍ. ويحتاجُ البشرُ إلى الانسجامِ والتَّناغمِ مَعَ الوجودِ لرفعِ مستوى معرفتِهِ وتأقلمه، كتقبُّلِ الآخرِ والتَّعايشِ معهُ في رحابِ الكونِ بهدوءٍ وسلامٍ.

إنسانُ هذا الزَّمانِ أصبحَ رهناً لعالمٍ متغيِّرٍ بسرعةٍ لا يمكنُهُ مجاراتُها، وهو الضَّحيَّةُ معَ كلِّ ما وصلَتْ إليهِ الحضارةُ. إنسانُ اليومِ مستهلكٌ في عصرِ السُّرعةِ وعصرِ العولمةِ وعصرِ التَّباري في غزو الفضاءِ وامتلاكِ الأرضِ. إنسانُ اليومِ ضحيَّةُ التَّطورِ، في الوقتِ الَّذي يُفترَضُ أنْ يكونَ ثمرةَ التَّطورِ لأنَّهُ الغاية الأسمى في الحياةِ. إنسانُ اليوم امتطى ركبَ الحضارةِ بزيفها، واستهلكته الحضارة واستغنى عَنْ إنسانيّتِهِ وسارَ في التِّيَّارِ الجارفِ. وأما بالنسبة لإنسانِنا العربيِّ فقد فقدَ الثِّقةَ بالانتماءِ والقوميّةِ والرَّوابطِ الَّتي تربطُهُ بالعروبةِ كاللُّغةِ والتَّاريخ والجغرافيا وغيرِها، لهذا منهم مَنْ اتّجه إلى الدينِ كبديلٍ للانتماءِ التّائهِ في خضمِّ التَّغييرِ الجغرافي الحاصلِ بفعل الاحتلالاتِ والهجرةِ وغيرِها مِنَ المُتغيِّراتِ. فبدأ الإنسانُ في رحلةِ بحثٍ عَنْ ملاذٍ آمنٍ، كي يعيشَ فيهِ بسلامٍ. وبدأَ الكثيرونَ يوجّهونَ أنظارهم نحوَ العالمِ المتحضّرِ الَّذي راودَ أحلامَهم، لأنَّ ظروفَ العيشِ هنا أصبحَتْ شبهَ مستحيلةٍ، بسببِ الحروبِ والفقرِ والموتِ المحيطِبالكثيرينَ مِنْ كلِّ الجهاتِ.   

الهجرة تراود الجميع تقريباً، في بلادٍ تعجزُ عَنْ حمايةِ أفرادِها، بل تجعلُهم وقوداً لسياساتِها التَّعسفيَّةِ العنيدةِ، وتستبيح إنسانيَّتهم كلَّ لحظةٍ، بالظُّلمِ والقمعِ والابتزازِ. وكأنَّ الوطن منَّةٌ مِنْ ساداتِها، وليسَ حقَّاً للجميع.   إنسانُ اليومِ في حالةِ ذهولٍ مُطلقٍ أمامَ جحيمٍ يحيطُ بِهِ وببني جنسه. ويبقى حُلمُ السَّلام معلَّقاً على جدران المساجد ودورِ العبادةِ. ومعاقلِ المنظَّماتِ الدِّولية المراوغة، وسراديبِ النِّفاقِ والمساومةِ على دماءِ البشرِ.

8. ما الَّذي يُقلقُكِ في الشَّرقِ والغربِ، كيفَ يمكنُ أنْ نخفِّفَ ممِّا يُقلقُ الإنسانَ في هذا الزَّمنِ الأهوج؟

ما يُقلقُ بهذا العالمِ الصَّمتُ المدقعُ، الصَّمتُ الَّذي يزيدُ مِنْ بطشِ الثُّلَّةِ المُسيطرةِ بسطوةِ المالِ والسِّلاحِ صمتٌ يودي إلى الهاويةَ للحاضرِ والمستقبلِ. فأيُّ مستقبلٍ ينتظرُ الأجيالَ بظلِّ هذا التَّردِّي والانحلالِ وقهرِ البشرِ، كأنْ تقولَ لكلِّ إنسانٍ أنْ يحلَّ مشاكلَهُ وحدَهُ، أمرُه لا يهمُّ أحداً. وهكذا أصبحَ الأمرُ اليومَ. كلٌّ يقتلعُ شوكَهُ بيدِهِ. لا أحدٌ يستمعُ لصوتِ الإنسانِ، صوتِ الحقِّ، صوتِ الظُّلمِ، هذا يزيدُ الأمرُ سوءاً. ما يقلقُ هو تعنُّتَ الحاكمِ بغطرستِهِ، وتجاهلِهِ لأبسطِ حقوقِ البشرِ، حتَّى أنَّهُ لا يعترفُ بوجودِ بشرٍ على بعضِ بقاعِ الأرضِ يشيرُ بإصبعِهِ لتدميرِها، ويُهدِّدُ ويتوعَّدُ بإبادةِ الأرضِ وكأنَّهُ حاكمٌ على رِقابِ العِبادِ .. ما يقلقُ  هو غفوةُ القطيعِ الَّذي يمثِّلُ الضَّحيَّةَ بكلِّ زمانٍ. غفوةٌ طالَتْ خُبزَهُ وكرامتَهُ وحوَّلتْهُ لمتسوِّلٍ على أعتابِ الدُّولِ.   

بالنِّسبةِ للشرقِ هو مكمنُ القلقِ وصاحبُ الجرحِ وصاحبُ الكارثةِ، للأسفِ نستطيعُ القولَ إنَّ الشَّرقَ انقسمَ لقسمَينِ أحدهُما طاغٍ مُشاركٍ بالجرائمِ والأهوالِ الَّتي تحصلُ وتخرقُ قوانينَ العدالةِ والإنسانيَّةِ وتلهثُ خلفَ مصالحِها وتجتازُ حدودَ جوارِها، حارقةً الأرضَ والبشرَ والشَّجرَ  والقسمُ الثَّاني مغلوبٌ على أمرِهِ  هو الضَّحيَّةُ كالدُّولِ الَّتي ترزخُ تحتَ الاحتلالِ وتتعرَّضُ شعوبُها للقتلِ والدَّمارِ والتَّهجيرِ والفاقةِ على مرأى العالمِ الَّذي يتظاهرُ بالتَّمدُّنِ ويتشدَّقُ بحقوقِ الإنسانِ. 

هذا الشَّرقُ يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرةَ يائساً في ظلِّ حكوماتِهِ العاجزةِ المستسلمةِ للهيمنةِ الخارجيَّةِ، المُساومةِ على حقِّ بلادِها بمقدَّراتِها، العابثةِ بمُستقبلِ شعوبِها مِنْ دونِ أدنى مسؤوليَّةٍ. ورَغمَ ما سبَّبوهُ مِنْ دمارٍ لبلدانِهم مازالوا متمسِّكينَ بعنتِ عقولِهم العقيمةِ، وأسرارِها وخِزيها، ما يقلقُ بهذا العالمِ الأخرقِ، تجاوزُ كلِّ الخُطوطِ الحُمرِ. فلا حصانةٌ لبشرٍ، ولا وزنٌ للإنسانيَّةِ، ولا قيمةٌ لشعوبٍ أو حضاراتٍ، عالمٌ يقودُ الشَّرَّ والرَّذيلةَ لأنَّ القتلَ والدَّمارَ هو الرَّذيلةُ بحدِّ ذاتِها. عالمٌ يستبيحُ الدِّماءَ والآمالَ والأجيالَ بدمٍ باردٍ، لقَدْ تقلَّصَتِ الثَّرواتُ بالعالمِ لتصبحَ مَحصورةً بأيادي القلّةِ الحاكمةِ الَّتي تُهيمنُ بسطوتِها على القراراتِ الدَّوليَّةِ وتحكمُ بقبضةِ المالِ والسِّلاحِ لنيلِ المزيدِ مِنَ المُكتسباتِ حتَّى ضاقَتْ بهم الأرض وانتقلوا للإقامةِ بالفضاءِ. تقاسموا ثرواتِ الأرضِ، وانتقلوا للفضاءِ ليتقاسموا أرجاءَهُ حِصصاً مِنَ الدَّناءَةِ والخسَّةِ والجبروتِ. تبَّتْ عقولُهم وما كسبَت، تبَّتْ أياديهم وما دمَّرت ، تبَّتْ أحلامُهم وما حقَّقَتْ. عالمٌ وضيعٌ بصمتِهِ عَنِ الموتِ، عَنِ الانهيارِ والدَّمارِ. عالمٌ ينحدرُ نحوَ الظّلامِ، يقتاتُ الدِّماءَ بكلِّ ما تعنيهِ الكلمةُ، يقتاتُ الأفراحَ والأحلامَ ومسرَّاتِ الطُّفولةِ، يقتاتُ ربيعَ الأرضِ ومطرَ الحياةِ، يقتاتُ صفوَ الغيماتِ وهدوءَ السَّماءِ، يقتاتُ صوتَ الطُّيورِ المُرتعشةِ بأقفاصِها المُسبقةِ الصّنعِ. عالمٌ أذهلَنا بكمِّيةِ الشَّرِّ الَّتي يحملُها. أينَ خبَّأَ كلَّ هذا الحقدِ، وكلَّ هذهِ البراكينِ والحِممِ المُنصهرةِ؟! ليسكبَها دفعةً واحدةً على سكينةِ الأرضِ ويحيلَ خضرتَها قَحطاً ورماداً يلتهم كلَّ شيءٍ. عالمٌ تسجدُ لَهُ الشَّياطينُ وتُرفعُ لَهُ القبَّعةُ .. زمنٌ أهوجُ حقَّاً! زمنٌ مِنَ الضَّياعِ لأنَّهٌ أضاعَ بوصلةَ السَّلامِ وجوهرَ الحياةِ. أي أضاعَ الإنسانَ الَّذي يمثِّلُ جوهرَ الحياةِ وهدفَها السَّامي. زمنٌ مِنَ القُبحِ والتَّعصُّبِ والانحطاطِ طمى فيهِ الخطبُ حتَّى ازدحمَتِ الأرضُ بخطايا العصرِ وذلِّ الإنسانيَّةِ وعُقمِ الحلِّ والإصلاحِ.

