الكاتب حسن سالمي: لا يمكن لرواية واحدة أن تقول كلّ شيء



حوار بين الصّحفيّة وحيدة المي والرّوائي حسن سالمي/تونس

فاز هذه السّنة بجائزة توفيق بكّار للرّواية العربيّة، يعكس الحياة في كتاباته بكلّ تناقضاتها ويحاول نقل عدسة السّرد إلى المواضع والأماكن المعتّمة. يسعى إلى التّجديد، ينتصر لمبدأ الاختلاف ويستثمره جماليا ودلاليّا، ويرى أنّه على الكاتب اليوم التّفكير بجدية في استعادة القارئ الهارب... الكاتب حسن سالمي جمعنا به هذا الحوار:

أجدّد التهاني بفوز روايتك " الطيف" بجائزة توفيق بكار للرواية العربية.

شكرا أستاذة وحيدة على هذه التهنئة اللّطيفة وشكراعلى هذه الفرصة للحوار.

حرصت في هذه الرواية المتوّجة على التجديد من حيث التقنيات والآليات الفنية وتعدّد الأصوات، هل التجديد توجه ذاتي أم هو نتاج اطلاع على التحوّلات في الرواية العالمية؟

الرّواية هي بنت عصرها وسابقة له أحيانا، لكن لا يمكن أن يُكتب لها البقاء لو كتبت بشروط عصور سالفة. يمكن أن تستفيدمن الإرث السرديّ الكبير في العالموتهضم تجاربه العميقة على نحو ما. بيد أنّ التصاقها بواقعها الرّاهن ضمن دوائره المتشعّبة والمتداخلة، يفرض عليها أن تقوم على نظام أشبه ما يكون بالنّظام الذي تقوم عليه الدّول المتقدّمة. تقطع مع نظام الاستبداد والتعسّف وانحصار الفعل في جهة واحدة وتبشر بنظام جديد يقوم على التعدّد والموازنة بين مكوّناته،ويؤمن بحقّ الاختلاف وواجبه معا...في كلمة، التجديد في الكتابة على ضوء مبدأ التعدد، هو موقف ورؤية تنبع من ذات الكاتب أوّلا وقد تلتقي مع التجارب الأخرى في العالم.

هناك اشتغال كبير في روايتك على التّنوّع والتعدد في الشخوص والأحداث والمكان والزمان، ما الذي أراد حسن سالمي الكاتب قوله من خلال ذلك؟

عندما نتأمّل الكون من حولنا ونتأمّل مظاهر الحياة... سريعا ما نكتشف أنّ التعدّد في الأنواع والأجناسوالألوان والأشكال والأحجام والمسافات والأبعاد والأصوات والرّوائح والطّعائم ونحو ذلك هو قانون محوريٌّللكون يحفظ توازنه وتماسكه... كذلك عندما نتأمّل أنفسنا: مختلفون في كلّ شيء. سواءً من حيث الخِلقة أم من حيث الفكر والهوى والميل والمعتقد وما إلى ذلك... ما أريد قوله أنّ الاختلاف سنّة كونيّة كبرى، عندما تعسّف عليها الإنسان جنى على نفسه وحوّل تاريخه الى سلسلة فظيعة من الجرائم والمظالم. مهمّة المبدع أن ينتصر لمبدأ الاختلاف على طريقته وينزّله في نسيج العالم الذي يصنعه، ويثبت لنفسه ولغيره أنّه قادر على استيعاب المختلف ومن ثُمّ استثماره جماليّا ودلاليّا.

رغم الحرص على التجديد البنيوي والتقني لروايتك إلا أنّ مشغلها سرديّا أو تمثّلك للحياة لم يخرج عن هموم ومشاغل التونسي ما قبل الثورة وبعدها، ألا ترى أن التجديد يجب أن يكون شاملا أي شكلا ومضمونا؟

لا يمكن لرواية واحدة أن تقول كلّ شيء. هي تراهن على منطقة ما وتحاول أن تسلّط عليها الضّوء بما يخدم أهدافها. وأن تشتغل رواية الطّيف على هموم ومشاغل التّونسي فلا يعني أنّها فوّتت عليها فرصة توسيعدائرة تجديدها الى الحدّ المأمول. عندما خلَقَتْ نماذج تونسيّة هي في الحقيقة تعبّر من خلالها عن مشاكل وهموم الشّعوب العربيّة التي مرّت بزمن الاستبداد، ثمّ فاجأتها الثورة وما انعكس عنها من ردود أفعال ومواقف متباينة.  وأمام القضايا الحارقة التي طرحتها اشتغلت على شكل النّص الذي يلائمها ويلائم شخوصها. وهذا الشّكل أزعم أنّه راهن على التّجريب الى الحدود القصوى الممكنة، ولا يسع المجال كي نأتي على مظاهره.

