الأديب يوسف ناصر بين سؤال وجواب

مقابلة أجراها : الشاعر حاتم جوعيه - المغار

    قبل أن ندخل في تفاصيل المقابلة التي أجريناها مع الصّديق الأستاذ والأديب يوسف ناصر في منزله في كفرسميع ، لا بدّ أوّلاً  أن نشير وبحقّ إلى أنّ العرب المسيحيّين أدّوا دورًا كبيرًا عبر تاريخ العرب القديم والحديث في خدمة الأدب واللغة وغيرها من المجالات ، بدءًا من العصر الجاهليّ الذي عرف شعراء وخطباء مسيحيّين كثيرين مثل امرئ القيس وطرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم التغلبيّ وغيرهم، مرورًا بالعصر الأمويّ والعباسيّ، وانتهاء بالعصر الحديث الذي عرف كبار علماء اللغة العربيّة كالشيخ ناصيف اليازجي، ونجله الشيخ ابراهيم اليازجي وفارس الشدياق وبطرس البستاني وأنستاس الكرملي وغيرهم كثيرون ممّن أكثروا من التأليف والتصنيف في شتّى مجالات اللغة العربيّة ، وممّن كان لهم الفضل الكبير في بعث اللغة العربيّة، ونهضة القوميّة العربيّة في بلاد الشام خاصّة. أمّا في بلادنا فقد عرفت اللغة العربيّة منذ العهد البريطانيّ عددًا من أعلام اللغة المسيحيّين وأساتذتها أمثال نخله زريق، وخليل بيدس، وخليل السكاكيني، وحبيب الخوري وغيرهم ممّن تركوا آثارًا باقية لدى طلابهم. هذا، ولم يقتصر دور العرب المسيحيّين في هذا المجال على بلد دون آخر، بل شمل أكثر البلدان العربيّة دون استثناء.

      والأستاذ أبو غِياث يوسف نعمان ناصر واحد بين ألمع مدرّسي اللغة العربيّة في الجليل خاصّة، والبلاد عامة من أبناء ذلك الرعيل الذين خدموا اللغة العربيّة في مدارسنا الثانويّة أجلّ خدمة، إبّان نشوء هذه المدارس في القرن الماضي، وحين لم يكن غير هؤلاء من المدرّسين يحمل لواء اللغة، وبعث الوعي الوطني، والقومي، والثقافي من خلالها بين الطّلاب العرب بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم، وفي أقسى الأحوال والظروف من عقود القرن الماضي، ، وحين كانت المدارس الثانويّة في الجليل خاصة، تقتصر على عدد قليل من المدارس التي يؤمّها الطلاب من أبناء شعبنا من مختلف قراه، ومناطقه من جنوب النقب والمثلث إلى شمال الجليل، كالمدرسة الثانويّة البلديّة في الناصرة، والكليّة العربيّة الأرثوذكسيّة في حيفا، ومدرسة الرّامة الثانويّة، ومدرسة ينّي الثانويّة في كفرياسيف، ومدرسة ترشيحا الثانويّة وغيرها من  المدارس الأهلية العريقة التي احتضنت كبار أساتذة اللغة العربيّة، منهم من رحلوا، ومنهم ما يزالون يخدمونها حتىّ الآن، والذين تربّى على أيديهم أكثر الشعراء والأدباء والكتّاب من أبناء شعبنا، في أصعب مرحلة من تاريخه وتاريخ مدارسنا. وإذ نخصّ بالذكر هنا أساتذة اللغة العربية في المدرس الثانويّة دون غيرهم من أساتذتها في المدارس الابتدائيّة، والجامعات، فقد كان بين أولئك المدرسين أستاذنا وشاعرنا الأديب يوسف ناصر الذي درّس العربيّة أربعة عقود في مدرسة ترشيحا الثانويّة، وطيّب الذكر الأستاذ الشاعر ابن قرية المغار شكيب جهشان الذي درّسها في مدرسة الرامة الثانوية، وطيّب الذكر الأستاذ مطانس مطانس ابن قرية أبو سنان الذي درّسها في مدرسة يني الثانويّة في كفرياسيف ، وطيب الذكر الأستاذ حبيب حزان ابن الناصرة الذي درّسها مع المرحوم حنا ابراهيم ابن قرية الرينه في المدرسة الثانويّة البلديّة في الناصرة، والأستاذ الشاعر حنّا أبو حنّا الذي درّسها في الكليّة الأرثوذكسيّة في حيفا، وإلياس الحزوري الذي درّسها في ثانويّة الرامة، وكثيرون غيرهم ممّن حملوا لواءها في مدارسنا الثانويّة كالدكتور الشاعر جمال قعوار، وطيب الذكر الشاعر فوزي عبدالله، وطيّب الذكر الأستاذ نمر رواشده، وطيّب الذكر الشاعر حبيب شويري وطيّب الذكر حبيب بولس الذي وافاه أجله قبل فترة وجيزة.
    والأستاذ يوسف ناصر إضافة إلى ما ذكرت، محاضر في جامعة القدس والمراكز التربويّة في القدس والجليل في دورات استكمال معلمي اللغة العربيّة في المدارس الإعداديّة والثانويّة، يحمل شهادة الماجستير في اللغة العربيّة والأدب المقارن، شاعر وأديب، له أعمال أدبيّة عدّة، منها ديوان "ومضات وأعاصير"، ورواية "ضريح الحسناء"، و"المعلّم" في الإعراب، و"ورق ورحيق"، و"قلائد العقيق"، و"لعاب الأفاعي" و"صوت صارخ في البريّة" وغير ذلك من أعمال أدبيّة كثيرة تنتظر الطبع. ومن المعروف أنّه يحظى بتقدير منقطع النظير لدى كلّ من درس على يديه، واحترام لدى أبناء مجتمعنا وشعبنا.

    وفي لقائنا مع الأستاذ يوسف ناصر في منزله، وجهنا له الأسئلة التالية:
    ـ من اللافت أنك سمّيت أبناءك من الأسماء ما ليس لأسرة عربيّة في البلاد؟
    هذا وجه من وجوه انتمائي للغتي، فغِياث نسبة إلى الأخطل التغلبيّ الشاعر المعروف، سيّد قبيلته، والذي يمثّل في سيرته وسيرة قبيلته تغلب مشاعر العزّة والإباء. وجرير، نسبة إلى الشاعر المشهور جرير بن عبد المسيح خال طرفة بن العبد. وعروة، نسبة إلى عروة بن الورد الشاعر الذي يمثّل السخاء والعطاء، والذي جعله عبد الملك بن مروان في مرتبة فوق حاتم الطائي. وقيس ، نسبة إلى قيس بن مسعود الشيبانيّ البكريّ الملقب "بذي الجدّين" لنبل محتده. وإياس نسبة إلى إياس بن قبيصة الطائيّ، أحد ملوك الحيرة وفرسانهم المعدودين . حفظهم الله برعايته ووفقهم مع  أبناء الناس جميعًا.

