حوار بين الأديبين عبد الله المتقي وحسن سالمي



بداية ماذا تقول عن حسن سالمي ساردا تونسيّا؟

    قبل كلّ شيء أقدّم لك جزيل شكري أديبنا السّامق عبد الله المتّقي على هذه المصافحة. وجوابا عن سؤالك أقول حسن سالمي هو أديبٌ تونسيٌّ ولد ببلاد الجريد سنة 1971. تفتّحت قريحته منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، واختار ان يراكم تجربته في الظّل إلى حدود ربيع سنة 2014 حيث أصدر مجموعة قصصيّةً بعنوان "التيه" ثمّ انهمر الغيث فأصدر رواية "البدايات"، ثمّ "زغدة"، مجموعة قصصية، ثمّ "الإشارات"، دراسات نقديّة. ثمّ "الدماء لا تنبت القمح"، قصص قصيرة جدّا. ثمّ "مأدبة للغبار" قصص قصيرة جدّا. ثمّ "الطّيف" رواية متحصّلة على جائزة توفيق بكّار للرّواية العربيّة. ثم "غوانتانامو" رواية صدرت خلال شهر فيفري 2022. وله تحت الطّبع: "أنا وظلّي" قصص قصيرة جدّا تحصّلت على جائزة فاطمة بن محمود للقصّة القصيرة جدّا نظّمتها مجلّة أوراق مبعثرة. ورواية "المحاق" في جزئين، فضلا عن مخطوطات أخرى في القصّة القصيرة جدّا والقصّة القصيرة والرّواية للنّاشئة تنتظر فرصة الخروج إلى النّور.

 من أين تشكّل عالمك القصصيّ والرّوائيّ، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟

    ما من تجربة إبداعيّة إلّا وتكون قادحتها الأولى هي الموهبة. شيء نجده فينا دون أن نختاره، وقد تسبقه ارهاصات متقاربة أو متباعدة في الزّمن تبشّر بحالة إبداعيّة قادمة. وشخصيّا حين أعود بالذّاكرة ألمس تلك الارهاصات في الطّفولة الأولى، حيث كان الخيال وثّابا والذّهن الغضُّ الطريّ ميّال إلى عالم الأحلام والسّحر، تارة أجده (أي الخيال) في ما وقع بين يديّ من حكايا وكتب وأفلام ونحوها، وتارة أجده ينبع من ذاتي فإذا رغباتي الدّفينة تتحوّل الى أحلام في اليقظة أصنع منها ما أشتهي وأشاء. حتّى إذا مرّ الوقت ودون الخضوع إلى منهج واضح أو عناية خاصّة أفصحت تلك الموهبة عن نفسها واتّخذت شكلها ضمن عالم السرد ومحيطه الواسع، وطبعا هذا الإفصاح لا يكون إلّا بعد رحلة طويلة مع الكتب ومع كلّ ما يمتّ الى الثّقافة والمعرفة بصلة. وقبل ذلك وبعده التّجربة الشخصيّة مع الحياة ثمّ تجارب الأقربين ثُمّ وثُمّ... أمّا بالنّسبة إلى الشّطر الثّاني من سؤالك فلا شكّ في أنّ البيئة المحيطة هي الحاضنة الأولى لتلك الموهبة. فما تشكل في وجداننا ومشاعرنا وأذهاننا من ذخائر لا سيما في فترة التّلقّي الأولى هي التي تطبع الحالة الإبداعية وتظل النّبع الذي نعود اليه سواء وعينا بذلك أم لم نعِ. وهذه العمليّة ليس بالضّرورة أن تكون خاضعة للقصديّة والخطط المسبقة، إذ البيئات العربيّة في عمومها لا تعتني عناية مباشرة بالمواهب وإن ظهرت ارهاصاتها باكرا، ولا تخضعها إلى برامج علميّة تفجّر فيها أقصى ما يمكن من طاقة. إنّما عمليّة التفاعل تلك تأتي في سياقات عشوائيّة بغير خيوط ناظمة في الظّاهر، ولكنّها تلتقي على أمر قد قُدِر فيكون الابداع بشطآنه البعيدة وأسراره التي لا تنتهي.