9. كيفَ يمكنُنا أنْ نروِّجَ الفكرَ التَّنويريَّ في الشَّرقِ ولماذا لَمْ نتمكّنْ مِن إرساءِ الفكرِ التَّنويريِّ حتَّى الآنَ؟

نحتاجُ لفكرٍ تنويريٍّ في الشَّرقِ، لفكرٍ ضدَّ الجمودِ الفكري والعقائدي، فكرٍ يطلقُ حرِّيّةَ العقلِ والتَّعبيرِ. فكرِ ينسفُ كلَّ ما يُعيقُ مَسيرةَ الحداثةِ والتَّجدُّدِ. يؤمنُ بالبعثِ والتَّجدُّدِ والانطلاقِ بعلمانيِّةٍ موضوعيَّةٍ تقودُ ركبَ المجتمعاتِ نحوَ التَّطوُّرِ والازدهارِ بغضِّ النَّظرِ عَنِ المذاهبِ والأديانِ والاعتقاداتِ، إنَّ حاجةَ التَّنويرِ أصبحَتْ حاجةً ملحَّةً بوجهِ حالةِ الانحدارِ الَّتي وصلَتْ إليها مُجتمعاتِنا. والتَّنويرُ لا يختلفُ مَعَ الدِّينِ. لأنَّهُ يحترمُ حُرِّيَّةَ الأديانِ وحرِّيَّةَ مُمارسةِ الشَّعائرِ الدِّينيَّةِ باعتدالٍ وواقعيَّةٍ، بحيثُ لا يؤثِّرُ الدِّينُ على مسيرةِ التَّطوُّرِ والتَّقدُّمِ وعلى حرِّيَّةِ الجميعِ وأفكارِهم ومُثُلِهم. نحتاجُ لفلسفةٍ عقلانيَّةٍ وفكرٍ ثوريٍّ نهضويٍّ حُرٍّ يساندُ ثوراتِ التَّحرُّرِ والتَّقدُّمِ وينظِّمُ أهدافَها بعيداً عَنِ التَّخبُّطِ والفشلِ.

التَّنويرُ وحركةُ الإصلاحِ الَّتي شهدَها العالمُ. الإصلاحُ الدِّيني الَّذي نادى بفصلِ الدِّينِ عَنِ الدَّولةِ هذا النِّداءُ لا يقمعُ الدِّينَ إنَّما يساهمُ باستقرارِ المجتمعاتِ واستقلالِ الدِّينِ ليختصَّ بذاتِهِ ويمارسَ شعائرَهُ بهدوءٍ واستقلالٍ.

ففي المجتمعِ العربيِّ مثلاً لَمْ يتمَّ التَّرويجُ للتنويرِ بشكلٍ جيِّدٍ. فقَدْ أصبحَ مُصطلحاً مُشوَّهَ المَعنى بعيدٌ عَنِ المَعنى الحقيقيِّ للتنويرِ. لأنَّ الإصلاحَ يحتاجُ وسائلَ إعلامٍ تلامسُ الجميعَ أي العامَّةَ الَّتي تقنعُ بالخطابِ الغوغائي بلغتهِ البسيطةِ مِمَّا يستحوذُ على اهتمامِ الأكثريَّةِ عكسَ خطابِ التَّنويرِ المعقَّدِ لفظيَّاً، الَّذي يفهمُ على أنَّهُ عداءٌ للدينِ. في مُجتمعِنا لَمْ نَمُرَّ بتجربةِ أوروبا بالإصلاحِ، تجربتُها المُكلفةُ جدَّاً. هنا بقيَتِ التَّجربةُ بمستوياتِ النُّخبةِ تقريباً. لَمْ تلامسِ الواقعَ بشموليَّةٍ وخطواتٍ عمليَّةٍ أي ظلَّتْ فكراً فقط. بعمليّةِ إصلاحِ  الفكرِ لا يكفي للتبشيرِ مِنْ دونِ تعليمٍ وإعلامٍ ومساعدةِ الأنظمةِ والسُّلطةِ ونظامٍ تربويٍّ نقديٍّ. يغذِّي الفكرَ وليسَ نظامَ التَّلقينِ والاستماعِ فقط. نظامٌ يحثُّ على النِّقاشِ والتَّفكيرِ والجرأةِ وحرِّيَّةِ الطَّرحِ والرَّأيِ. وهناكَ حاجةٌ للتكاملِ بينَ الثَّقافةِ والتَّربيةِ والإعلامِ والسُّلطةِ لمواكبةِ التَّنويرِ بالعالمِ الإسلاميِّ، تأثَّرَ الإصلاحُ بأفكارِ الثَّورةِ الفرنسيَّةِ حولَ الحرِّيةِ والعدالةِ والدِّيمقراطيَّةِ، الثَّورةِ الَّتي أنارَتِ العالمَ بقيمِ العدالةِ والإنسانيَّةِ. 

واليومَ أصبحَ التَّنويرُ حاجةً مُلحَّةً للمجتمعاتِ ضدَّ الجمُودِ الفكريِّ الَّذي تعيشُهُ بعيداً عَنِ التَّقليدِ الببغاويِّ الأعمى السَّائدِ الَّذي حطَّمَ المجتمعَ. أعتقدُ أنَّ الاعتدالَ مطلوبٌ بمرحلةِ الانتقالِ، للتخفيفِ مِنْ حِدَّةِ الصِّراعِ، أي مراعاةُ الدِّينِ للحفاظِ على الاستقرارِ والهدوءِ نوعاً ما، أي انتقالٌ سلميٌّ متدرِّجٌ مُنظِّمٌ يستوعبُ التَّحجُّرَ الدِّيني وتتمسَّكُ العقولُ بِهِ لأنَّهُ ذريعتَهم وسلطتَهم الَّتي يدافعونَ عنها. 

فالسُّرعةُ بالانتقالِ الثَّوريِّ والتَّغييرِ هنا قَدْ يكونُ عُرضةً للفشلِ كما حصلَ بثوراتِ الرَّبيعِ العربيِّ الأخيرةِ الَّتي قامَتْ ضدَّ الظُّلمِ والقهرِ، والفقرِ والاستبدادِ والهيمنةِ والتَّهميشِ، فدخلَتْ بمتاهةٍ أجهضَتْ حُلُمَها بسببِ أعداءِ التَّطوُّرِ المتربِّصينَ وتعنُّتِ الجَهلِ وضُعفِ الإعلامِ المرافقِ للوعي الثَّوريِّ أي يحتاجُ الأمرُ لمساندةٍ إعلاميَّةٍ موضوعيَّةٍ متجرِّدةٍ وغيرِ منحازةٍ، تساهمُ بانطلاقِ الفكرِ والثَّورةِ.

الحداثةُ أصبحَتْ حاجةً ملحَّةً لا يمكنُ تأجيلُها للنهوضِ الفكريِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ والسِّياسيِّ وبناءِ مؤسَّساتٍ حضاريَّةٍ ديمقراطيَّةٍ تقودُ المجتمعاتِ نحوَ التَّقدُّمِ والازدهارِ واللِّحاقِ بركبِ الحضارةِ العالميَّةِ المتسارعةِ،  للأسفِ لا يحدثُ أيُّ تغييرٍ على أرضِ الواقعِ ونسيرُ للأسوأ بسببِ غيابِ الرُّؤيةِ الخلَّاقةِ التَّنويريَّةِ وطُغيانِ أفكارٍ مُتصارعةٍ تؤدِّي إلى الحروبِ المُميتةِ وتؤدِّي بالبلادِ إلى الجحيم كما نرى. لعبورٍ آمنٍ نحتاجُ إلى مفكِّرينَ مختصِّينَ ببناءِ الدَّولةِ الحديثةِ وعلاجِ الصِّراعاتِ الهدَّامةِ. فلا تكفي شطحاتُ القلمِ الفكريَّةِ والثَّوريَّةِ للتعبيرِ عمَّا نتوخَّاهُ، إنَّما نحتاجُ لأسسٍ منطقيَّةٍ وجملةِ إصلاحاتٍ وطريقةِ عملٍ، وأولى المَهامِ فصلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولةِ لإقامةِ مجتمعٍ مدنيٍّ وتعميقِ الرُّؤيةِ التَّنويريَّةِ بكلِّ المجالاتِ. إنَّ علاقةَ الإنسانِ بالدِّينِ هي علاقتُهُ بالسَّماءِ، باللهِ، بالغيبِ، أمَّا علاقته بالأرضِ والواقعِ هي علاقةُ إنسانٍ ومواطنٍ بقانونٍ ونظامٍ ودساتيرَ ومؤسَّساتٍ تضمنُ حقوقَ الجميعِ بغضِّ النَّظرِ عَنْ أديانِهم ومذاهبِهم وطوائفِهم. 