كيف يمكن للكاتب أن يتحرر من مسألة التجنيس الإبداعي ولا يغيّب روح النص وهويته سواء كان رواية أو قصة؟

تلك هي المعادلة... أمام التّحديات الجمّة التي تنتصب في وجه الرّواية، خصوصا قدرتها على منافسة طوفان الصّورة ووسائل التّواصل الاجتماعي ونحوهما، فإنّه توجّب تغيير قواعد كتابتها والتّعديد من منابع استلهاماتها. لقد أضحت الرّواية ملتقى لفنون شتّى وطرائق تعبيرية مختلفة من كلّ العالم. التّحدّي كيف تتعامل مع تلك الأجناس المفارقة لهويّتها وتحسن هضمها دون أن تذوب فيها؟ كيف تخرج من تلك الخلطة العجيبة دون أن تفقد هويّتها وما يمكن أن يميّزها من غيرها. المسألة دقيقة وحسّاسة جدّا. وأعتقد أنّ السّرّ يكمن في التمييز بين الثّوابت التي تضمن القدر الكافي من هويّتها والمتّحوّلات المفتوحة على آفاق الجمال وأشواق الفنّ.

تصر من خلال كتاباتك على حماية الهُويّة العربية من الذوبان وتنتقد الأعمال الرغبة في تحقيق النجاح على حساب القيم والمبادئ... ألا ترى أنك تضعنا أمام معادلة صعبة وتزج بالإبداع في الأحكام الأخلاقوية؟

أختلف معك في هذه النّقطة. أوّلا، لا يمكن الحسم بهذا الرّأي القاطع إلّا إذا أحطت بتجربة حسن سالمي ككل، ليس إلى حدود هذه اللّحظة فقط بل يجب أن تمتدّ الى كلّ المسيرة والتي لم تنته بعد.  ثانيا من خلال الأعمال التي كتبتها ونشرتها والتي لم أنشرها بعد صنعت نماذج من الشّخصيات مختلفة في السّلوك والموقف والرّأي والفكر والانتماء والمنشأ من دون أن أسقطها في النّمط الواحد المكرور. وأزعم انّني وقَفت منها جميعا مسافة واحدة. ولم أجعل منها ظلّا لي. صحيح أن ذاتي تتسّرب أحيانا هنا وهناك ولكن المبدأ الغالب هو انعكاس الحياة على صفحات ما أكتب، والحياة كما أسلفت تقوم على التّعدّد والاختلاف في كلّ شيء.  فضلا عن أنّ محاولة نقل عدسة السّرد دائما الى الأماكن والمواضع المعتّمة دون اعتبار للأحكام الأخلاقوية لأنّها نسبية تماما.

ألا ترى أنه أصبح من الضروري أن يغيّر الكاتب طريقته في الكتابة وأسلوبه في ظل مغريات عديدة قلّصت من أفق انتشار المكتوب الورقي؟

 الحقيقة لم يتقلّص انتشار المكتوب الورقي فقط لأنّ الكاتب لم يغيّر من قواعد اللّعبة. والدّليل أنّ كثير من الأعمال الجيّدة التي راعى فيها كُتّابها هذا الجانب انحصر انتشارها فقط في جزء ضئيل من النّخبة. في حين لم تصل الى البقيّة الباقية والاختصار على أنّها مجرّد أغلفة على صفحات الفيسبوك... المشكلة أكبر بهذا بكثير. وعموما على الكاتب من جانبه أن يتنبّه الى هذه النّقطة المهمة ويجعل نصب عينيه كيفيّة إعادة الجماهير الهاربة من الكتاب الورقي وشدّها على نحو ينافس فيه جمال الصّورة والعوالم الافتراضية ووسائل التّواصل الاجتماعي مع مراعاة نمط عيش الانسان الجديد والضغوط التي يتعرّض إليها.