أنت كاتب متعدّد، روائي وقاص وامض وكاتب مقالة، فأين تبني خيمتك وتستريح؟ 

    أعتبر الرواية والقصّة القصيرة والقصّة القصيرة جدّا، وأدب الناشئة والمقالة والدّراسات النقديّة غرفا متعدّدة لبيت واحد، تفضي بعضها الى بعض ضمن فضاء واحد هو فضاء السّرد، ويمكن أن تنفتح كلّ غرفة على ما يناسبها من العالم الخارجي. لكنّها تظلّ مرتبطة بأخواتها على نحو ما. والذي يحدّد استراحتك فيها هي حاجتك إليها في وقت معيّن. وهذه الحاجة تحدّدها الفكرة والقضيّة والرّسالة التي تشتغل عليها، فتدرك بحدسك الإبداعي أنّ الإفصاح عنها يكون حصرا بواسطة هذا الجنس الأدبي وليس بذاك. والأديب هو أشبه ما يكون بالطّاهي المحترف لا يجوز له أن يلقي كلّ ما في مطبخه في قِدر واحدٍ ودفعة واحدة. وإلّا كانت الوجبة التي سيقدّمها سيّئة للغاية على مستوى الطّعم والذّوق معا... وملخّص القول كلّ جنس من تلك الاجناس السرديّة التي ذكرت، هي محطّات استراحة بالنسبة لي تحدّدها الحاجة منها.

تجربتك في القصة القصيرة جدا حقّقت فرادتها تونسيا وعربيّا. كيف استطعت تشييد هذا المختبر القصصي؟

        بادئ ذي بدء دعني أعترف بأنّ القصّة القصيرة جدّا هي أصعب جنس ابداعي كتبت فيه. وتبين لي هذا لمّا نزلت من سماوات التّنظير إلى أرض التّطبيق. حتّى أنّه أتى عليَّ حين غشِيني منها اليأس فأوشكت أن انفض يدي من كتابتها!  ومردّ ذلك كما أزعم يعود الى وعيي الشقيّ بها!  ذلك أنني كنت وما زلت أعتقد أنّ القصّة القصيرة جدّا هي عالم في نقطة، وبحر في قدح. والمعادلة كيف لي أن اجمع بين هذين النّقيضين دون الخروج عن نظم القصّة ونواميسها؟ وكيف لي أن أخالف السّائد وأصنع بصمة تميّزني في هذا البحر المتلاطم من القصص القصيرة جدّا؟

وعليه فلقد حاولت المحافظة على هويّة القصّ دون تماه مع أجناس إبداعيّة أخرى. ذلك أنّ القصّة القصيرة جدّا تقع في خطّ التماس مع قصيدة النّثر والشّعر عموما فضلا عن القصّة القصيرة والطُرفة والنّكتة والخبر واللقطة وما إلى ذلك من طرائق التّعبير...  القصّة القصيرة جدّا تستوعب ذلك كلَّه وتقترب منه في حذر شديد دون أن تكون أيّ أحدٍ منها في النّهاية... لم أعدم المحاولة من جهة ثانية من استيعاب الجانب النّظريّ في كتابة القصّة القصيرة جدّا واختلافي معه أحيانا حتّى أثبت أنّ احتمالات كتابة هذا الجنس الصّعب دائما تظلّ مفتوحة وهو لا يمكن أن يتجمّد داخل أطر معيّنة أو في قوالب جاهزة مهما كانت النظريّة التي تقف وراءه... من جهة ثالثة داومت الاشتغال على إحداث التنوّع في دوائر مختلفة. مثل دائرة القضايا الحارقة التي تهمّ النّاس وتعبّر عن مشاغلهم. وهذه القضايا تتوزّع على الاجتماعي والسياسي والقيمي والنّفسي والفلسفي. الخ... الخ... كذلك اشتغالي على تنوّع الفضاء في النّصوص كذا الشّخوص والاقتراب من تناقضات الحياة في مجتمعنا بنسبها المختلفة. فضلا عن ضرورة الاشتغال على تنوّع الأساليب ومستويات اللّغة ومحاولة استثمار تقنيات الرّواية والقصّة والسيناريو والمسرح واستدعائها إلى القصّة القصيرة جدّا. 

عناوينك القصصيّة والروائيّة مخاتلة ومثيرة للتّأويل والاحتمال، وميّالة للمواجهة والصّدام. ما القصّة؟

 أشكرك على إثارة هذه النّقطة فملاحظتك في محلّها تماما... والسّرّ يعود الى اعتقادي الجازم بأنّ العنوان لا يقلّ أهميّة على تخوم النّص. ليس لأنّه العتبة الأولى التي تعترض القارئ وعليها المعوّل في جذبه فحسب، ولا لأنّه فقط يمنح هويّة مخصوصة للأعمال فتعرف به وتميّزها من غيرها، بل لأنّه أيضا حمّالُ جمالٍ كان ومازال قبلةً للفنّ وهدفا من أهدافه.  ومبعث جمال العنوان يأتي من تلك المنطقة السّاحرة المثيرة للغموض والسّؤال والمستفزّة لخيال المتلقّي ومشاعره، والتي تحيله في نفس الوقت على زبدة النّص دون تهويل أو مبالغة...  والحقّ أنّ العنوان يأخذ منّي وقتا للتّفكير أكثر الأحيان. وأظلّ حتىّ اللّحظة الأخيرة متهيّبا منه، وأحيانا أجعل له بدائل عديدة لأتخيّر منها ما هو مناسب بعد وقت... يعجبني عنوان ما ثم لا يلبث ان يخبو سحره في نفسي فأبحث عن غيره. وهكذا أظلّ على قلق...