     ـ ماذا يمكن للقارئ أن يعرف عن مكوّناتك الأدبيّة والشخصيّة !
     أبي وأمّي رحمهما الله كانا ينبوعي الأوّل الذي ما زال يروّي عروقي ولا ينضب رغم ذهابهما منذ أعوام بعيدة من هذا العالم. ذلك الجيل البريء من آبائنا الذي كان يربّي على القيم السامية، ربياني على محبّة الناس دون حدود، والإخلاص والتضحية في سبيلهم، إلى جانب العزّة والأنفة، وهذا فضل نوّهت به في مقالتي "هنا قتلني أبي" من كتابي الأخير " قلائد العقيق"، ويبقى الكمال لله وحده، والعياذ به دائمًا. يضاف إلى ذلك تلك الظروف القاسية التي غشيَتْنا ولم يكن في قلبها أيّ رحمة، فقد نشأتُ في أسرة استفاقت طفولة أبنائها على أب يكابد مرضًا ما برحه سنوات طويلة، يقضيها بين المشافي في الناصرة وحيفا، وأنا وأخوتي وأخواتي كنّا مرحلتئذ "زغب الحواصل" في أسرة تعاني الفقر والحرمان كسائر أبناء القرى في سنوات الخمسين، أوَليست أيّام كهذه تمرّ بك وتلقي في بئر نفسك ما تلقيه من الأحزان والآلام والذكريات ثم تذهب!!  وليت ذلك توقّف عند ذلك، بل تعداه إلى أنّنا أسرة رماها الدهر بغير ما تستحق من عواديه وموجعاته، فقد فقدتْ أختين صبيّتين كالأملود الغضّ أيّام الربيع، وأخًا في ريّق الشباب، ممّا فتح جرحًا داميًا لا يلتئم في نفسي ونفوس أبناء الأسرة كافّة. هذا إضافة إلى أن قدري مشكورًا، قد أنعم عليّ، وشرّفني، بل مجّدي وأسدى إليّ فضلاً عظيمًا إذ خصّني وألقى عليّ من التجارب صخورًا ثقيلة تكاد تنوء بها الجبال الراسيات، ما زلت بفعلها عبر عقدين قابضًا على الجمر، وأترك ذكر تفاصيلها إلى مناسبة أخرى. أوَليست  الأخلاق العظيمة من إقدام وتضحية تكلّف أصحابها ثمنًا باهظًا؟ تلك التجارب، في نظري، ولا أغالي، كانت أعظم كتاب ألقته الحياة بين يديّ وقرأته، ولا أظنّ كتابًا أبلغ منه يقع بين يديّ بعد، إذ كان له فضل عظيم في شحذ مداركي، وصقل عواطفي، وكشف الستار أمام عينيّ عن مناطق واسعة، ومسافات شاسعة في المجتمع كنت أجهلها، مثلما أمدّتني بما لم أكن أعرفه من قبل من طبائع الناس وأنواعهم. ولا أنسى مصدرًا مهمًّا من مصادر تكويني وثقافتي، ذلك ما قرأته من عيون الأدب العربيّ والعالميّ ونفائسه . وقبل ذلك كلّه، تبقى عندي سيرة السيّد المسيح وتعاليمه، أعظم المصادر التي أستلهم منها مبادئي في المحبة والسلام ومناهضة العنصرية وغيرها من الأمراض الخبيثة في هذا العالم. وفيما يتعلّق بتكويني اللغويّ والأدبيّ، فقد بدأتُ أستاذًا لنفسي وما زلت كذلك في كثرة مطالعتي وقراءاتي. أنا لا أكفّ عن القراءة، تجوع نفسي مثل جسدي، والفرق أنّني بفعلها أكول نهم كلّ الوقت على موائد كتبي، وكما ترى تبقى الكتب هكذا مبعثرة في أماكن عدّة من منزلي، فالمكتبة التي تراها ليست تحفة للزينة، وإن كانت تصلح لذلك، لكنّها تبقى صيدليّتي كلّما توجّعت روحي تناولتُ منها جرعة شافية ممّا قاله العظام فتستكين.

     ـ ما الذي قرأته مثلاً ؟
    لا تعجب أنّ جشعي في القراءة، قد حملني على قراءة موسوعات أدبيّة بكاملها، كمعجم الأدباء، والأغاني، ونفح الطيب، وصبح الأعشى، والعقد الفريد، وغيرها كثير من الأدب العربيّ. إضافة إلى الأعمال الأدبيّة الخالدة في الأدب العالمي. أعود إلى سؤالك، أمّا نهجي في اللّغة خاصّة ، فراجع إلى أنّني كنت اتخذت منذ الصغر الشيخ ناصيف اليازجي وغيره من أساطين اللغة العربيّة أساتذتي، خاصّة ما قرأته لهم من كتب فريدة في اللغة، كالمناظرة اللغويّة بين نجله الشيخ ابراهيم اليازجي وبين الشدياق، وهذا الأمر، جعلني أنحو في اللغة نحوًا خاصًّا فيما أكتب يتمثّل في الحرص على دقة اللّغة ورصانتها، وتخيّر ألفاظها، وضبط استعمالها على نهج ما استعملته العرب مع تجنّب الغريب والحوشيّ من الألفاظ.

     ـ وماذا عن انتمائك السياسيّ وموقفك من ذلك؟
    أومن بحقّ كل الشعوب في تقرير مصايرها بنفسها، وأومن بالسلام العادل والدائم الذي يقوم على قيام دولتين مستقلّتين لشعبين يعيشان بأمن وطمأنينة. أومن بحوار العقول لا بحوار البنادق، وأمقت الظلم على أنواعه ضدّ أيّ إنسان. أعظم الانتماءات عندي انتمائي إلى الإنسانية جمعاء والأسرة البشريّة عامّة. لم أنتمِ إلى أيّة حركة، ولم أحمل بطاقة أيّ حزب سياسيّ طوال حياتي،  إذ وددت أن أكون حرّا في فكري لا تابعًا لأحد، لا أرى بعين غيري ولا أسمع بأذنه، أو أن يكون هناك من يجرّ عقلي أمامي، فأكون مجرورًا وراءه، في نظري إنّ أيّ إناء مهما اتّسع لا يمكن أن يتّسع دائمًا للعقل البشريّ النامي والثائر، خاصّة أنّه ما من شيء ثابت في هذا العالم  إلاّ المتغيّر، أما ترى أنّ أعظم الأحزاب والنظريات التي بالغ الناس في تأييدها مرّة عبر التاريخ القديم والحديث، قد بادت وتبدّلت! لذلك اخترت لنفسي أن أكون أنا وحدي حزبًا لنفسي بفكري وإيماني.

    ـ لكنّ العمل السياسيّ ضرورة في عصرنا أليس كذلك؟
    لا شكّ في أنّ الحياة السياسيّة تقتضي إقامة أحزاب تتنفّس من خلالها الجماهير، وتعبّر عن آرائها، وتتخطّى حكم العقل الواحد، وتساهم في الإبداع الفكري وصولاً إلى الصواب، لكنْ لا أدري، يناقض طبعي أن أكون قطعة صغيرة بين آلاف القطع في مركبة تجري بي أينما تشاء، وإن كان كلّ واحد منّا معشر البشر قطعة صغيرة في سفينة هذا العالم، ومن حيث لا نعلم يجري بنا الربّان حيث يشاء في لجّة الزمن السحيق. مع ذلك إنّ أخلاق السياسة تتناقض كثيرًا هي وأخلاقي، وكم يؤلمني أن ترى الرجل أمس في مكان واليوم في مكان آخر حين لم ينل مبتغاه. مع هذا، يبقى لكل واحد شأنه في هذه الدنيا بل أحترم كلّ من لا يرى رأيي  ولا يوافقني!
    ـ كيف ترى واقع اللّغة العربية في البلاد؟
    اللغة العربيّة في عصرنا واقعة في محنة عصيبة ذات أضرار جسيمة، لا بدّ أن ترتدّ على مستقبلها. بل إنّ هنالك من المؤسّسات التي بالغت في تقدير هذه الأضرار، ونعت لنا انقراضها في المستقبل! واقعها في بلادنا كواقعها الرديء في البلاد العربية، ولهذا الواقع أسبابه الكثيرة، أهمّها أن ثقافة الإنسان العربيّ عامّة ثقافة هزيلة ضحلة في مختلف المجالات بينها اللّغة العربيّة. وهذا الأمر يعود إلى جفوة قديمة وفُرقة مستمرّة بين العربيّ وبين الكتاب، ونتيجة لذلك، لا بدّ أن  تتأذّى لغته مثلما يتأذّى وعيه وحاضره ومستقبله. يضاف إلى هذه الأسباب، أن الأمّة العربيّة في أكثرها تعبر اليوم مرحلة غياب الانتماء القوميّ، وعلى نحو فظيع تهجر ارتباطها بعروبتها، مع استبدال الحسّ القومي، وبتوجيه من الغرب، بانتماءات كثيرة أبرزها الأصولية الدينية والمذهبيّة والطائفيّة والإقليميّة، وما اللغة إلا تعبير دائم عن الانتماء القوميّ، والجامعة بين أعراق وأصول شتّى في الأمّة الواحدة، وبقدر ما يضعف هذا الانتماء القومي في النفوس تضعف اللغة في الألسنة. إنّ اللغة أوّل حصون الدفاع وأهم القلاع للذود عن الأمّة، هي خزانة الأمّة وحضارتها دائمًا، وما سقطت أمّة من الأمم يومًا، إلاّ بعد أن سقطت لغتها من ألسنتها. يضاف إلى ذلك، أننا نشهد مرحلة غزو اللغات الأخرى لألسنة أبنائها العرب كالعبرية والإنجليزيّة والفرنسيّة بحكم أن هذه اللغات هي لغات الشّعوب الغالبة أو المحتلّة، ومثلما تتعرّض الأوطان عادة إلى احتلالات بالعساكر والجيوش، هكذا تتعرض الثقافات واللغات أيضًا. وفي نظري، احتلال من هذا القبيل هو الأخطر والأكثر تدميرًا! والعربيّ الذي يحكمه شعور الإنسان المغلوب والمقموع في عصرنا، يعاني أزمة الشعور بالإحباط، وفقدان الثقة بنفسه، وبلغته، خاصّة في غياب الانتماء الواحد، وضياعه في انتماءات متعددة ومتضاربة. ماذا تقول في جيل يهزأ من لغته، وأنها في نظر الكثيرين لغة متّهمة بعسر قواعدها، وأنّها لغة الأعراب، والبادية وأنها لا تنهض بالحضارة الجديدة! وهذا في نظري تجنٍ على لغتنا من أولئك الذين يتّهمونها ويجهلونها.