إذن كيف نعيد ترميم علاقة التونسي المعطوبة بالكتاب؟

سؤال كبير وصعب. ولا يمكن لبضعة أسطر أن تفي حقّه في الإجابة. لكن يمكن القول أن يساهم كلٌ من موقعه في حلّ هذا الاشكال. ابتداء من المناهج والبرامج التربويّة وتشجيع النّاشئة ومحاولة تعديل علاقتها بالحواسيب والهواتف الجوّالة، فظلا عن افساح المجال للكتاب والمبدعين في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية بعد أن احتلّتها وجوه لا علاقة لها بالثقافة... بالإضافة الى مراجعة طرق النّشر وتطويرها وفق دراسات علميّة والخروج بالكتاب الى العالم الرّحب دون سجنه في الرفوف والمخازن.

كتبتَ القصة والقصة قصيرة جدا والرواية والنقد. ألا ترى أن التعدّد يؤدي إلى التشتّت؟

دائما يوجد شيء ما لا يستطيع ان يقوله هذا الجنس أو ذاك.  ثمّة من يصمت عن أكثره ويحوّله إلى مجرّد حديث في المجالس مكتفيا بما استطاع جنسه الادبي من استيعابه. وثمّة من يُوهَب طرق القول فيجعل منها خزائن جميلة لمشاغله الإبداعية وقضاياه الحارقة. لا أعتبر ذلك تشتتا بل ميزة تثري تجربته وتنضج رؤيته الى الكتابة... فضلا عن هذا الاشتغال المتعدّد في طرق التعبير تأتي به سياقات خاصة تعترض الكاتب في حياته وليس له إلّا أن يلبّي.

صرحت في حوار سابق "ما ابتلينا به هو ظهور طبقة من الكُتَّابِ لا تقرأ كثيرا. والنّتيجة هي نصوص متعثّرة مازالت تحمل وهن البدايات "... نقرأ موقفك بين القسوة على الأقلام الجديدة والتعالي، ما رأيك؟

محدثّك أبعد ما يكون عن التّعالي.  أنا صدعت بالحقيقة من وجهة نظري ونتيجة لما استقرّ في ذهني من تجارب عاينتها شخصيّا. وما دفَعني لهذا الموقف الذي وسمتيه بالقسوةإلّا الغيرة على الرّواية والكتابة عموما. انظري إلى حال الشّعر كيف أصبح بعد أن دخل عليه من ليس منه، ومن اقتصرت همّته على تسويد البياض دون أن يفوِّتَه إلى منازل الإبداع الحقيقيّة. انحصرت دائرته انحصارا شديدا، وكثير من دور النشر عزفت عن طباعته لكساده في السوق، وحينما يقام له مهرجانا لا يحضر فيه إلّا القلّة القليلة. ذلك أنّ الكثرة الكثيرة التي لم تمرّ بغربال النّقد أعطت صورة للمتلقّي على أنّ الشّعر كلّه أصبح رديئا... والحق أخشى على الرواية من هذا المصير. وللعلم فإنّ الكتّاب الذين لا يقرؤون لا أعنى بهم الأقلام الجديدة حصرا. فمن هؤلاء تجارب على حداثتها غاية في الأهميّة وأمامها الوقت كي تنضج وتأخذ المشعل عن جدارة.

انت بصدد كتابة ثلاثية "المحاق" في شكل مجلّد،والحال أن الإطالة لم تعد اليوم من سمات الكتابة الروائية، ما الدّاعي لذلك؟