 ما حكاية هذا التحول من النّزعة القصصيّة الموجزة إلى النّزعة الروائيّة الشّاسعة والمتشعّبة؟

 الصحيح ان نعكس السؤال. ما حكاية التحوّل من النّزعة الروائيّة الشّاسعة الى النّزعة القصصية الموجزة؟ وذلك ببساطة لأنّ النّص الموجز ظهر مؤخّرا في حياتي الإبداعية (سنة2017 فقط) وكنت قبل هذا التاريخ أحاول السباحة في محيطات الرواية وبحور القصة القصيرة. كما أسلفت انطلقت تجربتي مع السّرد منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، ممّا جعل تحت يدي كمًّا من التّجارب الروائيّة والقصصيّة نبتت في الظّل بعيدا عن الضّوء والضّجيج. منها ما اكتمل ومنها ما لا يزال منقوصا، ومنها ما يصلح للنشر ومنها ما لا يصلح. هذا فضلا عن الاعمال التي سبق أن عرّفت بها في مطلع حوارنا. ما أريد قوله ابتدأت مع النّفَسِ الطّويل في السّرد أوّلا، ثمّ وجدتني أجرب كتابة القصّة القصيرة جدّا. مدفوعا إليها من اعتبارات ثلاثة، أوّلا لأنّها جنسٌ سرديٌّ وعليَّ كساردٍ أن أخوض غماره وأركب المغامرة فيه بقطع النظر عن النتائج، دون الاكتفاء بالنّظر اليه من بعيد. وقديما قالوا ليس الخبر كالعيان. الاعتبار الثّاني، محاولتي الوصول الى القارئ في العالم الأزرق وافساح مكان لتجربتي في عالم الأنترنيت. خصوصا بعد أن بدأ الكتاب الورقي يمرّ بظروف صعبة حالت دون وصوله إلى القارئ من جهة ولانكماش طبقة هذا الأخير من جهة ثانية. وطبعا أنسب جنس للحضور في العالم الجديد هو النّص الوامض، والنّص القصير جدّا... أمّا الاعتبار الثّالث فيعود إلى القصّة القصيرة جدّا في ذاتها. ذلك أنّها رغم صعوبة مراسها وقدرتها على الزجّ بكاتبها في محرقة الأعصاب والصّداع تمنحه خمرةً ما. لذّةً ما. تكشف فيه طاقةً ما مختبئة في أعماق أعماقه...

حصلت على جائزتين عربيتين، في الرّواية والقصّة القصيرة جدّا، فما الذي منحك هذا الاستحقاق؟ وهل التفت إليك النقد؟

    هذا أصعب أسئلتك على الاطلاق خصوصا جزأه الأول. وأراه مخاتلا نوعا ما. ذلك أنّه يحيلني على تقييم نفسي بنفسي على الملأ، وهذا أصعب ما في الأمر. والاسترسال في الإجابة عنه ربما يزلق بي في دائرة العجب والغرور وهذا لعمري مرض أخشاه وأتجنّبه ما استطعت الى ذلك سبيلا.  وأدنى ما يمكنني قوله أنّ الصّدق مع النّص أوّل بوّابات النّجاح. والصّدق يقتضي الاعداد الجيّد وبذل الجهد. وتوطيد العزم على البحث عن الجمال والمختلف والأرض غير الموطوءة. أمّا القسم الثّاني من سؤالك يمكنني القول بأنّ النقد التفت اليّ ربع التفاتة فحسب! وهذا الرّبع شكّلتها قراءات عاشقة في الغالب، تلقي الضّوء على مواطن الجمال من وجهة نظر كُتّابها. لكنّها لا تشاكس ابداعاتي ولا تنصب لها المرايا لأرى فيها ظلا غفلتُ عنه أو نورا صنعتُه دون الانتباه إليه. أما النّقد الأكاديمي وعليه المعوّل فلم أنل شرفه بعد؟ ولك أن تسألني لماذا؟

أكبر الأسباب هو تعثّر وصول كتبي الى القارئ والنّاقد لخمولٍ في التّوزيع، ولتخلّي دور النّشر عن واجبها، مكتفيةً أكثر الأحيان بمنحة وزارة الثّقافة ثمّ الغبار والنّسيان بعد ذلك ولا تبالي. سبب آخر يتعلّق بالوضع الذي آل اليه النّقد في مجتمع الثقافة العربي عموما، ليس فقط على مستوى الانكماش والضّمور والتّكاسل، وإنّما أيضا يتعلّق بالجانب الأخلاقي. لقد أفسدَ النّقدَ في وطننا الكبير منطقُ الشلاليةِ وكسبُ المصالحِ الآنيةِ الضيّقةِ وتبادلُ المنافع. دون اعتبار للنّصوص الإبداعية في ذاتها. وشخصيّا أبغض هذا الطريق وأكره المشي فيه مكتفيا بصومعتي، معوّلا على الزّمن...