     ـ فماذا تنصح لإصلاح واقعها؟
    في نظري، إنّ لمعلم اللغة العربيّة أعظم دور في خلاصها ممّا هي فيه، وما كنت أتوقّع يومًا أن أجد أكثر معلمي اللغة العربيّة في مدارسنا الابتدائيّة والثانويّة لا يجيدونها ولا يتضلّعون منها، مع احترامي لعدد قليل منهم. نحن في عصر شهادات لا عصر كفاءات، وما أدراك كيف تُنال أكثر الشّهادات والألقاب! وأستثني كلّ من حازها باستحقاق وجدارة. ولهذا كلّه نتائج سيّئة نشهدها لدى طلابنا، وأنت توافقني في أنّ الطالب الضعيف من المعلّم الضعيف! إنّ جهل المعلّم للغة العربيّة يحجب عن الطالب أنفس الكنوز، ويحرمه أعذب الشراب. إنّه لا يستطيع اكتشاف المواهب ورعايتها لدى طلاّبه. لا يُحسن معلّم العربيّة تدريسها لطلابه إذا لم يكن لديه انتماء أصيل لها، وإذا لم يكن متيّمًا بها يذوقها ويتنشّقها، وإذا لم يتبحر بنفسه في أسرارها، مع الرجوع إلى أمّهات مصادرها، والوقوع على نفائسها، وفرائدها. إنّ معلمي العربيّة في زمن مضى كانوا أشدّ وفاءً لها وأكثر إلمامًا، وأفضل اهتمامًا، فالأستاذ المرحوم حبيب حزان مثلاً مدرس العربيّة في الثانويّة البلديّة في سنوات الخمسين، ألّف كتابًا ضخمًا بعنوان "الأدب الأندلسيّ من الاحتلال إلى الارتحال" ولا شكّ في أنّ هذا الكتاب تحقق بعد التنقيب والدرس المتواصل، هكذا على المعلم أن يكون فلاّحًا يحيا دائمًا بين السنابل .
    ـ ما دمت ترى هذه الآراء، فلماذا إذن لم يشارك يوسف ناصر في  المجامع اللغوية في البلاد؟
    أرجو إعفائي من هذا السؤال.

   ـ قرّاؤك الكثيرون في البلاد يستمتعون بجمال معانيك ولغتك ويعتبرونها فريدة، ما نهجك في الكتابة ؟
    أرفض كلّ تقليد وكلّ قول مبتذل في الأدب. وفي نظري على الأديب أن يصنع من لغته لغة جديدة في أفكارها وأساليبها على نحو تستفزّ مشاعر القارئ وتبعث نشوته. الأديب في نظري هو من يضرب القارئ على قلبه فيصرخ فرحًا من فرط نشوته! كلّ كلام لا يكون كذلك هو كالمسخ الذي يخرج من الرحم ميتًا ولا يرى الحياة. عندي أنّ الأدب الحقيقي كلام خارق، لا كلام عاديّ يكون في متناول كل قلم، ولو أنّه كذلك لما كان هوميروس ودانتي وشكسبير وامرؤ القيس والمتنبي وغيرهم من العظام، يحيون في قلوبنا دون غيرهم. والعمل الأدبيّ إضافة إلى ذلك، يتطلّب جهدًا وعناء في الابتكار، وهندسة معماريّة للشكل والمضمون لحظة مخاض الأفكار والمشاعر،  إنّ النحلة يا أخي تغيب أيّامًا وهي تقطع مسافات طويلة بين الجبال والأودية ، لتعود بقطرة شهد واحدة، هكذا على خيال الأديب أن يرحل بعيدًا في غيبة طويلة يخرج فيها من وكره، ويجنّح بعيدًا في أودية النفس وجبالها وصحاريها، ويرمي بنفسه عميقًا في لجّة الوجود، ليعود بالمعنى الفريد، والأفكار النادرة والعجيبة. مع ذلك، لا أنكر أنّ الأساليب، وهي مطايا القلم، تكاد تكون في أكثرها مألوفة لدى الأدباء منذ نشأة الأدب، وهي بمنزلة الأدوات في أيدي الصانع، تتبدّل وتتجدّد بيديه وفق المصنوع ووفق مهارته. وهذا الأمر لا يمنع أن يترسّم أديب أو شاعر خطا من سبقه في أسلوب من الأساليب، شرط أن يحافظ على دم يجري منه في كلماته، ونبض له في تعابيره، فلا يغرق ويختفي في القاع من لغة غيره وأفكاره. ولا أرى في ذلك عيبًا أو منقصة، على غرار ما فعل ملتون مثلاً في ملحمته "الفردوس المفقود" من تقليد أسلوب "النفي المزدوج" الذي شاع في الملاحم القديمة لهوميروس وفرجيل، أو ما فعله تشوسر، وشكسبير نفسه في انتهاج أسلوب بوكاسى في قصصه، أوَ ليس في شعر المتنبي من طريقة أبي تمام ومن قبله من روح عنترة العبسيّ! ألم ينتهج جبران خليل جبران في أسلوبه خاصّة في استعاراته نهج فرنسيس مرّاش، ووليم بليك ووردزوورث! هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أعتقد أنّ جمال الأدب لا يتوقف على جمال المضمون وحده، بل يتجاوزه إلى جمال اللغة والأسلوب والطريقة، وقد ذكروا إنّ المعاني أرواح والألفاظ أجسادها، وفي نظري لا يكتمل العمل الأدبي إلاّ في اجتماع الأمرين معًا، إنّ للغة العربيّة كنوزًا، وذخائر دفينة كثيرة على الأديب أن يكتشفها، وأكثر كتّاب العربيّة في عصرنا غابت عنهم هذه الحقيقة، بل قل معي إنهم يجهلونها، أو لا يرون لها أيّة قيمة، أو لأنهم كسلى لا يجشّمون أنفسهم جهد الذهاب إليها لتحصيلها في خزائنها. لا تستغرب أنّ أعظم أدباء العالم من أمثال بترارك ودانتي وشكسبير وغيرهم كانوا يعنون باللغة عنايتهم بالأفكار، ولنا في الأدب العربيّ غير واحد من الشعراء الذين كانوا يعنون بتخيّر الكلمات وانتقاء التعابير بعد أن ظفروا بالمعنى وتحقّق لهم اصطياد الفكرة. تلك أهمّ ملامح طريقتي في الكتابة.
    ـ تجمع في كتاباتك  بين الشعر والنثر ؟
    لكل من الشعر والنثر موضوعاته أو حالاته وقضاياه، وما يصلح للتعبير عنه في الشعر من الوسائط، لا يصلح في النثر أحيانًا كثيرة، روح الأديب واحدة، وإن تنوّعت سيولها، وتقلّبت بها فصولها من صيف وشتاء.
      
    ـ ما رأيك في أدبنا المحليّ؟
    في أدبنا المحلّي غير واحد من الشعراء والكتاب والشاعرات والكاتبات، ممّن أحترمهم، بل تربطني بهم علاقة حميمة، ولكل واحد تحيّتي وتقديري لما قدّمه للناس من حشاشة قلمه فيما كتب، غير أنّ أولئك الأحبّاء ـ وحاشا أن أنتقص  قدرهم ـ لا أحسبهم سوى شعراء وكتّاب مرحلة عابرة تمرّ لتحلّ محلّها مرحلة أخرى. من جهة أخرى، ألا ترى أنّنا نشهد هبّة بل هجمة لأولئك الذين يتّخذون من الأدب غايةً، مع افتقارهم إلى المواهب وغياب الأصالة لديهم؟ ألا ترى أنّنا في عصر غياب الأصالة لدى أكثر الفنون من أدب وموسيقا وغناء؟ إنّني أشجّع، بل أفرح وأتهلل لكلّ من يُقبل إلى حلبة الأدب، ويبوح بما يعتلج في خاطره، ومن أولئك من وضعوا الكثير من النصوص بين يديّ كي أقول رأيي فيها، انظر حولك، فلا ترى إلاّ من يريد أن يكون بالقوّة شاعرًا ، وبكثرة النشر ناقدًا، وبطول الثرثرة كاتبًا، وسعيًا للكسب مؤرّخًا. ليس في نظري شيء فضّاح لصاحبه كالكلمة، فمن النّاس من لا يرحمون أنفسهم، بل يجلبون المهانة لأنفسهم من حيث لا يدرون، منهم بدل أن يسكت ويعرف قدره، يدَعُ قلمه يدلّ على فقر ثقافته ، وسذاجة معرفته، ويكشف عن غثاثة قريحته. هذه ظاهرة منتشرة في بلادنا بين مختلف الظواهر الأخرى التي لا تجد تعليلاً لها إلاّ في علم النفس. يا أخي لا تكفي الموهبة وحدها إن توفّرت، إنّ مع الموهبة أمورًا كثيرة أهمّها الاطّلاع الواسع لا المعرفة المحدودة، والتجربة الحيّة لا تقمّص التجربة وادّعاؤها، والإلهام لا الاستلهام، لذا أقول اقرأْ اقرأْ اقرأْ ثلاث مرّات، وأقول اكتبْ مرّة واحدة. استقرئ خبر أكثر الأدباء الكبار في الأدب الغربي، فلا تجدنّ واحدًا منهم قبل أن يكتب، إلاّ قد بلغ أعظم قدر من التجربة، بعد المعرفة الذاتية والأكاديميّة في أرقى جامعات العالم كأكسفورد وكامبردج وهارفارد، مثل ملتون، ودرايدن ووردزورث، وشلي أكبر شاعر إنشادي في الأدب الإنجليزي، وإليوت الذي تلقّى تعليمه في جامعة هارفارد وباريس وأكسفورد معًا. إنّ الساقية لا يمكنها أن تروي السهول العطشى كالنهر المتدفّق، والعندليب لا يمكنه أن يغرّد فوق الغصون ويهيج تباريح القلب، إن لم يكن ما يبعث شدوه وغناءه بين الأطيار.