لقد وضعت يدك على الجرح. عندما كتبت المحاق كتبتها بمعزل عن ظروف النّشر وعن القارئ. تركتها تنساب تلقائيّا في سبع سنوات كاملة. ولقد استنزفت منّي وقتا وجهدا وقلقا. لكنّي لم أتركها حتّى استوت على سوقها... وقسّمتها الى ثلاثة أجزاء في ألف صفحة. المفاجأة هي أنّني اصطدمت بالواقع بعد ذلك. اصطدمت بظروف النّشر سواء من حيث جديّة انتشارها أو من حيث كلفتها أو من حيث ذهابها إلى ناشر يأكل عرقي ويحتكرها لنفسه بضع سنين مع الدّفع من جيبي مسبقا! حتّى المسابقات كان حجمها الكبير عائقا أمامها. فمن هي اللّجنة التي تصبر على قراءة ألف صفحة كاملة؟ !... بعد سنوات أخرى أعدت الاشتغال عليها وتعاملت معها بصرامة كاتب القصّة القصيرة جدّا، ولكن بحذر شديد ووعي شقيّ. فالمهمة كانت صعبة للغاية... المهم صارت اليوم في جزئين في حجم مقبول ولكن ما زالت تنتظر حظّها في النّشر...


من هو حسن سالمي؟

حسن سالمي أديب تونسي من مواليد 1971 بتوزر. صدر له: "التيه" (مجموعة قصصيّة) /"البدايات" (رواية)/"زُغْدَة" (مجموعة قصصيّة) /"الدّماء لا تنبت القمح" (قصص قصيرة جدّا) /"مأدبة للغبار" (قصص قصيرة جدّا) /"الإشارات" (دراسات نقديّة) /"الطيف"(رواية).

له في انتظار الطبع: "المحاق" (رواية في جزئين) /"غوانتانامو " (رواية)/ "أرض الزّعفران" (رواية للناشئين) /"وطن وضباع"(رواية للناشئين).

شارك في عدد من المسابقات وفاز بعدة جوائز منها جائزة توفيق بكار للرواية العربيّة هذه السّنة، عضو باتحاد الكتاب التونسيين وأمين مال جمعيّة مداد للقراءة والكتاب... 


لقاء مع الأديب المقدسي الكبير جميل السلحوت


 لقاء  مع الأديب المقدسي الكبير " جميل السلحوت " أجرته  مجلة وموقع حرمون| لبنان

بإدارة " الأستاذ هاني الحلبي"


الأديب المقدسيّ جميل السلحوت لـ حرمون : لا يمكن لأديب أن يُنهي مشروعاً أدبيّاً.. ولا يتسع عمري المحدود لمطالعة آلاف الكتب المشتهاة

حتى الآن هُزِمنا سياسياً وعسكرياً، لكننا لم ولن نُهزَم ثقافياً فنحن سليلو ثقافة عريقة لا تموت

المقدسيّون جزء لا يتجزّأ من الشعب الفلسطينيّ والقدس عاصمة دولة فلسطين العتيدة.

حاورته الأديبة الفلسطينيّة: إسراء عبوشي

تدقيق: هيا الجرماني

من الطفولة الذبيحة، وحياة بمحض الصدفة، أتى لنا أديب يقف على مؤشر البوصلة دائماً، ويوجّهها بالاتجاه الصحيح، نحو القدس ويساند المرأة ويقاتل الجهل.

يحمل قضية شعبه الذي يعيش تحت احتلال غاشم، وبلا مؤاخذة ينتقد الشعوب العربية والإسلامية، التي تعيش تحت 22 احتلالاً، تستطيع أن تبدأ صباحك بمقاله اليوميّ لتعرف أين تذهب، فلا تَضل الطريق.

منحته وزارة الثقافة الفلسطينية لقب “شخصية القدس الثقافية للعام 2012” ويُعتبر من المؤسسين الأوائل لندوة اليوم السابع التي تقام أسبوعياً في مدينة القدس منذ اوائل التسعينيات ولم تتوقف بشكل مباشر سوى فترة بسيطة خلال كورونا لتستانف افتراضياً حتى الآن…

يُسعدنا أن يكون ضيفنا الأديب المقدسيّ جميل السلحوت في موقع حرمون بحوار رشيق غنيّ لمّاح حلفل بالعبر والمآثر..


*الأديب المقدسيّ جميل السلحوت، هل يمكن أن تعطي متابعينا وزوارنا لمحة عن حياتك؟

– حصلت على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية، وعملت مدرساً للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1977 وحتى 1990. اعتُقلت من مارس 1969 وحتى أبريل 1970 وخضعت بعدها للإقامة الجبريّة لمدة ستة أشهر. عملت محررًا في صحف ومجلات منها (الفجر)، (الكاتب)، (الشراع)، (العودة)، (مع الناس)، و(مرايا).