يرى لويس ماتيو دييس أنّ " القصّة القصيرة جدّا هي الانطلاق من نقطة صغيرة إلى أخرى جد كبيرة."  ما تعليقك؟

هذه الكلمة عميقة جدّا ومخاتلة وحمّالة أوجه. وأوّل ما يتبادر إلى ذهني منها هو التّالي: سرٌّ ما يربط بين دقائق الطّبيعة والكون والحياة وإن بدت لنا متنافرة متناقضة من الوهلة الأولى. وهذا السّر ينتقل بشكل أو آخر الى الانسان ولا ينحصر فقط على بعده المادي، بل يتجاوزه الى تلك الشطآن التي تقع وراء ضفافه.  وأحد تلك الشطآن: شاطئ الابداع، ولو دقّقنا النّظر فإنّ هذا السّاحر الكبير واللّغز المحيرّ -وأعني به الابداع-يخضع على نحو ما إلى تلك القوانين.  من ذلك أنّ هذا الكون الشاسع الثّري المدهش وما يحويه من عجائب الأحجام والأشكال والألوان والرّوائح والطُّعوم وما لا يقع تحت حصر، انطلق من نقطة صغيرة جدّا كما تقول نظريّة الانفجار العظيم. كل تلك الاسرار والعجائب تكمن في نقطة قد لا تقوى العين على رؤيتها.  أليس هذا مدهشا وعجيبا؟ إنّنا بوعيٍ او من دون وعي نعيد تشكيل كوننا الابداعي على مثال الكون الذي ولدنا فيه. وقد يتوهّم بعضنا أنّه خالف المألوف مطلقا وخلق خلقا على غير مثال سابق، وهو في حقيقته لم يخرج عن دائرة الخلق الأولى، بل أثبت من حيث أراد النّفي أنّه من تجلّيات قوّة أكبر منه سرّبت إليه شيئا من روحها فكان تجلّيا من تجلّياتها. إذن هذا هو الأصل والسّر الأول الذي يجعل خلق النّقطة القابلة للانفجار والذّهاب في كل اتجاه هي أرقي درجةٍ في سلّم الابداع... أليس هذا دليلا آخر على أنّ القصّة القصيرة جدّا من أصعب الفنون على الاطلاق، باعتبارها النّقطة التي ينبغي أن تحمل في صميمها السّماوات والأرض وما بينهما. ولا يفوتني قبل أن انهي الإجابة عن هذا السّؤال الشيّق أن أنبّه بأنّ الحركة التي أشار اليها "ماتيو دييس". تخصّ قارئ القصّة القصيرة جدّا دون سواه ولا يمكن تعميمها كقاعدة عامّة. ذلك أنّ الحركة التي يقوم بها المبدع الوامض هي حركة عكسيّة تماما... ينطلق من الكبير المتشظّي إلى الصّغير اللّامتناهي. عالم في نقطة، وبحر في قدح!

هل من نميمة بيضاء وباقتضاب عن نصّك الرّوائي الأخير غوانتانامو؟

    مناخ الرواية عموما يدور بين الاهداء والتصدير اللّذين جاءا فيهما: "إلى من ناوشتهم سياط العذاب ظلما. إلى كل إنسان حرّ." أمّا التّصدير فلشيخ المناضلين نيلسون منديلا: "ليس حُرًّا من يُهان أمامه انسان ولا يشعر بالإهانة." ولقارئ الحوار أن يربط ذلك بالعنوان ويترك خياله يرحل الى هناك.

كلمة أخيرة سي حسن.

أجدّد لك شكري المبدع الكبير عبد الله المتّقي. كان الحوار معك ممتعا للغاية. أفسحت لي المجال كي أتنفّس برئة جديدة. ما لا يستطيع المبدع قوله في نصوصه باعتباره محكوما بقوانينها، يقوله في الحوار بلا مواربة، بعيدا عن مساحيق الفنّ ومراوغاته. أسئلتك كانت ذكيّة جدّا ودقيقة. إنّها لم تخرج عن قوانين الأدب الوامض. كلمات موجزة تخفي وراءها كثيرا من المعنى. أحسن الله اليك.