    ـ وماذا مع النقد المحلّي؟
    النقد أو ما يسمونه نقدًا في أدبنا المحلّي جُلّه نقد  انطباعيّ، يعمد إلى المحاباة والإطراء في أكثره. أقول في أكثره حتى لا يشمل قولي كلّ من كتبوا في هذا المجال. إنّ هذا النوع من النقد ـ إن صحّ أن نسميه نقدًا ـ قد أدّى إلى أضرار جسيمة في مستوى الأدب المحلّي، إذ جعل الأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام كلّ الراغبين في دخولها. إنّ كتابة النقد في نظري لا تقلّ خطرًا عن كتابة الشعر والنثر، وتستوجب اطّلاعًا واسعًا في تاريخ الآداب وأجناسها، إضافة إلى معرفة شاملة في نظريات النقد على المستوى العلميّ، والأكّاديميّ. وفوق ذلك، توفّر الحسّ والذوق والقدرة على تنشّق الكلمات وتشممّ التعابير، إضافة إلى الموضوعيّة والنزاهة والخلوّ من كلّ غرض. إن من يتعاطى النقد، وليس له شيء ممّا ذكرت يتطاول على عمل لم يخُلق له، كمن يداوي الناس ولا يعلم علم الطبّ. من يجهل الناقد الكبير ماثيو أرنولد الذي كان يقسو بنقده إلى أقصى الحدود وفق معايير فنّية شاملة، حين كان يتّخذ له نموذجًا واحدًا من نماذج الأدب الراقي لشاعر من الشعراء الكبار، ويجعله معيارًا للأدب الجيّد، وعليه يقيس، فينفي بموجبه أو يقبل من هو أديب أو شاعر حقًّا. إنّ أولئك الذين يكتبون هذا النوع من النقد في بلادنا، يشاركون الصّحف الكثيرة في البلاد بما ترتكبه من أضرار جسيمة بحقّ الأدب، تتمثّل فيما تقدّمه هذه الصحف من نصوص ذات مستوًى وطيء، حين تجيز لكل من يشاء من الناس الصعود إلى منابرها، وما يعنيها أنها في ذلك تحتقر القارئ فيما تقدمه له على موائدها، كما تفسد أذواق الناس، وتثبّت نهجًا سقيمًا في الكتابة يغدو بعد حين نمطًا مقبولاً يصعب إزالته. وهذا في نظري شكل من أشكال النقد المحلّي ووجه من وجوهه. إن الصّحف الراقية في الغرب كانت تأبى أن تنشر لعمالقة الأدب، وهم في طور النشوء، حين كان يُلقى بين أيديها ما لا يستوفي مقوّمات النشر، ويا طالما أعادت لهم قصائدهم لمراجعتها، حتى نمت مواهبهم، ونضجت قرائحهم بالدربة والمران، كما وقع لشاعر أمريكا الكبير روبرت فروست في مرحلة نشأته إلى أن بلغ أوج عظمته الشعريّة، فاختاره الرئيس الأمريكي جون كندي عام 1961 دون غيره من شعراء أمريكا لينشد قصيدته المشهورة "الهبة بالكامل " في الاحتفال الرئاسيّ الرسميّ، وكان يومئذ قد بلغ من العمر خمسة وثمانين عامًا، فتأمّل!

   
    ـ لكنّا لا نستطيع أن ننكر أنّ للإعلام في وقتنا دوره في تسويق مثل أولئك، ويرفع من ذكر هذا وذاك، أليس كذلك؟
    الإعلام يمكنه أن يصل بأسماء الشعراء والكتّاب إلى أسماع الناس في أقاصي الأرض، ولكنه لا يمكنه أن يصل بهم إلى قلوبهم. لن يشفع للكاتب سوى قلمه، ولن يغني عنه شيء كوسائل الإعلام، وما يسبغ عليه الإعلام من ألقاب "ولو رام أسباب السماء بسلّم"؛ يبقى الزمن المجرّد من كلّ غاية وغرض والمنزّه عن العواطف والمؤثّرات والعلاقات، هو الناقد الأكبر الذي لا يحتفظ بذاكرته إلا بكل ما هو سليل القلم الخالد، وكل ما له مقومات البقاء من الكلام الحيّ الذي لا يموت، مثلما يعيد إلى حجمه الطبيعيّ كلَّ من نفخه الإعلام يومًا .
    ـ أين ترى موقع أدبنا العربيّ من الآداب الأخرى؟
    هذا سؤال يحتاج إلى محاضرة طويلة حتّى أفيه حقّه. أرى أنّ انحدار الأدب من انحدار الأمّة، وارتقاءه من ارتقائها. إنّ عشق  أدبنا العربيّ كما تعلم يدبّ في عظامي، ويجري في عروقي منذ الصغر، وكم اتهمني بعضهم بالانحياز إليه، لكنّه على رقيّه ومواطن جماله ـ وهذه وجهة نظري ـ لا يرقى إلى مستوى الأدب العالمي قديمًا وحديثًا، وذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها وشواهدها في هذا الموضع. أدبنا العربي بدأ قمّة في العصر الجاهلي، وأخذ من هناك ينحدر حتّى بلغ غاية الانحدار فيما نسمّيه عصر الانحطاط، وإن لم يعدم الأدب العربي في هذه الحقبة قلّة من الشعراء الكبار كأبي تمام  وابن الروميّ وأبو فراس والمتنبيّ والمعرّي. وذلك ناتج في نظري، بفعل غلبة الصّناعة على الأدب شعرًا ونثرًا لعوامل يطول ذكرها. ولا أنكر شعراء وكتابًا كبارًا  في العصر الحاضر قد نهضوا بالأدب وبلغوا الذروة في الإبداع، لكنني أعتقد أنّه على قدر الفرق الشاسع بيننا وبين الشعوب الغربيّة من الناحية العلميّة، والثقافيّة والحضاريّة، وعلى قدر تخلّفنا عنهم في ميادين شتّى، هكذا نحن بالنسبة لهم من الناحية الأدبيّة أيضًا، وأرجو ألا أكون مغاليًا فيما أقول.