10. لديكِ قراءَاتٌ للوحاتٍ فنّيَّةٍ، تُعبِّرينَ عَنِ انطباعاتِكِ حَولَ اللَّوحَةِ، هَلْ توافقينَني الرَّأيَ أنَّ لكُلِّ قارئٍ أو ناقدٍ للوحةِ التَّشكيليّةِ انطباعاتُهُ الخاصَّة، قَدْ يختلفُ غيرُهُ عنهُ في الانطباعِ؟! كيفَ تقدِّمينَ انطباعاتِكِ؟!

نعم، لكلِّ قارىءٍ انطباعاتٌ خاصةٌ عَنِ اللَّوحةِ الفنِّيَّةِ، بالفنِّ لا يمكنُنا التَّعميمُ، أو وضعُ شروطٍ لنجاحِ العملِ الفنِّي، الفنُّ هواءٌ طليقٌ .. يبتعدُ كلَّ البُعدِ عَنِ القيودِ والتَّحجيمِ. فلكلِّ متلقٍ أو ناقدٍ رؤاهُ الَّتي تنقلُ الإحساسَ باللَّونِ للفكرِ والرُّوحِ والمشاعرِ .. فيرى المتلقِّي العملَ بتمازجٍ موحَّدٍ بينَ فكرِهِ وحسِّهِ وروحِهِ ليستطيعَ تذوُّقَ العملِ بكلِّ وجدانِهِ .. فلكلٍّ منَّا انطباعُهُ الخاص بِهِ، الَّذي يعكسُ صدى داخلِهِ ويجدُ بالعملِ تعبيراً ملامِساً لهُ، تعبيراً خدشَ إحساسَهُ بوخزةِ نبضٍ يُفضي إلى التَّحليقِ بعالمِهِ الجماليِّ الخاصِّ بِهِ.

وهذا التَّلامسُ الحاصلُ بينَ العملِ والمتلقِّي هو خلاصةُ النَّجاحِ للعملِ هذا التَّلامسُ المختلفُ بينَ إنسانٍ وآخرَ. بالنّسبةِ لي أقدِّمُ انطباعاتي حسبَ إحساسي باللَّونِ والخطوطِ والأبعادِ الَّتي تخفيها اللَّوحةُ أي ما ترمي إليهِ مِنْ تدفُّقاتٍ خياليَّةٍ تسافرُ بفكري للبعيدِ، وتستبيحُ مشاعري وحواسي، وتتمكَّنُ مِنْ سياجِ مُخيَّلتي لتحدثَ فيها نوافذُ مِنْ تأمُّلٍ ونيازكُ مِنْ عرينِ فضاءٍ يدعوني للصمتِ تارةً، والذهولِ تارةً، والصُّراخِ تارةً، ويدعوني للبكاءِ أحياناً، كما يدعوني للرحيلِ خارجَ حدودِ الكونِ، حيثُ عذريَّةُ الحُلُمِ المُسافرِ مَعَ عبيرِ اللَّونِ.


11. لماذا لا تهتمُّ المؤسَّساتُ الشَّرقيّةُ والعربيّةُ بالفنَّانينَ والفنّاناتِ والأدباءِ والمفكِّرِينَ كما يستحقُّونَهُ؟! 

نعم، نلاحظُ تهميشاً للفنِّ والفنَّانينَ مِنْ مؤسَّساتِ المجتمعاتِ الشَّرقيَّةِ والعربيَّةِ حصراً، تهميشاً كسائرِ التَّهميشِ الَّذي يَطالُ البشرَ والشَّجرَ والكائناتِ الحيَّةَ، تهميشاً معتاداً للأسفِ. لأسبابٍ عدَّةٍ منها الجهلُ التَّامِّ بأهمِّيةِ الفنِّ في حياةِ الشُّعوبِ ودورِهِ الثَّقافيِّ والإنسانيِّ والرُّوحيِّ والجماليِّ، الَّذي يهذِّبُ النَّفسَ الإنسانيَّةَ بالجمالِ والتَّذوُّقِ والإحساسِ والرِّقَّةِ والخيالِ، ومِنَ الأسبابِ الَّتي تكونُ متعمدةً غالباً الخوفُ مِنَ الفنِّ أي الخوفُ مِنْ زرعِ قيمِ التَّفكيرِ والتَّنويرِ بنفوسِ النَّاسِ لتبقى رهنَ خوفِها وعزلتِها وتبعيَّتِها. فما حاجةُ الرَّعيةِ والقطيعِ للتذوُّقِ وإعمالِ الفكرِ وقراءَةِ رسائلِ الفنِّ الَّتي قَدْ تكونُ تحريضاً على حقِّ الحياةِ، وحقِّ الحرِّيَّةِ وتحطيمِ القيدِ، وهذا ما يتعارضُ مَعَ سياساتِ القمعِ والعبوديَّةِ ليبقى الإنسانُ تحتَ نيرِ الظُّلمِ والظَّلامِ والصَّمتِ والقُبحِ والخوفِ والعزلةِ، يرضى بما يُقدَّمُ إليهِ مِنْ ثقافةٍ كاذبةٍ تخدمُ مصالحَ مؤسَّساتٍ فاشلةٍ، جُلُّ مُنجزاتِها كرسيٌّ وإذاعةٌ وإعلامٌ يخدمُ رياءَها، ومِنَ الأسبابِ الَّتي تجعلُ المؤسَّساتِ تهمًشُ الفنَّ والفنَّانينَ، ثورةُ الفنِّ وصحوةُ الفنَّانينَ الَّتي تحرِّضُ على التَّغييرِ وتنتقدُ الواقعَ وتحثُّ على رفضِهِ كما أسلفَتْ، مؤسَّساتٌ عقيمةٌ، مادامَتْ تقمعُ الفنَّ  إنْ كانَ حُرَّاً. وتشجِّعُهُ إنْ كانَ موجَّهاً، للأسفِ هذا ما يحدثُ في عالمِنا العربيِّ، ليصبحَ الفنَّانُ عرضةً للفقرِ والحاجةِ وعجزِهِ عَنْ شراءِ موادِّ إبداعِهِ أو شراءِ إطارٍ لعرضِ أعمالِهم في ظلِّ نقابةٍ عاجزةٍ عَنِ المساعدةِ. وتاريخُ الفنِّ يشهدُ على دخولِ بعضِ الفنَّانينَ في حالاتٍ نفسيَّةٍ وانعزالِهم، نتيجةَ سوءِ أحوالِهم المادِّيَّةِ أو محاربتِهم ومحاولةِ تدجينِهم. كيفَ للخيالِ أنْ يُسجنَ أو يدَجَّنَ؟ كيفَ للونِ والفكرة أن تُسخَّرَ؟ نهاياتٌ تعيسةٌ كانَتْ مآلَ الكثيرينَ، أمثال المبدع السُّوري لؤي كيالي الَّذي ماتَ وحيداً بعزلتِهِ، وكانَ أحدَ أعلامِ الفنِّ السُّوري الَّذي جسَّدَ مآسي الشَّعب وحياةَ الفقراءِ، لتنتهي مسيرتُهُ الفنِّيَّةُ بينَ جدرانِ الكآبةِ والحزنِ وتبقى أعمالُهُ خالدةً بتاريخِ الفنِّ. نعم إنَّها المؤسَّساتُ ذاتُها الَّتي تحاربُ التَّنويرَ والتَّفكيرَ والتَّجدُّدَ، وتهمِّشُ الفنَّ والفنَّانينَ وتقتلُ الإبداعَ إرضاءً لسطوةِ أهدافِها بالهيمنةِ ودوامِ التَّخلُّفِ وموتِ الأحلامِ، ووأدِ الخيالِ، لله في مؤسَّساتِنا شؤونُ؟!.