حوار تربوي يجيب عليه المشرف التربوي فراس حج محمد

 


فريق منهجيات:

وصلني عبر البريد الإلكتروني، هذه الأسئلة من موقع مجلة منهجيات التربوية (بدر عثمان، من هيأة تحرير المجلة)، للإجابة عليها. هذه الأسئلة موجهة للمعلمين في الأساس، ومعدة لتنشر في باب "دردشة" في موقع المجلة.

لقد عملتُ معلماً مدة تزيد عن (12) عاماً، وأعمل مشرفا تربوياً لمبحث اللغة العربية منذ عام 2008 وحتى الآن، وشاركت في تدريب المعلمين، وإعداد مواد تدريبية، والإشراف على عملية التعليم- ضمن ما تتيحه مهام عملي- في مديرية جنوب نابلس، وهي إحدى المديريات الفرعية التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية.

تتمركز الأسئلة حول التعليم في ما بعد فترة كورونا، وحول فلسفة التعليم، وكنت قد كتبت في هذا الجانب العديد من المقالات، وأرسلت بعضها؛ اثنين أو ثلاثة لمجلة منهجيات، معتذرة عن عدم النشر، لأسباب مختلفة في كل مرة.

اعتمدتْ فلسطين استراتيجية "التعليم عن بعد" عبر منصة "TEAMS" خلال ذروة جائحة كورونا، وتابعتُ كثيرا من الحصص المنفذة عبر هذه المنصة، واستطعت بلورة أفكار متعددة حول التعليم عن بعد، وما نتج عنه من مصطلحات أو مشاكل. بكل تلك العدة أدخل إلى الإجابة على هذه الأسئلة:


1.     كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وكيف ترى مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

التعليم حاجة فطرية، ولا بد من أن يتعلم شخص من آخر، والتعليم بمفهومه الأعم الأشمل في الأصل غير خاضع للمدرسة، فالناس في تعلم مستمر، يتعلم بعضهم من بعض دائماً، ولو لم توجد مدارس لاستمر التعليم الفطري الموجه حسب الخبرات الحياتية اللازمة، خذ مثلا مهمة الصيد في مجتمعات ما قبل "الزراعية"، كان اللاحق يتعلم من السابق هذه المهارة، ومن ثم يعطيها لغيره، وهكذا.

ثمة مستجدات كانت الحياة تدفع الأشخاص لأن يتعلموها، فتعلموا البناء والزراعة، وبسبب تراكم الخبرات الشخصية، أصبح هناك ما يشبه "المنهج" المجرب أولا قبل أن يستقر منهجا معروفا في نتائجه وطرق تدريسه.

هذه الحاجة الفطرية والحياتية، هي التي تدفع الفكر البشري للبحث عن تجاوز المدرسة كمكان للتعلم. كانت المدرسة في حقبة طويلة من الزمن هي المسيطرة سيطرة شبه كاملة على عمليات التعليم في بعض المجتمعات، مع التذكير أن هناك مجتمعات إلى الآن لا تعرف المدرسة.

ارتبطت المدرسة بالفكر المعاصر بحركات السيطرة الناعمة على الشعوب، لأنها كانت مكانَ صنع القيادات، وتدجين الشعوب للرضوخ إلى الأنظمة والقوانين، لذلك يرى كثير من الفلاسفة أن المدرسة أداة من أدوات الاستعمار والتحكم، ويدعون إلى التخلص منها، أو على الأقل التخفيف من نظامها الصارم في البناء وترتيب الغرف الصفية، وفي تنظيم الطلاب داخل أسوار المدرسة وفي الطابور ذي الملامح العسكرية، وفي داخل الصفوف، ووجود العريف، ووجود تراتبية ثابتة؛ للمحافظة على النظام بصارمة مطلقة. كل شيء في هذا الكيان السلطوي يشير إلى ضرورة الخضوع والتسليم المباشر للمسؤول، المدير والمعلمين.

حاول كثير من الفلاسفة والتربويين تحطيم هذه الحالة المخيفة التي جعلت الطالب ينفر من المدرسة ويعدها أشبه بالسجن، يفقد فيها المتعلم حريته بالكامل لينصاع إلى نظام هو انعكاس كلي للنظام الحاكم. فعمل هذا الفريق على التفتيش عن أساليب تفكك هذه المنظومة فأوجدوا أساليب تدريس أكثر حداثية وأكثر حرية، ليصلوا في النهاية إلى أن المدرسة بشكلها الحالي كمكان لم تعد لازمة، لا بد من وجود شكل آخر.