    ـ أإلى هذا الحدّ؟!
    إنّ أدبنا العربيّ في أكثره عاش بعد العصر الجاهليّ إلى يومنا هذا أدبًا بلاطيًا، وفيه الكثير من النحاس الرخيص لا الذهب الخالص، مما لا يرقى إلى مرتبة الأدب، وقد سبقَنا غيرُنا قبل آلاف السنين إلى أنواع أدبيّة لم يعرفها أدبنا إلا في العصر الحديث. هذا، والكاتب العربيّ ما خلا القليل النادر في العصر الحديث، بقي في أدبه ابن بيئته وأسير ثقافته الموروثة، بل إنّ هزائم الإنسان العربي المنكوب في العصر الحاضر، وبفعل بقاء النوع، جعلته أكثر ارتدادًا إلى هذه الثقافة وتمسّكًا بها، يسلّم بها، ويتولّى دائمًا الثقافة الدفاعية الخالصة عن المخلفات الفكريّة، والعقائد الراسخة. إنّ أمّة لا تردّها نكباتها وجروحها إلى البحث عن علّة هذه النكبات سبيلها أن تبقى في الأخدود المظلم. في نظري، إنّ أكثر ملايين هذه الأمّة تحيا بأجساد القرن الواحد والعشرين، أمّا العقول التي في رؤوسها فتعود إلى أكثر من ألف عام إلى الوراء. ولأسباب عدّة نجد أكثر الأقلام يُشهرها أصحابها في وجه ما هو جديد أو يخالف الموروث، وقلّما وجدنا قلمًا يجرؤ أن يكون جرّاحًا للموروث المتراكم من الأفكار والعادات السقيمة في شتّى المجالات، وإن حصل لنا ذلك فلا يكون إلاّ داخل الإطار نفسه من هذا الموروث، لا يبعد الكاتب منه "لكالطِوَل الملقى وثنياه في اليد"، مع كثير من المحاباة؛  أليس انهيار الأمّة العربيّة على هذا النحو الفظيع في عصرنا، هو دليل انهيار لفكرها، وسقوط لثقافتها وهزيمة لوعيها، وعجز لأقلامها؟ إنّ مناعة أيّة أمّة تكمن في ثقافتها التي توحّدها، وتنهض بها، نحن أمّة نجتاز مرحلة فقدنا فيها مناعتنا، قل لي أين مناعتنا أمام ما يحدث في العالم العربي، وماذا تمخّض الفكر والأدب العربي هنا وهناك وولد غير السلفيّة والرجعيّة والأصوليّة وحركات التكفير ونفي الآخر وإقصائه، حتّى لم يبق فيها موضع للأقليّات العرقيّة والطوائف الدينيّة التي ساهمت في حضارة هذه الأمّة، أوليس هنالك من ينادي اليوم بالخلافة لنعود إلى عهود أهل الذمّة، أهذا هو الإسلام السمح الذي أعرفه حقًّا! أليس في ذلك شكل من أشكال الترحيل والإجلاء؟ أعلم أنّ لهذا الواقع أسبابًا وعوامل كثيرة داخليّة وخارجيّة، لكنّ هذه الأسباب، تؤكّد قاعدة التاريخ الثابتة أنّ الأمّة التي ينحل لديها الرابط القومي يومًا، مصيرها الضياع والتمزّق لا محالة. إنّ غاية الديانات والمذاهب على تنوّعها في الأمّة الواحدة أن تمدّ هذا الرباط بالقوّة، وتزيده منعة، ولا تفرّق. ألا ترى الأمّة العربيّة غارقة في طوفان من التنظيمات والحركات والدعوات والتيارات المتناقضة، ولا يدري الناس أيّها الصحيح! لا أنسى هنا، ومن قبيل العدل والإنصاف، وفي غمرة هذا الواقع المرير، أن ُأكبر أعظم الإكبار أولئك الأخوة الذين يقفون في الصفّ الآخر ويحملون الفكر الحضاري الراقي والثقافة الواعية الرشيدة. هذا الضياع في التيه، أليس شهادة على هزال الفكر والثقافة؟ نحن أمام أمم لا نقدّر التناسل الفكري والتجدّد العلمي والثقافي السريع كلّ يوم لديها، ورغم ذلك نتغنّى بما نحن عليه، وندافع عنه! إنّ غلبة الشعوب تتحقق أوّلاً بجيوش فكرها لا بجيوش عساكرها، وما نحن عليه، راجع في نظري إلى بنية المجتمع العربي المتجمّدة، والتي لم تتغيّر منذ زمن بعيد، إنّ لهذه البنية جناية كبيرة منذ القدم على أدبنا، وعلى كلّ ما يتّصل بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولا يمكن في نظري أن يأتي الخلاص لهذه الأمّة، إلاّ بهزّة ثقافية عنيفة، وزلزال فكري مروّع يقطّع أوصال هذه البنية. أرى أن الأمّة التي يكبو بها جوادها، ويتخلّف دائمًا عن غيره من الجياد في سباق الأمم، يجب عليها أن تستبدله، وتمتطي غيره لتصل مع غيرها نهاية الشوط! وهذه قضيّة تحتاج إلى حديث مستفيض ليس مكانه في هذا الموضع.

    ـ تعتمد في نثرك، لغة يميزها جمالها وعمق أفكارها هل تستحدث في طريقتك جنسًا أدبيّا جديدًا في فن المقالة الحديثة؟
    لا يسمّى الأدب أدبًا إلاّ حين يتوفّر على الإبداع، والجديد من المعاني والأفكار والأساليب، وغير ذلك يكون كلامًا مصنوعًا لا مطبوعًا، وليس له أيّ أثر في نفوس القرّاء، وهذا سبب من أسباب تميّز نصّي في نثري، مع رغبتي في استعمال الكلمة استعمالاً جديدًا غير مبتذل في علاقتها بالمعنى، وموقعها في الجملة، مع ضخها بالمشاعر والإحساسات غير المألوفة، وجلب المعاني الجديدة لها من أقصى المسافات البعيدة الضاربة في أغوار النفس من خلال إعمال الفكر والخيال، مزدانةً أثناء ذلك بالمفردات من الكلمات الناضرة. إنّ هذه الطريقة لاقت استحسانًا عظيمًا، لدى قرّائي إلى درجة ـ ولا فخر ـ أنّ منهم من ذكر لي أنّه قد قرأ كتاب "ورق ورحيق" ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرّة يستنبط معنى جديدًا، ويستوحي حالة خاصّة. وقد ذكر أحد الكهنة في حيفا أنه يقرأ في الكنيسة من مقالاتي يوم الأحد أثناء موعظته الدينيّة. إضافة إلى رسائل الإعجاب الكثيرة التي تصلني كلّ يوم من الأصدقاء والقرّاء. إنها المقالة الخضراء التي تبقى يانعة الكلمات في كلّ الفصول ولا تذبل.

    ـ ما دور الأديب في عصر مثل عصرنا في رأيك؟
    إنّ وسائط الإعلام وأدوات الاتّصال بوسائلها المسموعة والمرئية التي لا تحصى، واختلاط الثقافات وتلاقي الحضارات بفعل ذلك، تُلقي على الأديب في هذا العصر تبعات أثقل من أيّ عصر مضى في واجب الدفاع عن القيم الإنسانيّة، والتعرض لقضايا الإنسان وهمومه، وما تكابده البشريّة من حروب ومآسٍ، وأشد ما يكون ذلك في وباء العنصريّة الذي يفشو في أرجاء العالم ، مع مكافحة الاستبداد والظلم بكل أصنافه. مهمّته أن يبشّر بالسلام بين الناس، وقبول الآخر، واحترام حقّه في الحياة. أنظر حولك إلى العالم، فما الذي تراه غير الحرائق والمجاعات والقتل؟ على الأديب أن يحمل قلمه في يده مصباحًا في هذا العالم المظلم، وبالكلمة المضيئة عليه أن يبشّر بالمحبّة والسلام والعدل ونصرة الحقّ والمظلومين بين الناس والشعوب كافّة. إنّ الكلمة العاطرة خير بذرة تلقيها الأقلام في نفوس الناس وعقولهم. ألا تجد أنّ الأمم والشعوب تفنى، والقصور والقلاع تتهدّم، أمّا الكلمة الحيّة فتبقى سيّارة محمولة في عقولهم جيلاً بعد جيل ولا تسقط. وحدها التي يمكنها أن تمدّ يدها وتخرج شعبًا ميّتًا من قبره، إنّ صلاح العالم من صلاح أدبائه ومفكريه، وإنّ ما نشهده اليوم في عالمنا يشهد على عجز أهل القلم في تحقيق عالم يسوده الأمن والسلام، وذلك بفعل غلبة الأقلام السّامة الكثيرة التي تنفث لعاب العنصرية والطائفيّة، وتنصر الظلم وتؤيّد العدوان، ومن هنا أرى شرطًا لا بدّ للأديب أن يستوفيه حتى يتسمّى بأديب، أن يكون إنسانًا أقرب إلى السماء منه إلى الأرض، كما يكون إناؤه طافحًا بالأخلاق والقيم الرفيعة، يمارسها ويطبّقها، وإلاّ فما الذي يمكنه أن يسقي الناس من إناء فارغ، أو إناء مليء بالرّنق والماء الآسن؟ ومثلما  السراج بغير زيت لا يبعث ضوءًا، هكذا الشجرة اليابسة لا يمكنها أن تعطي ثمرًا.