12. الإبداعُ بمختلفِ صنوفِهِ هو الواجهةُ الحضاريّةُ لأي بلدٍ في العالمِ، الإبداعُ والثَّقافةُ العربيَّةُ إلى أين؟

نعم، يُعدُّ الابداعُ الواجهةُ الحضاريَّةُ للمجتمعاتِ، ومقياسُ تطوُّرِها واحترامِها للحياةِ ولقيمِ الجمالِ، لأنَّ الفنَّ هو جمالٌ مُطلقٌ كالقيمِ المطلقةِ، كالحقِّ، والخيرِ، والعدالةِ، والسَّلامِ، أرى بالفنِّ مُدُناً فاضلةً تنبذُ الرَّذيلةَ وتقمعُ الشَّرَّ، وتسمو بالحقِّ والجمالِ والسَّعادةِ والسَّلامِ. مُدهشٌ ما نراهُ مِنْ فنَّانينَ عربٍ في الغربِ، أبدعوا وأدهشوا العالمَ، تهجَّروا مِنْ أرضِهم حاملينَ همومَ وطنٍ مُضرَّجٍ بالموتِ والجوعِ والضّياعِ ومَعَ هذا بقي الوطنُ هاجسَهم الأوَّلَ، وحلُمَهم الأسمى، يرسمونَهُ وجعاً، وأملاً، وحُلُمَ عودةٍ وسلامٍ. لقد أثبتوا أنَّ الإنسانَ فوقَ هذهِ الأرضِ هو نفسُهُ في العالمِ .. ولكنَّ المحيطَ يَسهَمُ ببناءِ الإنسانِ أو هدمِهِ. كما يفعلُ محيطُنا المتشرذمُ العاجزُ، المهيمنُ. الفنُّ أحدُ دعائمِ الثَّقافةِ والحضارةِ، لأنَّهُ يرقى لأرفعِ مُستوياتِ الجمالِ والسَّلامِ والحياةِ، يزرعُ بذورَ الحقيقةِ والحرِّيّةِ بثنايا اللَّونِ، ويزرعُ ملَكةَ الإحساسِ والتَّذوُّقِ في ثنايا البشرِ، ليسهمَ بإنتاجِ ثقافةٍ مسالمةٍ، متعايشةٍ مَعَ العَالمِ الَّذي يوحِّدُهُ اللَّونُ كما يوحِّدُهُ اللَّحنُ، كلاهما لغةٌ عالميَّةٌ، تجتازُ الحدودَ والمَسافاتِ والعلاقاتِ العالميَّةَ مِنْ دونِ استئذانٍ، وتبلسمُ الأرواحَ وتلوِّنُ السَّماءَ، وتكسو الحياةَ ربيعاً حالماً بالحبِّ، بالمطرِ، بالوطنِ، بالصَّفاءِ، بالخيرِ والسَّلامِ. الثَّقافةُ العربيَّةُ قاصرةٌ جدَّاً عَنْ مُجاراةِ عالمِ الفَنِّ والحضارةِ والرُّقيِّ والسُّموِّ بالبشرِ، ثقافةٌ مقصّرةٌ أيضاً تجاهَ شعوبِها وتطلُّعاتِهم الجماليّةِ .. قامعةٌ لدورِهم في التَّغييرِ والتَّعبيرِ والمشاركةِ ببناءِ الأوطانِ والحضارةِ العربيَّةِ والعالميَّةِ، ثقافةٌ تنهشُ الجمالَ، وتغذِّي القُبحَ. مادامت بجمودِها ومحاربتِها للآراءِ وحُرِّيَّةِ التَّعبيرِ إنْ كانَ بالحرفِ أو بالرَّسمِ أو بالحُلُمِ.


حوار صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم

ستوكهولم: 8. 7. 2024


تكتبُ الشّاعرة المصريّة شروق لطيف على إيقاعِ دندناتِ الشعرِ وانبعاثِ بهجةِ السَّردِ




حوار صبري يوسف – ستوكهولم، 

ترعرَعَتِ الشَّاعرة المصريّة شروق لطيف، في بلدِ الحضارةِ، والفنِّ، والإبداعِ. وتشرَّبَتْ بماءِ النِّيلِ العذبِ، وانبعثَتْ مِنْ حضارةِ مصرَ العريقةِ، شاعرةٌ شغوفةٌ ببوحِ الشِّعرِ، تكتبُ برهافةٍ وشَغفٍ عميقَينِ، تعشقُ فضاءَاتِ بوحِ القصيدةِ، وجموحاتِ الكتابةِ، دعوتُها لإجراءِ هذا الحوارِ معَها حولَ تجربتِها الشِّعريّةِ والأدبيّةِ، فلبَّتْ دعوتي، فوُلِدَ الحوارُ التَّالي عبرَ دَندناتِ الشِّعرِ وحنينِ انبعاثِ الحَرفِ في فضاءِ السَّردِ: 

1ـ كيفَ تولدُ عِندَكِ القصيدةُ؟!

القصيدةُ هي تجربةٌ شعوريَّة فريدةٌ، يعيشُ بداخلِ فضائها الشَّاعرُ ويحلِّقُ بين أبياتِها بجناحَيّ العاطفةِ والخيالِ، تتكوَّنُ في الفكرِ وتناجي الشُّعورَ وتهمسُ في أذنِ الشَّاعرِ كي يبوحَ بها.

2. هَلْ تكتبينَ القصيدةَ، دُفعةً واحدةً أَمْ على مراحلَ؟!

لكلِّ قصيدةٍ فكرةٌ تلتمعُ فجأةً في المخيَّلاتِ فيريدُ الشَّاعرُ البوحَ بمكنونِ صدرِهِ والتَّعبيرَ عَنْ مشاعرِهِ وبالفعلِ يمكنُ أنْ تتوالى الأفكارُ في القريحةِ مِثلَ تدافعِ الأطيارِ، مُحلِّقةً في عِنانِ السَّماءِ فتتزاحمُ حتَّى يتمَّ بثُّها دُفعةً واحدةً مَخافةَ أن تتلاشى في طيِّ النِّسيانِ فأقومُ بتسجيلِها ثمَّ أُعيدُ تنسيقَ ترتيبِ أفكارِها حتَى تخرجَ أنيقةً كبستانٍ تُشذِّبُهُ ساقيةٌ ويزيِّنُهُ بكلِّ الزُّهورِ العاطرةِ.

3. مَتى تكتبينَ، هَلْ لديكِ ثمّةَ طقوسٌ مُعيّنةٌ في فضاءِ الكتابةِ؟ 

الكتابةُ هي وحيٌ إبداعيٌّ يراودُني في أيِّ لحظةٍ وفي أيِّ مكانٍ مِنْ دونِ سابقِ ترتيبٍ، حتَّى أنَّهُ يُمكنُ أنْ يقضَّ مَضجعي فأهبُّ لتدوينِهِ مهما ثقُلَ النَّومُ في عينيَّ، فأكثرُ لحظةٍ تسعدُني هي عندما تلوحُ لي خاطرةٌ جديدةٌ، أعملُ على تطويرِها وأشعرُ بأنَّها ستروقُ للقرَّاءِ. الهدوءُ النَّفسي والانعزالُ عَنِ الضَّوضاءِ يهيئانِ الجوَّ الملائمَ للكتابةِ.

4. ماذا تعني لكِ الكتابةُ، لماذا تكتبينَ، ما هي الدَّوافعُ الَّتي تدفعُكِ للكتابةِ؟! 

الكتابةُ هي هبةٌ مِنَ الله تعالى للإنسانِ، ميَّزَهُ بها دونَ سائرِ المخلوقاتِ، ووسيلةٌ لترقيتِهِ الى منازلَ رفيعةٍ في الفكرِ والنُّضوجِ العقلي، ولَمْ أجدْ أوفى مِنَ القلمِ رفيقاً لدربي للتعبيرِ عَنْ كلِّ ما يعتلجُ في نفسي مِنْ مشاعرَ وما يختمرُ في قلبي مِن انفعالاتٍ. دافعُ الكتابةِ هو البوحُ بأُسلوبٍ متفرِّدٍ، ولكلِّ أديبٍ أُسلوبُهُ المتفرِّدُ لأنَّ الكتابةَ هي رحيقُ الفكرِ المختلفِ مِنْ شخصٍ لآخرَ.

5. ماذا ينتابُكِ وأنتِ غائصةٌ في كتابةِ القصيدةِ؟!  

يُخالطُني شعورٌ بالتَّوتُّرِ في البدايةِ فهي نوعٌ مِنَ المَخاضِ الفكريِّ يصاحبُهُ ألمٌ دفينٌ حتَّى تتدافعَ الأفكارُ وتُنسَّقَ في مسارِها السَّليمِ وبعدَ التَّعبِ النَّفسيِّ والإجهادِ العقليِّ، تأتي البشائرُ تلوحُ بالفرحِ مَعَ إتمامِ العملِ وتكليلِ الجهودِ بالخاتمةِ المُلائمةِ مَعَ ضَرورةِ الاقتناعِ كلِّيةً بالمصداقيَّةِ في كلِّ حرفٍ، وإلَّا لنْ يكونَ للحروفِ التَّأثيرُ المطلوبُ ولَنْ تَمُسَّ وجدانَ القارئِ ولَنْ يتشوَّقَ لتكملةِ القراءَةِ.

6. مِمَّ تستوحينَ الصُّورةَ الشِّعريّةَ، وكيفَ تَصوغينَ فضاءَاتِها في جموحاتِ التَّجلِّي؟! 