هذا الشكل وجد أخيرا في الصفوف الافتراضية، ووجد العالم الفرصة سانحة في فترة جائحة كورونا لعمل ذلك، لكن النتائج لم تكن كما يجب لعدة أسباب، ناقشت بعضها في مقالات سابقة.

اليوم في ظروف الحرب الأكروانية الروسية مثلاً، تحول الطلاب إلى التعليم الإلكتروني، هذا ما أفادني به طلاب يدرسون الطب في أوكرانيا، العملية ناجحة، كثير من الجامعات تستخدم التعليم عن بعد، والتعليم المفتوح، والتعليم بالانتساب حتى قبل الجائحة، كلها في العمق تعيد الطالب إلى فطريته الأولى في التعليم ليسترد بعضا من حريته المسلوبة ضمن أسوار المدرسة والجامعة، وليتعلم بمفرده، ما يلزمه، وبالطريقة التي يريد نوعاً ما، وعلى الأقل يتمتع بحرية أكبر مما هو في الشكل التقليدي للتعليم الكلاسيكي.

في هذه الحالة، المتعلم نفسه هو الباحث عما يريده في فضاءات مفتوحة وفي كتب متعددة وعند أشخاص هو يختارهم ليتعلم منهم، ولا يُفرضون عليه فرضا، ويتعلم وهو يريد أن يتعلم ليكتسب مهارات يراها لازمة لأن يعتاش أو ليطور من نفسه ومن مهاراته التي يشعر أنها تلزمه في حياته. كثيرون تعلموا مهارات حاسوبية دقيقة، ولغوية معقدة، ومهارات غير عادية بهذه الطريقة، هؤلاء يثبتون للعالم أنه لا حاجة للمدرسة كمكان، لكنهم يثبتون أنه لا بد من وجود معلم ومنهاج، لكن بطرق غير معهودة. 


2.     كيف تصف تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

لم يكن الطلاب على علاقة حسنة مع التكنولوجيا المستخدمة في التعليم، إنهم لم يستفيدوا كما كان مأمولاً، أحب الطلاب العودة إلى التعليم الوجاهي. ويفضلونه على التعليم عن بعد، الأسباب في ذلك لا تعود إلى حبهم للمدرسة. في اعتقادي، الأمر يتعلق برغبتهم ألا تضيع حياتهم سدى، ولو وجد الأهل والطلاب فائدة في التعليم الإلكتروني لأصروا عليه؛ أولياء أمورٍ وتلاميذَ ومدرسين كذلك. هؤلاء جميعا كانوا ضد "التعليم عن بعد".

هذا لا يعني أن الطلاب عادوا أحسن حالاً إلى المدرسة، بل إنهم في بداية رجوعهم، كانوا أكثر مشاغبة، وتفلتا من النظام، لأنهم اعتادوا على الحرية، أحيانا أشعر أن الحرية أهم من التعليم، لولا إجبار الأهل لما تعلم الطلاب شيئا لا في المدرسة ولا في تلك المنصات الخائبة. لقد كانت بالفعل منصات تعيسة ومنفرة. الطلاب يحتاجون إلى شيء آخر غير المدرسة وغير منصة "TEAMS" ليتعلموا. ما هو؟ لا أستطيع أن أجزم. لكنهم يحبون التعليم وفي داخل كل شخص رغبة لأن يتعلم جديدا كل لحظة. لأن الإنسان خلق ليتعلم، لا ليكون مجرد آلة تستهلك الطعام والشراب. فالإنسان ليس حيواناً للخدمة كما تريده الأنظمة الحاكمة، وطنية أو استعمارية.


3.     اختر شيئًا واحدًا تودّ تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

المقررات الدراسية؛ فهي تعيسة لا تتوافق والأجيال اليوم، وما تفكر فيه، تشعرهم بالاغتراب عما وعمن حولهم، ولا تشبع فضولهم العلمي، وعدا ذلك فهي طويلة ومرهقة، فيها كم هائل من المعارف غير المهضومة، ولا يتيح الوقت والنظام التعليمي لأن تهضم جيدا، ينعدم فيها أو يكاد البعد المهاري المرتبط بحياة الطلاب، لا تشجع على البحث والتقصي، ولا تتيح لهم بناء منظومة أخلاقية متكاملة أو منهج للتفكير مترابط وكليّ، ولا تخلق الدافعية لفهمها.

إضافة إلى ما في تلك المقررات من إخلالات منهجية في تأليفها، فلا تحكمها فكرة فلسفية معرفية مؤثرة، بل إنها عبارة عن كمشات متفرقة من المعرفة وضعت ضمن دفتي الكتب، كأنها قراطيس "مخلوطة" لا أكثر. ولا تخلو تلك الكمشات المعرفية أحيانا من الأخطاء المعرفية. إنها باختصار- في الأغلب- تعلم الخطأ بطريقة خاطئة أيضا، وبالتالي فالنتائج خاطئة بلا شك؛ بناء على عبارة المنطق الشائعة التي تلخص حال المقررات الدراسية التي تسير من تعيس إلى أتعس في فلسطين على سبيل المثال.