         
    ـ نهنّئك بإياس الذي يسير على نهجك
    إياس ولا فخر ابن هذا الشعب الحبيب، وواحد من أبنائه الألبّاء المتفوقين، وعاشق متيّم للّغة العربيّة، يدرس للقب الدكتوراه في اللغة العربيّة ويحاضر في الجامعة، ولا يكفّ عن دراستها، والإلمام بأصولها، والغوص في أعماق لجّتها، لاستخراج دراريّها ولآلئها. اختار أن يحيا بين الكتب، ولا شغل لديه سوى التنقيب عن هذه الكلمة، والفحص عن تلك المسألة، وهذا أمر لا تدري كم يسعدني، وهو مع ذلك صاحب موهبة متوقّدة تنبئ عن مستقبل أدبيّ زاهر ومتألّق. وعن قريب سيطلع علينا بديوانه الأوّل الذي طُبع في لبنان "قمحٌ في كفّ أنثى" باكورة أعماله الأدبيّة. وقد أقام جمعيّة النبراس لخدمة اللغة العربيّة في البلاد وإعلاء شأنها. حقّ لي فيه أن أقول قول أبي نُخيلة الشاعر:
    وأحييتَ لي ذكري وما كان خاملاً     ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض

    ـ تعرف جماهير شعبنا أن عطاءك لم يتوقف عند قلمك بل تجاوزه إلى أعمال أخرى لصالح مجتمعك؟
    إنّ كفرسميع وطني الأصغر، ومن يخدم العضو كمن يخدم الجسم كلّه. وإنّ الانتماء الأصيل للأوطان ومحبّة أبنائها بصدق، لا يكون إلاّ بما نسدي لها من صالح الأعمال وجليل الأفعال. أفخر أنني وبتوكيل من بطريركيّة الروم الأرثوذكس في القدس، وبعون الله وبدعم من أهل البر والشرفاء في البلاد، وبعد عناء وجهاد طويلين لمجد الله وخدمة الإنسان، كنت خدمت قريتي وكنيستي الأرثوذكسيّة في كفرسميع خدمة جليلة، إذ قمت ـ ولا فخر ـ ببناء مركز ثقافيّ ليقوم في المستقبل القريب بعونه تعالى في خدمة العلم والمعرفة بين سائر أبناء قرية كفرسميع من مسيحيين ودروز ومسلمين. إضافة إلى أنّني قمت في الوقت نفسه ببناء كنيسة فخمة فوق المركز المذكور، كما أفلحت في حينه بعد عناء طويل بتحرير أرض الكنيسة الأرثوذكسيّة في موقع من مواقعها من مصادرة المجلس الإقليمي لها، وإقامة ضاحيّة جديدة للأزواج الشابّة فوقها. لا أغالي إن قلت لك، ولا منّة على أحد، إنّني وضعت في هذه الانجازات من خبز أطفالي وحليبهم، وقد قطعت طريق آلام طويلة، وقصّة عذاب نادرة، عشت سنواتي فيها قابضًا على الجمر، وسجين  همومها حتّى تحقّقت. إنّ الإنجازات المذكورة في نظري ونظر الكثيرين عملّ وطنيّ من الدرجة الأولى لم يتحقّق لطائفة من الطوائف في البلاد كافّة، غايتها الحفاظ على الأرض والإنسان، وتعميق جذور أبنائنا وأحفادنا في وطننا. لا تعجب، يبقى عندي مبنى الكنيسة الجديدة، والمركز الثقافي، ومنازل الضاحية المذكورة أبلغ كتاب كتبت كلماته في حياتي ولكن هذه المرّة بالحجارة وحبّات الرمل وعلى أسطر تراب الآباء والأجداد! تنقضي الأعوام ويموت الناس جميعهم جيلا بعد جيل، وتبقى شاهدًا على من حقّقها، ويظلّ تاريخها مقرونًا باسم من أقامها، أليس في ذلك كل العزاء على ما عانيت وعانت معي أسرتي الحبيبة؟ أضرع إلى العليّ أن يجزيني ويجزي كلّ الذين شاركوا فيها خيرًا.    

لقاء مع الإعلاميَّة الكبيرة والمتألقة وفاء يوسف


 أجرى اللقاء حاتم جوعيه  - المغار – الجليل 
      
سؤال 1 ) وفاء  يوسف  إسمٌ  كبيرٌ  ولامع في عالم الصحافة والاعلام  ..كيف  تقدمينَ  نفسَكِ  لجماهير القرَّاء ؟؟                                                  
أنا إعلامية من ارض الجليل  هكذا أعرف نفسي , أنا من الناس وللناس فهم -موطني ومواطن  قوتي  وضعفي ,هكذا  أختصر ذاتي ,فانا  أعيُش  للمجتمع     الذي جئت منه , أضعه  في المرتبه الاولى , أستجيب  لقضاياه , وأعزز قيمه واحترم   ثقافته  الحضارية , وماضيه  التليد .. جئت  الى  عالم   الإعلام   مفعمة بالحماس والانطلاق  للابتكار والتميز, وبكل ما أوتيت من  قوة وحسم  وثقة وثبات 
أنظر  نحو   الأفق   البعيد   في   عالمه    وأسعى   بكل  ما   أملك   من     رسالة واضحة   ورؤية  ثاقبة  وهدف جلي لتحقيق  الإنجازات والإبداع    والتجديد في الإعلام   .   وأحرص وبكلِّ  ما  لدي من  كلمات  عميقة  المعنى  والمصداقية  إلى  تحقيق  النجاح  الذي  سيترك  بصمتي  على  العالم  .                          .                                                                        

 سؤال 2 ) لماذا  اخترتِ مجالَ الصحافة والإعلام كدراسة وعمل .. ما الذي جذبك إلى هذا العالم ؟؟                                                                         
 -  الاعلام عالم واسع وبحر شاسع يحتاج الى سباحين مهرة  ليقودوا الدفة بسلام   وليصلوا بمجتمعاتهم الى بر الامان , ولطالما  شدني موضوع الاعلام والصحافة بشكل كبير , ولطالما تملكني مَيْلٌ جارف نحو هذا الموضوع , فلا رتابة فيه, لا ملل ولا تكرار,  والاعلام خير وسيلة ومنبر لايصال رسالتك وصوتك ,وهو بستان كبير وحديقة زهور متنوعة  احاول  قطف كل الانواع  الموجودة  فيها, وقد يقول البعضُ عن أي  زهور أتحدثُ ؟! وهو عالم  مليئ  بالاشواك! , كلا  فهو  ليس هكذا  لانه ان  ملكت  كاعلامي  وكصحفي  كل الادوات  والمؤهلات  اللازمة  التي  يحتاجها  هذا المجال ,واذا ما كنت شخصا على قدر كبير من الوعي  والثقافة  والثقة , فحتما لن تجد صعوبة في تخطي الاشواك التي قد يتحدث البعض عنها ,ففي نهاية المطاف ما  تقدمه للناس وعملك  وعلمك  كلها  عوامل  تقرر ان  تكون موجودا وبقوة على الساحة الاعلامية  ام لا    .                                                             . 

*سؤال 3 )   الاعلامية  وفاء  يوسف   تعتبر من  أوائل  الإعلاميَّات  القديرات   والمتألقات والمبدعات ليس على الصعيد  المحلي فقط  ..بل  على  صعيد العالم  العربي والعالمي ..وانت استطعت ان تحققين  شهرة كبيرة  وواسعة   وفي فترة  زمنية قصيرة نسبيا !! ما السر ؟ومن الذي يقف وراء كل هذا النجاح ؟؟         

 -هذا بفضل الله , فالتوفيق من عند الله عز وجل ,بعد ذلك يأتي الايمان بصوتك الداخلي الذي يقودك ويجعلك تبدو ما انت عليه ,فانا اؤمن ان حياتنا وانجازاتنا من صنع كلماتنا ,ولقد رسمت لي منذ البداية طريقا واضحا وهدفا جليا ورسالة سامية أود تحقيقها من خلال عملي في الاعلام , وبعد هذا يأتي الدعم سواء من قبل العائلة او المقربين والمحيطين  بي, والحمدلله فان الدعم الذي  احظى  به  بدءا  من والدي ووالدتي واخويّ  وزوجي واولادي , واصدقائي  والمقربين  يلعب  دورا مهما  في مسيرتي ,ويحثني على الاستمرار دونما  توقف , ورابعا وهو الاهم  محبة الجمهور ,فانا وكما قلت في المقدمة من الناس وللناس, وبفضلهم أنا موجودة ,وبهم ومعهم انا مستمرة ,فهم  الدينامو الذي  يحركني  في  اتخاذ  قراراتي  وخطواتي  سواء كانت الماضية منها  والحالية وحتى المستقبلية ,فدائما  وابدا كان المستمعون  والمشاهدون والمتلقون دائما هم الاهم  بالنسبة لي لان ما  اقدمه من مادة اعلامية موجه لهم , لذا لطالما حرصت  على معرفة ما  يحتاجه  الناس  وما  يتوقون  إليه, وأية مواضيع تستحوذ على اهتمامهم  وبالتالي اسعى الى طرحها  ومعالجتها, وبالاضافة الى  كل هذا فانا  أعرف حق المعرفة كيف أصون أمانة الكلمة التي اقولها , لانني أعي جيدا بان للكلمات  قوة  تستطيع أن  تُحـرّكَ العالمَ... أن  تُثـير الأمــم... أن  تُـلهب الناس بالطموح والحماسة , ذلك ان للكلمات قوة وقدرة وقيمة وثقل  .       