مِنَ المُمْكنِ أنْ تستثيرَ عواطفي مواقفُ تبدو بسيطةً إلَّا أنَّهُ عِندَ التَّأمُّلِ العميقِ فيها يمكنُ أنْ تشكِّلَ نواةً لعملٍ مؤثِّرٍ. أحبُّ القصيدةَ الحواريَّةَ الَّتي تُنشئُ حديثاً مُتبادِلاً بينَ النَّفسِ وصداها أو بينَ الشَّاعرِ وقلمِهِ أو الشَّاعرِ مُحدِّثاً عناصرَ الطَّبيعةِ، فتَرِدُ عليهِ تساؤلاتُهُ لتهدأَ ثائرتُهُ ونفسُهُ الهائمةُ الباحثةُ عَنِ الجمالِ بينَ عناصرِها.

7. تُبنى القصيدةُ على اللُّغةِ والفكرةِ والخيالِ. كيفَ تشتغلينَ على اللُّغةِ، واستنباطِ الفكرةِ، وانبعاثِ الخيالِ؟! 

بالحقِّ لخَّصْتَ بهذا المثلَّثِ الَّذي هو أضلاعُ القصيدةِ. القاعدةُ هي اللُّغةُ وما أوسعَ بحرَ اللُّغةِ العربيّةِ، شاسعُ الأرجاءِ، وجوفُهُ المُمْتلئُ بالدُّرَرِ الثَّمينةِ، وما أسعدَ هذا الشَّاعرَ الَّذي يُشبِهُ الغوَّاصَ الماهرَ، باحثاً عنها كي يرقى خطابُهُ بهذهِ الألفاظِ الرَّصينةِ والتَّعبيراتِ البليغةِ، أمَّا الفكرةُ فلحظةُ إيجادِها تماثلُ عندي لحظةَ اكتشافِ لؤلؤةٍ ثمينةٍ مِنْ بينِ المَحارِ، وهنا يكمنُ سرُّ التَّفرُّدِ إذا كانَ للشاعرِ قصبُ السَّبقِ في إيجادِ فكرةٍ لَمْ يكتشفْها أحدٌ مِنْ قبلِهِ، فهو مبدعٌ بحقٍّ. أمَّا التَّناصُّ وتطويرُ أفكارِ الأسبقينَ فينكشفُ بسهولةٍ ويتمُّ انتقادُهُ إذا ما حاولَ نسبِها لنفسِهِ، أمَّا الخيالُ فهو هبةٌ إلهيَّةٌ وهنا تختلفُ القرائحُ في درجةِ اتِّساعِ وخصوبةِ الخيالِ، فهو التَّحليقُ بحقٍّ بعقليَّةِ القارئِ لتجعلَهُ مُندهِشاً وهو يدخلُ عوالمَ جديدةً مُنبهراً بها.

8. هَلْ تَشعرينَ أحياناً وأنتِ غائصةٌ في كتابةِ قصيدةٍ ما، أنَّكَ غيرُ قادرةٍ على استكمالِها، كيفَ تتصرَّفينَ؟!

أكيد  كثيراً ما يتأرجحُ الشَّاعرُ بينَ النَّجاحِ والفشلِ، والإجادةِ حيناً وعدمِ إصابةِ الهدفِ المَنشودِ تارةً أخرى، وأكثرُ ما أهتمُّ بِهِ هو تطويرُ ذاتي وعدمُ الجمودِ في نطاقِ نقطةٍ فكريَّةٍ مُعيَّنةٍ، بَلْ تكونُ بمثابةِ الانطلاقِ لبدايةٍ جديدةٍ كلَّ مرَّةٍ، مواكِبةً للتطويرِ والتَّحديثِ، وكَمْ بالفعلِ بدأتُ في كتابةِ بعضِ الخَواطرِ ومزَّقتُ الأوراقَ بعدَها لعدمِ اقتناعي بجودةِ أسلوبِها، وينتابُني بعدَها حزنٌ على إضاعةِ جهدي ثمَّ يعوِّضُني  تعالى بأخرى تكونُ أكثرَ طلاوةٍ وبأسلوبٍ أكثرَ عذوبةً فتُنسيني سابقتَها.

9. عندما تكتبينَ قصيدةً معيّنةً، وتنتهينَ مِنْ كتابتِها، هَلْ تراجعينَها، تُضيفينَ إليها أو تحذفينَ منها؟!

أجلْ وهذهِ المرحلةُ، ما بعدَ الكتابةِ، تُسمَّى التَّنقيحُ والمراجعةُ اللُّغويَّةُ والنَّحويَّةُ فأقومُ بتغييرِ بعضِ المفرداتِ أو ضبطِ بعضِ الأوزانِ، ولكِنْ هذهِ المرحلةُ تغمرُني بسعادةٍ وأنا أشعرُ أنِّي أضعُ اللَّمساتِ الفنِّيَّةَ الأخيرةَ للعملِ مثلَ الصَّائغِ الَّذي يقومُ بتلميعِ قطعتِهِ الذَّهبيّةِ بعدما أخذتُ منهُ مِنْ شديدِ جهدٍ لتظهرَ برَّاقةً تخطفُ العيونَ وتأسِرُ الألبابَ.

10. ماذا تعني لكِ القصيدةُ، هَلْ تشعرينَ أنَّها صديقتُكِ، صديقُكِ، أنَّها رؤاكِ المُتعانقةُ مَعَ المتلقِّي؟! 

القصيدةُ هي مقصدي وملاذي وحِصني الحصينُ، ألوذُ بالهربِ مِنْ أيِّ ضيقٍ أو اكتئابٍ أو حُزنٍ على ذكرياتٍ أو هروبٍ مِنْ واقعٍ خانقٍ بالحروبِ والويلاتِ، فألجأُ اليها أستفئُ تحتَ ظلالِها وأدخلُ عوالمَ الخيالِ، 

أُعبِّرُ بها ليسَ عَنْ أحزاني أو رؤيتي الشَّخصيَّةِ فحسبُ، بَلْ أغوصُ في أعماقِ النَّفسِ البشريَّةِ، أعبِّرُ عَنْ مُعاناةِ البشريَّةِ ككلٍّ وأعبِّرُ عَنْ مُختلفِ المشاعرِ والأحاسيسِ المُتضاربةِ الَّتي تعصفُ بها كرياحٍ هوجاءَ.

11. هَلْ تستطيعينَ أنْ تترجمي ما يراودُكِ مِنْ مشاعرَ عَبرَ القصيدةِ أمْ أنّكِ غيرُ قادرةٍ على ترجمةِ مشاعرِكِ؟!

إنْ لَمْ يستطِعِ الشَّاعرُ ع التَّعبيرَ وترجمةَ مشاعرِهِ، فكيفَ لَهُ أنْ يعبِّرَ عَنْ مشاعرِ الآخرينَ، فالخيالُ الخصبُ الَّذي خصَّتْهُ بِهِ العنايةُ الإلهيَّةُ دونَ غيرِهِ إنَّما يتيحُ لَهُ الفرصةَ لتحويلِ الأحلامِ إلى واقعٍ. إنَّهُ يُترجمُ الأمنياتِ إلى حقائقَ في حقلِ الخيالِ الخصيبِ، وما أسعدَني حينما يقولُ لي أحدُ القرَّاءٍ. لقَدْ استطعْتِ أنْ تعبِّري بما في نفسي فيما عجزْتُ عَنِ التَّعبيرِ عنْهُ.

12. هَلْ تُحقِّقُ لكِ الكتابةُ، نوعاً مِنَ التَّوازنِ مَعَ المحيطِ الّذي تعيشينَ فيهِ، وتمنَحُكِ مُتعةً وتفاؤلاً في الحياةِ؟!

الكتابةُ تعبِّرُ عَنْ واقعِ الشَّاعرِ وما يرصدُهُ حولَهُ مِنْ مظاهرَ حياتيَّةٍ وأساليبَ معيشيَّةٍ تؤثِّرُ عليهِ وعلى أُسلوبِهِ، فالبيئةُ هي أحدُ عواملِ تشكيلِ حرفِهِ، بدليلِ شاعرِ الصَّحراءِ في وصفِهِ للبيداءِ وإبلِها والحادي وغنائِهُ في توديعِ القافلةِ، وشاعرٌ آخرُ في وصفِهِ للأنهارِ والمَراعي والجبالِ، وأنا ابنةُ بحرِ الإسكندريةِ، فأحبُّ دائماً مناجاةَ البحرِ وإسقاطَ حالتي النَّفسيَّةِ بينَ أمواهِهِ وتتقلَّبُ النَّفسُ كتقلُّبِ أمواجِهِ بينَ الاهتياجِ والهدوءِ.

13. متى تُناديكِ القصيدةُ، وهَلْ تستجيبينَ لمناداتِها بسلاسةٍ وبكلِّ انسيابيّةٍ واندفاعٍ؟! 