ورئيس تحرير صحيفة (الصدى) الأسبوعية، عضو مؤسس لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، واتحاد الصحافيين الفلسطينيين، وعضو مجلس أمناء المسرح الوطني الفلسطيني ومسرح القصبة، وأحد المؤسسين الرئيسيين لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني منذ عام 1991. عملت مديراً للعلاقات العامة في محافظة القدس في السلطة الفلسطينية من 1998 وحتى 2009.


*ما الهاجس الذي يسيطر عليك حين تكتب؟

– عندما أكتب فإنّني أندمج في الحدث الذي أكتبه وكأني أعيشه، وأثناء كتابتي للرّواية فإنني أتقمّص شخوصها، وأعيش الحالة التي أكتبها.

*إلى أيّ مدى هناك اهتمام بالأدباء المقدسيّين، وهل لهم مشاركات فعّالة في البنية الثقافيّة العربيّة والعالميّة؟

– أستغرب سؤالاً كهذا، فالقدس عاصمة دولتنا العتيدة، ومواطنوها جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني العربي، وإذا كانت القدس تعيش معاناة مضاعفة، فإن بقيّة المناطق الفلسطينية تعيش المعاناة نفسها، بسبب عسف الاحتلال الذي يسابق الزّمن لتهويدها، تساعده في ذلك الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي اعترفت في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، مخالفة بذلك القانون الدّولي وقرارات الشّرعيّة الدوليّة، وتهافت كنوز “اسرائيل” وأميركا الاستراتيجيّة في العالم العربي، والذين يتحكمّون برقاب شعوبهم ومقدّرات أوطانهم، فإنّ ذلك مجرد “كلام عابر”، ونحن في القدس فلسطينيون عرب، ملتزمون بقضايا وهموم وطننا وشعبنا وأمّتنا، وثقافتنا هي الثّقافة العربيّة العريقة، وبالتأكيد فإنّ القدس ولّادة كما هي مدننا وأقطارنا الأخرى، ففيها مبدعون شعراء وروائيّون وقاصّون وفنّانون تشكيليّون، ومسرحيّون وممثّلون وموسيقيّون. وإبداعهم في مجالاتهم المختلفة هو جزء من الإبداع الفلسطينيّ بشكل خاص والعربيّ بشكل عام.


*يعاني الفلسطيني المقدسي من سياسة تهجير وتهويد لمقدّساته، كيف أثر ذلك عليك ككاتب؟ وما هي المعيقات التي واجهتها لتقدّم أدباً يخدم قضية الفلسطيني المقدسي؟

– الكاتب ابن بيئته والواقع الذي يعيشه، وشاء قدرنا نحن الفلسطينيين أن نكون رأس الحربة في التّصدّي للمشروع الصّهيونيّ التّوسّعي الذي يستهدف المنطقة برمّتها، لذا فإنّ كتاباتي – كما هي كتابات زملائي الفلسطينيّين – في غالبيّتها تتمحور حول الصّراع الذي نعيشه، وحول الدّفاع عن حقوقنا الطّبيعيّة في وطننا وسعينا الدّؤوب للخلاص من هذا الاحتلال الكريه، وإقامة دولتنا المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.

والمعيقات كثيرة وكلّها وليدة هذا الاحتلال البغيض الذي أهلك البشر والشّجر والحجر.


*عقود من العطاء ومسيرة حافلة بالأبداع، عاصرتَ أجيالا كيف ترى المستوى الثقافي والوعي وإلى إين يتجه؟ ولماذا هذا التغيّر فيه؟

– الثقافة هي حصيلة بناء متواصل متنامٍ لحيوات وحضارة أجيال، ونحن في فلسطين لنا مساهماتنا الابداعيّة مثلنا مثل بقيّة الشّعوب، مع ضرورة تأكيد أنّنا كعرب مستهلِكون للثّقافة ولسنا منتجين لها، وآخِر مفكّر عربي أنتج ثقافة عالميّة هو الرّاحل ادوارد سعيد (1945-2003)، وقبله ابن بطوطة (1304 – 1377م) وهو أمازيجي مسلم.