*سؤال 4 ) حَدِّثينا عن مسيرتكِ الاعلامية الحافلة بالمحطات والانجازات المهمة بالاضافة الى عملكِ في اذاعة  الشمس؟؟                                      
 -بادئ ذي بدء كلي فخر واعتزاز بانني من كادر اذاعة الجماهيرالعربية "اذاعة الشمس" والتي بدأت العمل فيها قبل  ثماني سنوات وكنت حينها طالبة جامعية في سنة ثالثة اعلام ,وقد أتيتُ اليها قادمة من عالم تقديم الاخبار والذي نجحت في دخوله منذ سنتي الجامعية الاولى ,وقد عملتُ في اذاعة الشمس في حينه مدة سنة ونصف كمقدمة أخبار وبرامج اخبارية , ولكن بعد تخرجي من الجامعة , وتوقا الى ممارسة العمل الميداني الذي يضفي على مسيرة الاعلامي والصحفي زخما وثقلا انتقلت للعمل في "قناة الحرة "حيث عملت بها لمدة خمس سنوات تجولتُ فيها بين مختلف المدن والقرى والبلدات العربية سواء  داخل الخط  الاخضر او  في الضفة الغربية  والقدس وأنجزت المئات من القصص الانسانية وسلطت  الضوء على مختلف الجوانب الحياتية والاجتماعية والانسانية والعلمية والعملية  لشعبنا الفلسطيني ,ثم بعدها تسلمت دفة انجاز عدة  مشاريع  اعلامية  مهمة كان  من  بينها  قصص  نجاح  عن المجتمع العربي  في البلاد  والذي  اضاف الي الكثير ,وفي إبريل  من  العام الماضي عدت  لاذاعة  الشمس وعدت  ثانية للعمل  كمقدمة  أخبار وبرامج اخبارية  ومنها البرنامج  الاخباري  الصباحي " الاخبار اولا "  والبرنامج الاخباري "حتى الآن" .بالاضافة الى برنامج  ادبي  بعنوان "روائع".ومؤخرا آثرت الدمج  ما بين  العمل الاذاعي والتلفزيوني تخللها مشاركة اعتز بها مع قناة "الجزيرة انجليزي" في تغطية  انتخابات الكنيست الاخيرة , بالاضافة الى العمل مع  قناة  فلسطين 48 التي أنجزت لها العشرات من التقارير في كافة المناحي الحياتية  لمجتمعنا العربي الفلسطيني , وبالاضافة  الى هذا كله , فان لي ايضا نشاطات  اعلامية اخرى  ومنها "مؤسسة الوفا  بروديشكن" والتي انطلقت بها في اوائل ابريل هذا العام وادعو الله بان يوفقني  في هذه الخطوة الانسانية المهمة  في  حياتي الاعلامية, بالاضافة الى انضمامي الى المشروع الانساني  الذي  يعمل على  افادة  الملايين  في الوطن  العربي  قاطبة  وهو مشروع  المكتبة  العالمية  المسموعة  والذي  اقوم  ومن  خلاله على تسجيل خلاصات في عدة مواضيع تخدم الناس وذلك  في اطار التعاون  بين مؤسسة الوفا  بروديكشن ومكتبة المنارة  القائمة عليه , كما اتجهت مؤخرا الى عرافة الحفلات  والندوات الادبية والثقافية ,حيث رأيت بهذا  الاتجاه جانبا  مهما في الحفاظ على التواصل مع الناس  بشكل  مباشر , كما انني  بصدد  البدء  ومنذ العام المقبل   باقامة  ورشات  وندوات   في  المدارس  للتوعية  حول  اهمية موضوع الاعلام وانعكاساته وتأثيره على حياتنا , والحمدلله فان اصداء كل ما قدمته واقدمه في مسيرتي الاعلامية حتى الآن جيد جدا وله وقعه الجميل لدى الناس , ويكفيني  استحسان  الناس  وتقديرهم  لكل  ما  قدمته   واقدمه   في مسيرتي الاعلامية  .                                                               


*سؤال 5: حديثنا عن برنامجك الادبي "روائع "خاصة انه جميل جدا ويقوم على فكرة جديدة وغير مسبوقة , وقد لاقى نجاحا كبيرا واقبالا لدى المستمعين  ,عن روائع ماذا تقولين ؟؟                                                                

"-روائع" برنامج ادبي اطلقته في شهر ديسمبر من العام الماضي , وهو برنامج ادبي يتحدث عن روائع الروايات الخالدة في العالم العربي والاجنبي وتقوم فكرته الجديدة وغير المسبوقة على التطرق الى الروايات التي خطت باقلام كبار الكتاب ذوي الاسماء التي خلدتها الايام والسنوات , والبرنامج يأتي ليضع بساعة من الزمن رواية امام جمهور المستمعين من جميع الشرائح والفئات الاجتماعية والعمرية المختلفة من عشاق ومحبي الادب , اضافة الى انه موجه ايضا الى شريحة مهمة جدا وهي الجيل الجديد الذي بات في ظل عالم السرعة والتكنولوجيا والعولمة بعيدا كل البعد عن ثقافة القراءة ,وهذا هو السبب الاساس والذي اقمت لاجله  برنامج "روائع "والذي استضيف فيه وضمن كل حلقة روائي وكاتب واديب لنتحدث بساعة من الوقت عن رواية تأخذنا وكاتبها والمستمعين في رحلة مشوقة وفي كل حلقة  الى دولة  معينة لنتعرف على ثقافات العالم اجمع .  وقد اسعدني جدا ان البرنامج وفي سنته الاولى وموسمه الاول لاقى نجاحا منقطع النظير وقوبل باصداء جيدة , وكان  له  وقعه  وتأثيره  في الناس  اللذين  يستمعون  اليه  من  داخل  وخارج البلاد.والبرنامج مستمر انشاءلله وقد بدأ للتو عامه الثاني, حتى يتسنى لي ومن خلاله ان اتطرق  الى اكبر قدر ممكن  من  الروايات, لانني اؤمن  بشدة انني  ومن خلال "روائع" اقدم  شيئا جديدا ومفيدا وقيما جدا للناس  .                               

*سؤال6) المجال   الصحفي   والإعلامي  المُحَبَّذ  والمفضل  لديك  أكثر الصحافة المسموعة والصحافيَّة  المرئيَّة اكثر من الصحافة المقروؤة . لماذا ؟؟؟     

-في بداياتي عملت بعضا من الوقت في الصحافة المكتوبة , ولكن ومع انني أعشق القلم والكتابة , الا انني وجدت نفسي اكثر في مجالي وسائل الاعلام المسموعة والمرئية , حيث تربطني بالماكيرفون والكاميرا قصة عشق لا توصف بكلمات , وعملي في الاذاعة و التلفزيون في ذات الوقت مهم جدا بالنسبة لي لذا حرصت على الدمج فيما بينهما , لان كلا المجالين عندي سيان و فيهما اجد نفسي ,ولهما ذات  الوقع والقدر في قلبي , فمن خلالهما انا اصل للناس واتواصل معهم بشخصي ,بصوتي , بنفسي , بفكري , بكياني , كما ان الناس احبوني اكثر من خلال الشاشة وايضا من وراء المايكرفون .                                                         ...
  
*سؤال 7 ) الإعلاميون  والإعلاميَّات  الذين  تتأثرين   بهم  وبأدائهم   ونهجهم  الإعلامي , من هم ؟؟                                                            
 -أنا اتأثر بكل اعلامي يحمل رسالة ,ويملك كلمة حقة وحرة , وصادق ويعرف حق المعرفة  كيف  يصون امانة الكلمة وكيف  يجيد الكلام  الرزين المتزن  ذي الوقع  والتأثير , وانا  اقدر كل اعلامي  وصحفي  يعرف حق المعرفة  ان للكلمة  قوة  لا يستهان بها  وان لها  تأثيرا عظيما في  حياة الناس , فللكلمات قوة  لفض النزاعات وحل  الخصومات ,وللكلمات  قوة  تعيد  بناء  العلاقات ومد  جسور التواصل .....       وللكلمات قوة أرق من اللمسات الحانية . كل ذلك ناهيك عن اهم شيئ  الا وهو عدم الاستخفاف بالمتلقي ,فانا اتأثر بكل اعلامي لا يستخف بالناس ويهتم لهم ويكون من اجلهم  لان الناس هم من يمدوننا  بالقوة والقدرة على الاستمرارية . وان يقول كلمة حقة وحقيقية  تنم عن قدر كبير من الوعي والثقافة    .                                  