لا أكتبُ إلَّا بعدَ انفعالٍ  وتأثُّرٍ حقيقيٍّ حتَّى أنَّهُ حينَ التَّعبيرِ عَنِ الحُزنِ والألمِ تنسكبُ العبراتُ على الأوراقِ فيحترقُ الحرفُ في مَحرقةِ الصِّدقِ، فيخرجُ نقيَّاً خالصاً مِنْ أيَّةِ شوائبَ كالذَّهبِ النَّقيِّ، فأجدُ قلمي يُناديني للتعبيرِ ناقداً تارةً، وثائراً تارةً أخرى، أو تأثُّراً بجمالٍ طبيعيٍّ أخَّاذٍ، فتخرجُ الكلماتُ بسلاسةٍ وتلقائيَّةٍ، وأحياناً تَعصيني الكلماتُ وتفرُّ منِّي كالظِّباءِ النَّافرةِ على الجبالِ فأجدُ نفسي أعاتبها في قصيدةٍ وأشعرُ أنَّها ترجعُ إليَّ كالصديقِ الَّذي يؤوب إلى صديقِهِ مُعتذراً عَنْ جفائِهِ أو طولِ غيابِهِ.

14. أنتِ ابنةُ مصرَ، ابنةُ النِّيلِ وسليلةُ حضارةٍ شامخةٍ، هَلْ تنعكسُ حضارةُ النِّيلِ على فضاءِ القصائدِ؟! 

الشَّاعرُ هو سفيرُ الوطنِ والمعبِّرُ عَنْ آمالِ وآلامِ الأمَّةِ وقصائدِ الفخرِ، بالانتسابِ لمصرَ والحديثِ عَنْ حضارتِها مُدعاةُ للفخرِ لكلِّ شاعرٍ ارتوى بقطراتِ نيلها الرَّيَّانِ، وأحاولُ كذلكَ إعادةَ ذكرى الشُّعراءِ العُظماءِ الَّذينَ تركوا آثاراً خالدةً تزهو بها مصرُ عَبرَ الدُّهورِ. 

15. ما الَّذي قادَكِ إلى فضاءَاتِ بَوحِ القَصيدةِ، وتجلِّياتِ انبعاثِ الحَرفِ؟!

يؤمنُ اليونانيُّونَ القدامى أنَّ هناكَ ربَّةً للشعرِ تعزفُ على قيثارِها وتهمسُ في أذنِ الشَّاعرِ بالإلهامِ، وأنا أؤمنُ بقوَّةِ الحُروفِ وقدرتِها على الارتقاءِ بالأذهانِ وتقويمِ الأخلاقِ ورفعةِ الأقوامِ، فالحروفُ مثلُ الزُّهورِ إذا تمَّ تنسيقُها في باقاتٍ، أصبحَتْ مُبهرةً للعيونِ ومُشرِحةً للصدورِ.

16. كيفَ انتقلَتِ مِنْ فضاءِ الشِّعرِ إلى عوالمِ السَّردِ الرَّوائيِّ، هَلْ مهّدَ الشِّعرُ لهذا الانتقالِ، أمْ أنَّ فضاءَ الرِّوايةِ يختلفُ جذريَّاً عَنِ انبعاثِ بوحِ القصيدةِ؟!

فعلاً كانَ الشِّعرُ هو النَّواةُ للإنطلاقِ في اتجاهٍ تجريبيٍّ لكلِّ أنواعِ الأدبِ، ليسَ كلُّ كاتبٍ روائيٍّ شاعراً والعكس كذلك صحيح، ولكنْ إنطلاقاً مِنْ إيماني بسرديَّةِ القصيدةِ واحتوائِها على قصَّةٍ تعبِّرُ عنها بالأوزانِ والقوافي. هكذا كانَتِ النَّواةُ للوصفِ المطَّردِ والتَّوسعِ الانشائيِّ، فراقَتْ لي فكرةُ أنَّ الرِّوايةَ كذلك هي قصيدةٌ طويلةٌ تعتمدُ على الموسيقى الدَّاخليّةِ ويتَّسعُ فيها استخدامُ مُختلفِ الأساليبِ البيانيَّةِ المتنوِّعةِ، وكذلكَ آثرتُ على دمجِ بعضِ القصائدِ الموزونةِ في داخلِ الرِّوايةِ لتزدادَ ثراءً وقيمةً لغويَّةً وأدبيَّةً متفرِّدةً.

17. كيفَ تعبِّرينَ عَنْ حَالاتِ الأسى والأنينِ، وعَنِ الفرحِ والوئامِ، وعَنِ الحُبِّ والحَنينِ في فَضاءِ الشِّعرِ؟!

تبوحُ النَّفسُ بالأشعارِ عَنْ كلِّ المشاعرِ المتناقضةِ، وبالشِّعرِ تعزفُ أعذبَ اللُّحونِ، فتشجي النَّفسَ في ألمِها فتتعزى وتتيهُ فرحاً بالترنُّم مَعَ أحلى الكلماتِ، وكذلكَ أكتبُ للحبِّ فهو أسمى المشاعرِ الإنسانيَّةِ وهو الطَّاقةُ السِّحريَّةُ الخافقةُ للقلوبِ، والحبُّ في معناهُ الأسمى يبدأ بحبِّ الإنسانِ للخالقِ الأعظمِ، فيمجِّدُهُ ويشكرُ فضلَهُ تعالى في جميلِ خلقِهِ وسموِّ إبداعِهِ في الطَّبيعةِ السَّاحرةِ، وكذلكَ شعرُ الغزلِ عَنْ لسانِهِ وعَنْ لسانِها وحبِّ الوطنِ وحبِّ الطَّبيعةِ كذلكَ.

18. ماذا تعني لكِ الطُّفولةُ، هَلْ تستوحينَ مِنْ عوالمِ الطُّفولةِ بهاءً وبوحاً شِعريَّاً، وسرديَّاً؟!  

الطُّفولةُ هي حجرُ الأساسِ الَّذي إذا تمَّ الاهتمامُ بِهِ وتلقينُهُ الأسسَ السَّليمةَ للغةِ والقواعدِ النَّحويَّةِ والبيانيَّةِ سيشبُّ الطِّفلُ على حبِّ الأدبِ وعلى شغفِ المعرفةِ فيستطيعُ بدورِهِ حَمْلَ الشُّعلةِ لاستكمالِ المسيرةِ، ربَّما تُعتبرُ مجموعتي الأدبيّة مِنْ قصصِ ألفِ ليلة مُناسِبةً لتوجيهِها للأطفالِ بما تحويهِ مِنْ قصصٍ شيَّقةٍ وأساطيرَ مِنْ مُختلفِ البلدانِ.

19. ما هو هدفُكِ مِنْ كتابةِ الشِّعرِ، ما الَّذي يجذِبُكِ إلى فضاءَاتِ رِحابِ الشِّعرِ؟!

هدفي الأوَّلُ هو التَّرنُّمُ  مِثلَ البُلبلِ في الحقولِ ولذلكَ اخترتُ لنفسي لقبَ "كروانةُ النِّيل" تشبُّها بصوتِ الكروانِ المصري الرَّخيمِ وهو يرفرفُ صادحاً على شاطئِ النِّيلِ فيعذبُ صوتُهُ للأسماعِ، فالهدفُ هو إسعادُ النَّاسِ وإطرابُهم ويكفي أنْ يذكِّروني بجميلِ الدُّعاءِ إنْ استلذُّوا بحروفي.

20. إلى أينَ تُريدينَ أنْ تصلي في مِحرابِ انبعاثِ بوحِ الشَّعرِ، وفي تجلِّياتِ بوحِ السَّردِ؟!

يعتقدُ البعضُ أنَّ الشِّعرَ ساحةٌ للمنافسةِ فيتفاخرُ بعضُ الشُّعراءِ ويختالونَ عجباً بحروفِهم ويعتقدونَ بتفرُّدِهم لا سواهم ولكن مِنْ وجهةِ نظري وعَنْ قناعةٍ تامَّةٍ، أنَّ الشَّاعرَ الحقيقيَّ هو الَّذي إذا قرأْتَ لَهُ ولو للمرةِ الألفِ، تشعرُ بأنَّكَ كأنَّما تقرأُ لَهُ للمرَّةِ الأولى، وأنَّهُ في كلِّ مرَّةٍ يقدِّمُ لكَ سلافاً جديداً مِنْ زقِّهِ العتيقِ بروحِ الأصالةِ والحنكةِ الَّتي اكتسبَها مِنْ طولِ دربةٍ مَعَ الحروفِ.

 

أجرى الحوار صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم 

ستوكهولم: تمُّوز، (يوليو) 2024


لقاء مع الكاتبة والشاعرة والمحامية سيما صيرفي

 


أجرى اللقاء: الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه - المغار – الجليل.


مقدمة وتعريف (البطاقة الشخصية):

الكاتبة والشاعرة والمحامية "سيما محمد رياض صيرفي" من مواليد مدينة القدس – فلسطين (عام 1980). أنهت دراستها الابتدائية والثانوية في مدرسة راهبات الأقباط والجامعية في جامعة القدس وحصلت منها على اللقب الأول (B.A) في القانون. وبعدها بدأت تمارس مهنة المحاماة منذ عام 2005. ثم انتقلت إلى مدينة الناصرة العليا وافتتحت مكتبًا هناك للمحاماة وما زالت تعمل فيه وتزاول هذه المهنة. بالإضافة إلى مهنة المحاماة، هي شاعرة وأديبة قديرة ومبدعة لها كمٌّ كبير من الإنتاج الكتابي الإبداعي الشعري والنثري والقصص والروايات. نشرت قسمًا كبيرًا من كتاباتها في الكثير من وسائل الإعلام والصحف والمجلات والمواقع: المحلية والعربية والعالمية، وخاصة المقالات التي تتعلق بمجال القانون.