4.     برأيك، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

في كثير من الأحيان، توجد أساليب كثيرة يمكن أن تستفيد من الفنون والموسيقى في التعليم، بدءا من اللغة العربية التي يمكن توظيف الدراما والمسرح والنشيد والرسم والتشخيص في عملية التدريس. القصة أسلوب مناسب جدا للتعليم، تلحين القصائد أيضا. في واحدة من حصص اللغة العربية شغّل المعلم الموسيقى الهادئة والطلاب يكتبون في كراسات الخط.

يمكن الاستفادة من عملية النَّظْم أيضا، نظْم القواعد شعرا ليُغنّى، ليس فقط في قواعد العربية، كما فعلت في إحدى الدورات التدريبية التي أعددتها، يمكن أن نصوغ قوانين الرياضيات شعرا وأغانيَ، وكثير من المباحث يمكن لها أن تستفيد من الفنون، في الرسم والتشخيص، الرياضيات والعلوم مبحثان مهمان من أجل هذا الغرض.

التعليم في فلسطين لا تغيب عنه هذه الأساليب ولا هذه الاستراتيجيات، المعلمون على سبيل المثال تدربوا على "التعلم باللعب"، و"التعلم بالموسيقى"، وتدربوا على نظرية الذكاءات المتعددة، كما تدربوا على أساليب التعلم النشط والفعال والتعلم بالحياة. كثير من المعلمين يطبقون كل تلك الأساليب وأكثر. إن منهم مبدعين في حقيقة الأمر. لكن ما يفقد هذه الأساليب فاعليتها الدائمة أنها مبتورة وانتقائية ومرحلية، ولا تحكمها فكرة أكبر ضمن فلسفة تعليم كبرى. إنما تجيء ضمن مشاريع، محكومة بالممول وبالبرنامج التي جاءت في سياقه.


5.     إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

عملية ابتكار طريقة للتقييم تفترض تغيير المقررات الدراسية، وطرق تدريسها، والانتقال إلى أفق أوسع من التعليم خارج أسوار المدرسة. التقييم الذي أطمح به بناء على تلك المعطيات هو التقييم المهاري فقط، لا تعنيني المعرفة، إذ لا بد منها للطالب نفسه، عليه بدافع ذاتي أن يسعى إلى امتلاكها من أجل إتقان المهارات، أنا كمعلم يعنيني ماذا يحسن هذا الطالب من تلك المهارات، أي أن يكون التقييم متوجها نحو الكفايات، والكفايات فقط، "فقيمة كل امرئ بما يحسن". وليست قيمته بما يحفظ.

التعليم ما زال يدور حول نفسه، يريد أن يحشو عقول الطلاب بالمعلومات، ويغلّ أيديهم، فلا يحسنون شيئا، المجتمع يريد من ينفعه، لا من يجتر له معلومات الكتب. المجتمع ينتظر من يحرره.

نحن في فلسطين يجب أن يتعلم الطلاب كيفية التصنيع العسكري، ليحموا أنفسهم من الهمجية الاستعمارية، عملا بالقول: علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، هذه هي المهارات التي يجب أن يمتحن بها الطلاب، بتجلياتها المعاصرة، من مهارة الرماية وتطوراتها، وركوب الخيل وما أصبحت عليه اليوم من معدات، والسباحة وما ترمي إليه من ركوب البحار وما يلزم من معدات. شعب تحت الاحتلال يجب أن يكون جميع أفراده مؤهلين ليكونوا مقاتلين، حتى يمتلك زمام أمره ويصبح شعبا ذا إرادة سياسية حرّة ومستقلة.

على النظام التعليمي وراسمي السياسة التربوية في فلسطين أن يدركوا ويواجهوا أنفسهم بحقيقة مهمة: "القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني لم يحم أطفالنا من القتل والسجن، وهم مقتولون اليوم وغدا كما قتلوا أمس". فلذلك يجب على المسؤولين أن يفكروا جديا بفهم أعمق للتعليم المقاوم، وعليه يجب أن يكون "التقييم" بناء على هذه الفلسفة؛ الطالب المحارب.