ويلاحظ في زمن الهزائم الذي نعيشه، بسبب تهافت بعض الأنظمة العربيّة، لتكريس الهزائم وتحويلها إلى انتصارات وهميّة، أنّ هناك مثقّفين عرباً يسوّقون ثقافة الهزيمة، ويعتبرونها “عقلانيّة”، ومنهم مَن ينتج أدباً؛ ليكون هذا من دون أن يدري منتجوه أنّه سيبقى شاهداً على عهر المرحلة وعهر مَن يتماشون معها؛ ليدخلوا مزابل التّاريخ جماعات وفرادى.


*هل العروبة في مأزق حتى كشفتها عورة التطبيع؟

– العروبة لم تكن يوماً في مأزق، لكن أنظمة الفساد والولاء للأجنبيّ هي التي تعيش أزمات وتخلق أزمات لشعوبها، وعورات أنظمة الفساد والعمالة للأجنبيّ هي التي انكشفت بالتّطبيع، بعد أن سحب مستخدموها منها سلاح الخديعة المتمثّل بالشّجب والاستنكار.


*أين الجمهرة العروبية الإسلاميّة وعولمتها من حق الفلسطيني بالكرامة والحياة؟

– بداية يجب التّأكيد أن لا قصور ولا عيب في الإسلام والعروبة، وإنّما العيب في المتأسلمين والمستعربين الجدد. والشّعوب العربيّة والإسلاميّة كلّها مع فلسطين وشعبها، لكنّ هذه الشّعوب مغلوبة على أمرها من قبل حكّام مفروضين عليها، لفرض الجهل خدمة لأسيادهم. وكما قال الشّيخ جميل بن الحسين ذات يوم: “إذا كان الشّعب الفلسطيني يعيش تحت احتلال واحد، فإنّ الشّعوب العربيّة تعيش تحت اثنين وعشرين احتلالاً، وسيأتي ذلك اليوم الذي سيتحرّر فيه الشعب الفلسطيني وأشقاؤه العرب”.


*ندوة اليوم السابع على مدى ثلاثين عاماً، تلزمك أسبوعياً بمتابعة الأعمال الأدبية ومناقشتها، هذا الجهد إلى أي مدى خدم الحركة الثقافية في الوطن، وعمل على تطوّر الأعمال الأدبية من جهة ومن جهة أخرى كيف حافظ على هويته المقدسيّة ورسالته الثقافيّة والإبداعيّة؟

– يكفي ندوة اليوم السّابع فخراً أنّها الندوة الأسبوعيّة الثّقافيّة الوحيدة في العالم من عرب وعجم المستمرّة والمتواصلة من دون انقطاع منذ بداية آذار – مارس – 1991 حتّى يومنا هذا، وقد توقّفّت لبضعة أشهر بسبب جائحة كورونا، لكنّها ما لبثت أن عادت من خلال برنامج “زووم” على الإنترنت. ونحن خلقنا حراكاً ثقافياً في عاصمتنا العتيدة. وقد قلّدنا كثيرون في أماكن مختلفة في تأسيس لقاءات ثقافيّة في أماكن إقامتهم.


*منذ أكثر من ربع قرن وأنت تنشر مقالاً بعنوان بلا مؤاخذة، وعندما غادرت البلاد وسافرت إلى الولايات المتحدة لم تتوقف عن الكتابة وكتبت (في بلاد العم سام)، فهل أصبحت الكتابة من طقوس حياتك اليوميّة؟ وهل تفكر بكتابة كل ما يمرّ بك؟

نعم أنا أطالع بشكل شبه يوميّ، وأحاول الكتابة عندما تلحّ عليّ فكرة معيّنة. وأنا أجد نفسي في المطالعة والكتابة التي هي بمثابة غذائي الرّوحيّ، ولعلمك وعلم غيرك فإنّني كتبت “الخاصرة الرّخوة” في أميركا عندما كنتُ في زيارة لابني قيس في شيكاغو.