 ونظرًا لشهرتها ومكانتها الأدبية والثقافية والقانونية أجريتُ معها هذا اللقاء المطول والشائق لتطلعنا فيه على أهم الجوانب والمحطات في حياتها الأدبية والثقافية والمهنية.


سؤال 1: لماذا اخترتِ أنتِ موضوعَ المحاماة كدراسة وعمل؟ ما الذي شدَّكِ ودفعَكِ لدراسةِ هذا الموضوع ولماذا لم تختاري موضوعًا آخر غيره؟

جواب 1: ربما الظروف أحيانًا تُقرِّرُ في مسار ومصير الإنسان ومجال عمله وتخصصه. وبصراحة، أنا في البداية كنتُ أحبُّ أن أدرسَ مواضيع أخرى كالصحافة والإعلام أو الطب، ولكنني في آخر لحظة قررتُ أن أدرس موضوع المحاماة. وأنا أيضًا أحبُّ هذا الموضوع وهذا ما حدث.


سؤال 2: الكثيرون اليوم في مجتمعنا العربي درسوا موضوع المحاماة ونجدُ أن عددًا لا بأس به  من الذين  تخرجوا عاطل عن العمل.. ما رأيكِ وتعقيبكِ على هذا الوضع وهذه الظاهرة؟ وماذا عنك ومع عملك في مجال المحاماة؟ هل شغلكِ وعملكِ بوضع جيد؟

جواب 2: اليوم نحن وصلنا إلى عدد كبير جدًا من المحامين في البلاد وهذا بالتأكيد يؤثر على عمل المحامين. وللأسف، إن المحامين أنفسهم وصلوا إلى صيرورة وطريقة عمل خاطئة أخفضت وأنزلت من قيمة وأهمية مهنة المحاماة في التعامل والإخلاص والأمانة والمصداقية والنجاعة. وباختصار، هناك عدد لا بأس به من الذين يزاولون مهنة المحاماة بأسعارهم الرخيصة جدًا وعدم الالتزام بالمواعيد ومعالجة القضايا بشكل مهني وسليم وسريع، والاهتمام بالكم وليس بالإنجازات والنجاح وخدمة الزبون. وهذا أثر على مهنة المحاماة في الوسط العربي وأعطى صبغة سيئة عن المحامين بشكل عام. ولكن ليس كل المحامين هكذا. وبكثرة عدد المحامين قلَّ مجال العمل للكثيرين منهم كما ذكر أعلاه. أما أنا، فالحمد لله الوضع عندي جيد ومكتبي للمحاماة في مدينة الناصرة العليا دائمًا وبشكل يومي أستقبل الزبائن في قضايا وأمور عديدة ومختلفة وأقدم الخدمات للجميع بأمانة وبشكل مهني وناجع.


سؤال 3: لننتقل إلى موضوع الأدب والثقافة والكتابة. متى بدأتِ تمارسين هواية أو مهنة الكتابة وكيف كانت بداياتكِ الأولى؟

جواب 3: البدايةُ كانت في آخر مرحلة دراستي الابتدائية (سن 12 عامًا). والإلهام جاء من حُبّي للقراءة والمطالعة منذ الصغر. وكنتُ دائمًا أنجذبُ للقصص والشعر والقصائد الجميلة في الكتب المدرسية وغيرها. وكان يبهرني كيف يمكن للكلمات أن تُعبّرَ عن أعمق وأسمى المشاعر. كما أن البيئة التي نشأتُ فيها مليئة بالتجارب الإنسانية والتحديات، وخاصة معاصرتي للاحتلال عن قرب. وهذا مما شكّلَ جزءًا كبيرًا من إلهامي وعطائي الأدبي. فكانت كتاباتي الأولى كتابات وطنية وصفتُ فيها مشاعر أمهات الشهداء الذين سقطوا أمامي أثناء ذهابي وعودتي إلى المدرسة وأنا طفلة. ومن ثمَّ أُضيفَ إلى كتاباتي طابع الحب والمواضيع الاجتماعية. وبعد ذلك المواضيع الإنسانية والقانونية والفلسفية التي تتسمُ بطابع العدالة الإنسانية والمترعة بالمبادئ والقيم والمثل السامية.


سؤال 4: أنتِ كتبتِ الشعر والقصة والرواية والمقالة وغيرها. في أيٍّ من المجالات الأدبية تجدين نفسكِ أكثر ولماذا؟

- جواب 4: أنا أجدُ نفسي أكثرَ في الشعر لأنَّ الشعرَ لهُ قوَّة وتأثير أكبر في إثارة المشاعر وتحفيز التفكير العميق من خلال الكلمات. وممكن للشعراء تسليط الأضواء على قضايا ومواضيع هامة، مثل: الفقر، الظلم، الحُريَّة، العدالة. وتحفيز الناس وحثهم على التفكير والتحرك والعمل من أجلِ التغيير إلى الأفضل والأحسن. فالشعر يستطيع أن يوصلَ رسالةً قويّة وبطرق مباشرة وغير مباشرة تُحرِّكُ وتحفز القلب والعقل والوجدان. وأيضًا كتابة المقالات القانونية والاجتماعية. وتأثير الأدب على عملي كمحامية - فالكتابة سواء كانت شعرًا أو نثرًا أو مقالات وغيرها – تمنحني الفرصة للتعبير عن قضايا العدالة بطرق إبداعية عميقة. فأنا أجدُ أن الأدبَ يفتحُ لي آفاقًا جديدة لفهم الجوانب الإنسانية للقضايا القانونية ويتيحُ لي أيضًا التواصل بشكل أكثر تأثيرًا مع الجمهور والمحكمة.


سؤال 5: المواضيعُ والقضايا التي تُعالجينها في كتاباتِكِ؟

جواب 5: أكثر موضوع يسيطرُ عليّ هو حقوق المرأة والمعاناة التي تعانيها المرأة في المجتمع وفي المحاكم والصدامات مع العائلة، خاصة إذا قرَّرت الانفصال واتخذت طريقًا صحيحًا وسليمًا لحياتها. وأنا أحبُّ أن أتناول مواضيع الإنسانية والعدالة والمساواة. وكثيرًا ما أستمدُّ إلهامي من القضايا الاجتماعية عامة والموجودة في مكتبي للمحاماة خاصة والتحديات التي تُواجهُ الناس بشكل يومي في البيئة حول سوار من الأصدقاء، العائلة، الجيران والمجتمع بشكل موسّع. وأريد أن أضيفَ: إنني أحبُّ الكتابة عن الحب والأمل وأحاولُ دائمًا أن أزرع بذور الأمل والحب والتفاؤل في قراراتي وفي كتاباتي.


سؤال 6: كم كتاب أصدرتِ حتى الآن شعرًا ونثرًا؟

جواب 6: حتى الآن أصدرتُ كتابًا واحدًا فقط وهو رواية بعنوان : " فراق هيل " -  صدر في (11 / 9 / 2014) . والآن أنا أحضرُ لعدة إصدارات جديدة. وعندي كمٌّ كبير من الإنتاج الأدبي والشعري الذي لم يرَ النورَ حتى الآن.


سؤال 7: هل أُجرِيَت معكِ لقاءات صحفية مطولة من قبل وسائل الإعلام المحلية كمحامية ناجحة أولًا ثم كاتبة وشاعرة مبدعة؟

جواب 7: لقد تمَّ استضافتي واستقبالي في تلفزيون مكان عدة مرات وفي قناة مساواة وجريدة كل العرب وموقع بانيت وجريدة بانوراما وفي عدة مواقع ووسائل إعلامية أخرى محلية وعالمية.


سؤال 8: رأيكِ في مستوى الشعر والأدب المحلي مقارنة مع المستوى خارج البلاد؟

جواب 8: يوجد عندنا كمٌّ كبير من الشعر والنثر المحلي. فالكثيرون يكتبون الشعر والنثر محليًّا. لكنني لستُ مُخوَّلةً لأقيِّمَ أيّ أحدٍ وأعطي العلامات وأقيِّم بشكل عام رغم أنني نجحتُ حديثًا في مجال النقد الأدبي ولي تجارب حديثة في هذا الموضوع. إلا أنني لاذعة وصادقة فلا يمكنني أن أتملق وأصفق تصفيقًا كاذبًا لأيِّ أحدٍ لا يستحق. فأنا أتعاملُ مع النقد الأدبي بنزاهة ومصداقية وأمانة وموضوعية وبطريقة مهنية. وأنا أقبلُ النقدَ لنفسي وأرى فيه فرصةً للنمو وصقل الموهبة والتطور، وأحاولُ أن أتعلم من النقد البنّاء والموضوعي وأتجاهل النقد غير الموضوعي والهدّام. وفي المُحاماة، النقد يساهمُ في تحسين ممارستي المهنية وتقديم خدمة أفضل للجمهور والناس. والأهم هو الحفاظ على رؤية واضحة وثقة بالنفس.