6.     كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

ينطلق التعليم الناجح من توظيف الخبرات السابقة للمتعلم، وكل ما لدى الطلاب من خبرات مكتسبة من تفاصيل الحياة اليومية نافعة بلا شك في بناء تعلم فعال، إذ لا بد من أن يستفيد التعليم من تلك التفاصيل، ويطور من وعي الطلاب بناء عليها، ويطور من تلك الخبرات، لتسير عملية التعليم باتجاهين من وإلى المجتمع، ولتكون مرتبطة بشكل منهجي وفعال وبنيوي بحياة الطالب التي يعيشها في البيت وفي المدرسة وفي الدكان وفي دور العبادة وفي وسائل المواصلات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي تعامله مع ألعابه الإلكترونية.

لا بد من أن يتجه التعليم إلى جَسْر الهُوّة ما بين المقرر وما بين حياة الطالب ليشعر الطالب بالفائدة- على الأقل- إن لم يشعر بالمتعة، فتحضر هذه التفاصيل في كل مباحث التدريس، في التربية الدينية، وفي اللغات، وفي الاجتماعيات، وفي الرياضيات والعلوم، وفي التربية الفنية والتربية البدنية والتربية التكنولوجية، كلها يجب أن تستفيد من تلك التفاصيل اليومية، لأن تلك المباحث لها صلة قوية بحياة الطلاب.


7.     ما هو التعبير الذي تُحبّ أن تراه على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّ أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

أن يكونوا مبتسمين دائما خلال الحصة، حريصين على المشاركة في كل الفعاليات التعليمية، مندمجين عن رغبة في عملية التعليم. لا يشعرون بالوقت كيف يمضي. لقد حققتُ كثيرا من ذلك، خلال عملي معلماً. لكنني ما زلت أطمح بالكثير منه عند المعلمين الذين أشرف عليهم.

أكثر مكان تحبه ليس هو المكان الأكثر إقامة فيه بالضرورة، الطلاب يتفلتون من البيوت ومن المدارس، لأن ثمة ما يقيد حركاتهم ويحد من حرياتهم. على الأقل أحب أن يعود الطلاب إلى المدرسة في اليوم التالي وعندهم رغبة حقيقية في التعلم، لأن ثمة ما يرغبون في تعلمه، يعودون وهم محملون بنتائج إيجابية لأبحاثهم وبمجموعة من التساؤلات التي تتصل بقلق المعرفة التي يواجهونها في حياتهم.

لا أتوقع أن يغادر الطلاب المدرسة وهم راغبون في البقاء فيها لوقت أطول، أو أنهم يتمنون أن يطول يومهم الدراسي. إنما أن يكونوا أقل إحساساً بضرورة مغادرة المدرسة في أي فرصة سانحة. لا طالب يحب المدرسة إلى هذا الحد الخيالي المتوهم في ذهن واضع السؤال.


8.     من هو الطالب المُلهم؟

الطالب الممتلئ بالأسئلة، هو طالب جدير بالتقدير، لأنه دافع أساسيّ لرفع الجاهزية في عملية التعليم المتبادلة بين طرفيها؛ المعلم والمتعلم. الطالب الذي يربط تلقائيا بما يتعلم وبين أشياء في حياته الاجتماعية، ويريد إجابات لأسئلة تشكل لديه معضلات لقضايا صعبة. الطالب الملهم هو الطالب الذي يريد أن يكون التعليم عاملا أساسيا في حياته، فهو يتعلم ليكون أكثر وعياً.


9.     كصديقٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

"التفكير الدائم بما يجب عليهم فعله بعد عملية التعلم والتعليم"، إذ لا يكفي أن نتعلم، صفّاً وراء صفّ دون أن نسائل عملية التعليم وجدواها، واتصالها المباشر بحياتنا الخاصة والاجتماعية، يجب أن يُحدث التعليم فرقا أساسيا في حياتنا. لا معنى أن نكون شعباً متعلماً وما زلنا تحت الاحتلال لأكثر من سبعين عاماً. التعليم وكل منظوماته تقول إن هناك خللا كبيرا، يجب أن ننتبه إليه، وإلا لكنا كالنعامة. أخشى أن نكون كذلك، ونحن  لا نريد أن نعترف بهذه الحقيقة الصادمة.


10.             إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختار؟

أشجعهم على زيارة القرى المهجرة في فلسطين المحتلة عام 1948. يجب أن يتعرف الطلاب على عدوهم الذي يحتلهم بأبشع صوره، وتخصيص يوم في الشهر لعرض فيلم حول تلك المجازر التي فعلها العدو فينا، من أجل أن يفهم الطلاب جيدا أن هذا العدو يجب أن يزول، فهو عدو للحياة، بشرا وحجرا وشجراً، وأن يكون عندهم استعداد لإزالته، مستخدمين "التعليم المقاوم" من أجل ذلك، التعليم الذي يؤهلهم لدحر الاحتلال عسكريا، وليس بأوهام المقاومة السلمية الخاوية من المنطق.


أيار 2022