*”أشواك البراري” والطفولة الأليمة، تلك الأشواك هل استطعت أن تتجاوزها، أم أنها ما زالت لصيقة ذكرياتك، وإلى أي مدى ساهمتْ في تكوين شخصيتك؟ وهل نشرتها لتدوّن مرحلة من حياة الشعب الفلسطيني، أم لتكون درساً للأجيال القادمة عن المعاناة والصبر، أم الاثنين معاً؟

– أنا وأبناء جيلي عشنا طفولة ذبيحة بكلّ المقاييس، وما حياتنا إلا مجرّد صدفة لم تتوفّر لها مقوّمات الحياة، والمعاناة والألم لا تنسى.

عندما كتبت ” أشواك البراري” عن طفولتي المعذّبة وعن جوانب من الوضع الاجتماعي العام، تردّدت بنشرها، لكنّني في النهاية نشرتها ليعتبر منها جيل الأبناء والأحفاد، وإذا عاش جيلي من دون رعاية تماماً مثل الأشواك التي تنمو في البراري، فإنّ جيل أبنائي قد توفّرت لهم رعاية صحّيّة وغذائيّة وتعليميّة، لكنّهم يعانون أيضاً هم الآخرون من مظالم الاحتلال، وفقدان الأمن الشخصيّ والعامّ.


*قلم جريء دافع عن حقوق المرأة، وحارب الجهل والتخلف، هل احتلت المرأة الفلسطينية مكانتها التي تستحق في المشهد الثقافي؟

– الثقافة لا تخضع للتقسيم الجندري، فهناك نساء مثقّفات وهناك رجال مثقّفون، وعلى المستوى الأدبي مثلا تفوّقت الرّوائيّة الجزائريّة أحلام مستغانمي على أغلبية الرّوائيّين العرب من المحيط الذي كان هادراً إلى الخليج الذي صار مطبّعاً. ويجب الانتباه ورغم التّربية الذّكوريّة عند كل الشّعوب وإن بتفاوت، فإنّه ليست كل النّساء ملائكة ولا كل الرّجال شياطين، فكلاهما بشر، ولكلّ منهما دوره في الحياة.


*الخاصرة الرخوة والمطلقة رواية بجزءين، لاقتا صدًى واسعاً من النقاد، واهتماماً، انتصرت للمرأة بجرأة، هل سيكون هناك جزء ثالث لتكون سلسلة مناصرة لقضايا المرأة ومحاربة للجهل؟

– نعم أنا أكتب الآن رواية “اليتيمة”.


*الحفيدان لينا وكنان، هل دفعك حبُّهما للكتابة للأطفال؟ أم لكونك كاتباً قادتك الكتابة لتعبّر عن هذا الحب بكتابة القصص لهم؟

كنان هو سبطي ابن بنتي أمينة هو أوّل حفيد لي، ولينا بنت ابني قيس هي الحفيد الثّاني، وهناك ابن وبنت شقيقان لكنان، وشقيقة أخرى للينا، وباسل ابن بنتي لمى، هؤلاء الأطفال هم أحبّ النّاس إلى قلبي، وهم مَن أوحوا إليّ بالكتابة لهم ولغيرهم من الأحفاد، وأعتقد أنّني قد فتحت الباب لكتّاب آخرين ليكتبوا لأحفادهم. ولا يمكن لمن ليس جدّاً أن يكتب للأحفاد لأنّه لم يمرّ بهذه التّجربة، وبالتّالي فهو لا يعرفها على حقيقتها.


*كيف تصف المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ على مستوى العالم العربيّ؟

إن هُزمنا سياسيًا وعسكريًا كعرب، فلن نهزم ثقافيًا، فنحن ورثة ثقافة عريقة لا تموت ولن تموت.


*هل حققتَ مشروعك الأدبي الذي سعيتَ له، أم أنك تتطلّع للمزيد؟

طبعاً لا… ولا يستطيع أحد مهما كان أن ينهي مشروعاً أدبيّا، وبحكم العمر سأغادر الحياة وفي خاطري أن أطالع آلاف الكتب المشتهاة التي لم تتح لي الفرصة لمطالعتها، ولن يُمهلني العمر المحدود أن أكتب كلّ ما يجول في خاطري، رغم أنّ الأفكار تتوالد باستمرار.


*يُعرَف عنك دعمُك للمواهب الشابة، ما هي الرسالة التي تقدّمها للمواهب الشبابية في بداية طريقها؟

عليهم بالمطالعة والمطالعة والمطالعة والاعتناء بلغتهم العربيّة.