سؤال 9: هل كتبَ أحدٌ عن روايتكِ الصادرةِ من النقاد والكتاب المحليِّين؟

جواب 9: حتى الآن لم يكتب أيُّ ناقدٍ أو كاتبٍ دراساتٍ عن إصداراتي المنشورة والصادرة، ولكن هنالك أخبار عن نشاطاتي الأدبية والثقافية.


سؤال 10: ما رأيُكِ في مستوى النقد المحلي مقارنة بمستوى النقد خارج البلاد؟

جواب 10: يوجدُ عندنا عددٌ قليلٌ من النقاد، ولكن ليسوا جميعًا قديرين ومتمكنين من أدواتهم النقدية. نقد البعض منهم غير صادق وغير موضوعي، وإما أن يكون مديحًا مبتذلًا لأشخاص تربطهم بهم علاقة صداقة أو مصلحة مشتركة، أو أن يكون ذمًّا وقدحًا لأشخاص لا يروقون لهم ولا توجد لهم مصلحة مشتركة معهم. لكن لا ننسى أن هناك بعض النقاد المتمكنين والقديرين والضليعين في النقد، ونقدهم دائمًا موضوعي وأكاديمي وصادق، ويضاهي مستوى النقاد في الدول العربية والأجنبية. مثال على ذلك حضرتك والعديد من الأساتذة.


سؤال 11: ما رأيكِ في ظاهرة التسيُّب والفوضى الموجودة على الساحة الأدبية المحلية وتكريم كل من هبَّ ودبَّ وإقامة الأمسيات التكريمية لأشخاص لا توجد لهم أيَّةُ علاقةٍ مع الشعر والأدب والإبداع بعد صدور أي كتاب لهم يكون دون المستوى من قبل بعض المنتديات والمؤسسات التي تدَّعي خدمة الثقافة والأدب؟

جواب 11: أرى دائمًا وبشكل يومي تكريمات إلكترونية أو واقعية عن طريق أمسيات وندوات وحفلات من قبل بعض الجهات المحلية والمنتديات لأشخاص ربما يحتاجون إلى المزيد من الوقت ليصلوا إلى مرحلة استحقاق التكريم. مما يثيرُ غضبي تحمُّل المسؤوليَّة من قبل هذه الجهات المضيفة والمُكرِّمة بإعطاءِ ألقاب وتقدير ليس في محله. أتفاجأ في هذه الفترة الأخيرة بلقب (الدكتوراة) لكلِّ من هبَّ ودب، ولأشخاص ربما لم يكملوا دراستهم للمرحلة الابتدائيَّة. في هذا مسؤوليَّة قانونيَّة وأخلاقيَّة على هذه المواقع والمؤسسات المُكرِّمة في إعطاء ألقاب ليست حقيقيَّة. والمسؤوليَّة الأكبر هي سكوت وصمت الذين أخذوا ونالوا هذه الألقاب والتكريمات ونشرها في صفحاتهم ولم يحركوا ساكنًا. هذا يُحملهم مسؤوليّة انتحال ألقاب، وهو يُعتبرُ جريمة وتزييفًا يُحاسب عليه القانون في معظم دول العالم. هنالك طاقاتٌ عظيمة إبداعية وهامات وقامات باسقة وفذة وعملاقة في الوسط المحلي في جميع الجوانب والمجالات الأدبية والفكرية والفنية والعلميَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة، ولكن قد تمَّ تهميشُهم وتجاهلهم من على منابر التكريم من قبل تلك المؤسسات المشبوهة. قد يذكرون هذه الشخصيات فقط بعد وفاتهم.


سؤال 12: هل أقاموا لكِ أمسية تكريمية من قبل بعض المؤسسات أو المنتديات المحلية؟

جواب 12: نعم، لقد أقاموا لي أمسيةً لإشهار روايتي (فراق هيل) في المجلس المحلي بيافة الناصرة وبالتعاون مع المكتبة العامة.


سؤال 13: ما هي المهرجانات والندوات الشعرية والثقافية التي شاركتِ فيها أو كنت عريفة لها؟

جواب 13: لقد شاركت في الكثير من الندوات والأمسيات والمهرجانات الشعرية والأدبية المحلية. أما المهرجانات التي توليتُ عرافتها فهي: المهرجان الذي أقيم في مدينة الطيبة قبل أكثر من سنة وشارك فيه عددٌ كبير من الشعراء من جميع أنحاء البلاد.


سؤال 14: من هم الشعراء والكتاب المفضلون لديكِ محليًّا، عربيًّا وعالميًّا؟

جواب 14: محليًّا، هناك العديد من الكتاب والشعراء، وذكر الأسماء قد يظلم كثيرين. أنا شخصيًّا أتمتع بالقراءة السلسة الغنية لا الجزلة والمعقدة. أما عن شعراء المقاومة العمالقة الذين غادروا الحياة قبل عدة سنوات، مثل: سميح القاسم، محمود درويش، راشد حسين، وتوفيق زياد، وفدوى طوقان، ومحمود الدسوقي، فهم هامات وأساتذة لنا جميعًا. عربيًّا، أتمتع بقراءة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذي يمزج في كتاباته بين الواقع والحياة والخيال بعمق فلسفي وإنساني. وقد نال جائزة نوبل بجدارة، وهو الكاتب العربي الوحيد الذي حصل على هذه الجائزة العالمية حتى الآن. بالإضافة إلى نجيب محفوظ، هناك العديد مثل: نزار قباني، وجبران خليل جبران، وأحمد شوقي، ومحمد مهدي الجواهري، والدكتور عبد العزيز المقالح، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، ونازك الملائكة وغيرهم. عالميًّا: وليم شكسبير، بابلو نيرودا، ناظم حكمت، لوركا، ديستيفوسكي، موليير وغيرهم.


سؤال 15: ما هي طموحاتُكِ ومشاريعُكِ للمستقبل؟

جواب 15: حلمي أن أعيدَ إقامة جمعية تنادي بتوعيةِ الأطفال اجتماعيًّا وحقوقيًّا وأخلاقيًّا. الجدير بالذكر إنني كنت قد أقمتُ جمعية باسم احترام حقوق الإنسان، وقد أقمت من خلالها برنامجًا تحت عنوان: (حقوقيون براعم)، وكنت مسؤولةً عن 48 طفلًا من كلّ البلاد، وأقوم بتوعيتهم وإرشادهم لممارسة حقوقهم وحماية حقوق الشرائح المستضعفة في المجتمع. أغلقت الجمعية لأسباب عديدة، وإن شاء الله سأعيدُ تأسيسها وإقامتها من جديد. على الصعيد الأدبي والثقافي، سأتابعُ مشواري الكتابي الإبداعي، وعندي الكثير من الإنتاج الأدبي والشعري الإبداعي المتراكم، وإن شاء الله سأقوم بطباعتهِ وإخراجه للنور قريبًا، وربما أنجح في ترجمة بعضه إلى لغات عالمية أخرى. بالطبع سأستمرُّ في المشاركة في أمسيات وندوات أدبية وشعرية بشكل مكثف .


سؤال 16: كلمة أخيرة تحبِّين أن تقوليها في نهايةِ هذا اللقاء؟

جواب 16: أحبُّ أن أتطرَّق وأذكر مُشجِّعي الأكبر في مسيرتي الأدبية والقانونية، وهم: أولادي (علي ورياض وديما وأريس وأريم) وتجارب الحياة التي مررتُ بها. أولادي يمنحونني الدافع والحافز للإستمرار والإبداع، فهم الذين دائمًا يشجِّعونني ويفتخرون بي. أما التجارب الشخصيّة فهي مصدر إلهامي الأكبر، سواء كانت تحديات أو نجاحات، كلها ساهمت وتساهمُ في تشكيل كتاباتي وأفكاري. هذه التجارب وأولادي يمنحونني دائمًا الطاقة والقوَّة والإلهام للإستمرار في مشواري ورحلتي الأدبية والمهنية. أخيرًا وليس آخرا، أشكركَ جزيلَ الشكر الشاعر والناقد والإعلامي القدير المبدع والمتألق دكتور حاتم جوعيه على استضافتي في بيتكَ العامر في مدينة المغار الجليلية وعلى حسن الاستقبال وعلى هذا اللقاء المطول والشائق الذي أتاح لي أن أتحدَّث عن الكثير من المواضيع والأمور الهامَّة التي تعني وتهمُّ جميع أفراد المجتمع. أشكرك على مهنيَّتك وصدقك ودماثة أخلاقك واهتمامك بالأدب المحلي وغيرتك الشديدة على الثقافة والأدب المحلي ودعمك الدائم والدؤوب للكتاب والشعراء المبدعين الذين يحتاجون إلى دعم ورعاية وتسليط الأضواء لكي يتم لهم الإنطلاق والشهرة والانتشار الواسع محليًّا وخارج البلاد .