 سؤال8)  كيف  تشعرين عندما  تسمعين  كلمات الإطراء  والمديح   في حقك؟؟ 

 - السرور  والامتنان , والفخر والرضا , كامل  الرضا هذا  ما  أشعرُ  به عند سماع كلمات الاطراء , فحالة من الرضا تمنحك  الفرصة  لتحقيق المزيد ,لان  هذا  انما   يقودني  الى  الاحساس  بانني  في  الطريق  الصحيح   وان اختياراتي  حقة  وتتلائم  مع  احتياجات المتلقين  وما  يفتقدونه  من مواد  في الاعلام . ولكن ان اقابل بالاطراء والمديح هذا يعني مسؤولية  اكبر وحرصا  اكثر  في اتخاذ القرارات  حول  ما  اريد تقديمه للجمهور والمتلقين بالاضافة الى السعي الجاد والدؤوب  والحثيث وراء التميز والانفراد بتقديم  كل  ما هو جيد وجديد .                                                                       

سؤال 9 )  هل  تشعرين  بينك  وبين  نفسكِ  أنّكِ  قد  حققتِ  كلَّ  ما تصبين  إليه.. أم هنالك العديد  من الطموحات  والأحلام  والمشاريع التي لم تتحقق  بعد ؟؟          

-مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة وانا احسب نفسي ما زلت في خطواتي الاولى , فالمشوار طويل بعد, واحلامي وطموحاتي كثيرة والأمال كبيرة . وباختصار اطمح لعطاء اعلامي لا ينضب وانجازات لا تنسى ,وتميز لا حدود له ,وان اكون سبّاقة في طرح العديد من المواضيع الإنسانية والاجتماعية. وان اكون فردا فاعلا في سيرورة الثقافة الفلسطينية لدى بحثها الدائم عن مكانها تحت الشمس   
  
سؤال  10 ) كلمة أخيرة  تُحِبِّينَ  أن  تقوليهَا في نهاية  اللقاء؟؟                  

-     نعم     أود    أضيفَ    لكل     من     يقرأ    هذه    السطور      أن      كونوا  انفسكم  دائما   ,واعملوا  على  ان  تأخذوا  حققكم  في  الحياة   حتى   ولو  عنوة ,   فبأيدينا    نسطر الحروف   في  صفحات  حياتنا   وفي سجل  العمر ,وقد  تتلاعب بنا الاقدار حينا ولكن  بقدرتنا  أن نضع  خطوتنا  الاولى على الدرب  الصحيح.  وأن الحياة  كفاح  وأن  الإنسان  مكافح   وأنه  يملك  العقل  الذي  يهديه  ويهتدي   به 

فراس حج محمد: الكلمة رصاصة… لكن ليس كل الرصاص صالحاً لإتمام المهمة

حاورته أمل زيادة/ القاهرة
كاتب، ناقد وشاعر فلسطيني، عشق الحرف حتى باتت رؤاه أطيافا تشكلت فيما بعد على هيئة قصائد ونصوص صيغت بمختلف الطرق، يعرّف نفسه بأنه كائن بشريّ عادي، لا خصائص خارقة، لا مميزات له، بسيط ككل سكان هذه البسيطة، ربما اشتعلت في رؤاه الأحلام، فنام باسماً تداعبه الطيوف وخيالات بعيدة التحقيق، مسكون بهواجس شتى، ذاتيّة وجمعيّة، كثيراً ما بات على جمر الغضا، مشتاقاً ليكون هادئاً، واقعياً. يعاني من الوحدة والضيق والأرق. من أكثر الناس شعوراً بألم البقاء وحيداً لساعات طويلة في اليوم، محصوراً في غرفته، يجترّ الأفكار، يعبث معها، يكتبها، يشعر أحياناً أنه صيّاد، وأحياناً مهذار.
حول أعماله وكتاباته، وعدد من القضايا المتنوعة، كان هذا الحوار مع الكاتب فراس حج محمد.
من هو فراس حج محمد؟
كيف بإمكان المرء أن يعرّف كينونته على نحو يعطي نفسه تعريفا جامعا مانعا، جريا وراء التعريف العلمي الحاد والمنضبط؟ ربما يصلح أن يقول المرء عن نفسه ببساطة متناهية إنه كائن بشري عادي، لا مميزات له، ولا خصائص خارقة، بسيط ككل سكان هذه البسيطة، ربما اشتعلت في رؤاه الأحلام، فنام باسما تداعبه الطيوف وخيالات بعيدة التحقيق، مسكون بهواجس شتى، ذاتية وجمعية، كثيرا ما بتّ على جمر الغضا، مشتاقا لأكون هادئا، واقعيا، أعاني من الوحدة والضيق والأرق؛ لعلي من أكثر الناس شعورا بألم البقاء وحيدا لساعات طويلة في اليوم، محصورا في غرفتي، أجتر الأفكار، وأعابثها، أمارس بعض الطقوس العادية في التدخين وشرب القهوة وكتابة الأفكار واقتناصها، أشعر أحيانا أنني صياد، أقف على ثغرة الوقت فقط من أجل اصطياد حمامة أو وردة لتحيا في سطور الكتابة المتوالدة التي لا تنتهي. وأشعر أحيانا أنني مهذار أعاني من ضجيج لا يهدأ في عقلي ونفسي، يجعلني دائما أسير كل شيء إلا أنا.   
كتبت القصة القصيرة والنصوص والشعر أي هذه الأنواع تفضل؟ ولماذا؟
لا أرغب كثيرا في التجنيس، ولا ترغب حركة الأدب الحديثة به، ثمة شعر يقوم على السرد والقص، وثمة نثر/ قصة/ نص يقوم في تركيبته على الشعر، تداخلت الأنواع تداخلا عضويا تلقائيا، غصبا عن الكاتب. أحيانا، يجد الكاتب نفسه يقصّ ويسرد، وأحيانا يجد نفسه شاعرا يلحن الأنغام ويرقّص إيقاعات المعاني، من هذا المنطلق كتبت ما كتبت من نصوص بغض النظر عن كونها قصة أو شعراً أو ما شاكل، ولكنني كتبت بعض الشعر متعمدا أن يكون شعرا، وكتبت قصة متعمدا أن تكون قصة، بمعنى أنني كنت محكوما بقواعد ذهنية مسبقة تحكم كل نص من هاتيك النصوص.
أما الشق الثاني من السؤال فإنه مبني على افتراض أنني أفضل نوعا على نوع. يبدو لي أن المسألة مختلفة فأنا أقع دائما فريسة الفكرة عندما تهاجمني. تأتي شكلا ومضمونا لابسة لبوسها التجنيسية، لا يهم إن كانت شعرا أو نثرا. فقط عليها أن تتجلى بهية وإن كانت سوداوية. أفرح بها كثيرا، ربما رقصت وانشرح صدري لبعض النصوص، فأخذت أقرأها منتشيا بها، أحس أن أحدهم من عالم الغيب كتبها عني. أزهو وأختال، وربما فعلت أكثر من ذلك!  
ما هي أبسط ملامح السرد المعاصر؟
لعلك تشيرين هنا إلى كتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات نقدية في القصة القصيرة جدا". جاء الكتاب بعد ما يزيد عن السنتين في تتبع كثير من النصوص المنشورة على (الفيس بوك) من قصص قصيرة جدا، كتبها أصحابها في الغالب تعبيرا عن أفكارهم بصورة مباشرة وسريعة، لتحيا من لحظتها بين يدي قراء لهم الاهتمام نفسه، ولذلك فإن أبرز ما لاحظته في هذا السرد التلقائية مع العمق أحيانا والسرعة في الانتشار والتأثير اللحظي والتفاعل بين الأشخاص، وهو قبل ذلك وبعده يرسم ملامح أدب إلكتروني بدا متشكلا ويقف على أرضية صُلبة، وأخذ يترسخ شيئا فشيئا، ليكون أنضج وأشد عودا، مع التنويه إلى أنني في هذا الكتاب اتجهت في معظم النصوص المدروسة إلى الكتّاب الشباب، الذين ربما لم يعرفوا الكتابة من قبل، فحثهم هذا الفضاء الإلكتروني والتواصل والقراءة اللحظية والتأثر السريع على الكتابة، فأنتجوا نصوصا طازجة، فكنت ألتقط منها ما كنت أعده صادما، مدهشا، يعبر بكل فنية عن الفكرة دون تستطيح أو سذاجة.
عدا أنني بنيت الكتاب في تركيبته في الفصول على هذا التفاعل الإلكتروني، فنشرت فيه مقالات وأراء للكتاب أصدقائي، كان بعضها تعليقات على بعض النصوص أو القراءات، فالكتاب يماثل ويحاكي طبيعة النصوص والسرد في هذه التفاعلية المقصودة، فعندما ينشر أحدنا شيئا على صفحة (الفيسبوك) هو يبحث عن قارئ ومتفاعل معه إعجاباً وتعليقا، اتفاقا واختلافا. وكنت سعيدا بهذه التجربة النقدية التي أراها مختلفة عما ينشر في هذا الباب. إذ كانت التجربة تجسد فكرة حوار الأفكار، ولم أهمل أي رأي حتى ممن عارضني بأفكاري فقد أثبتها فرحا بها، وربما هنا يكمن أهم ملامح هذا النوع من السرد المعاصر، وألخصها بـ (التفاعلية، وسرعة الانتشار).
ما الهدف من هذا التنوع؟ ما الرسالة التي تحرص على إيصالها للقارىء؟
ربما كان الهدف مبنيا على تكامل مشروع ثقافي يشكل هاجسا بالنسبة لديّ، وهو ربط النقد بالنص، فبالإضافة إلى أنني أكتب النص الإبداعي أكتب كذلك النقد، مازجا النظريات بالناحية التطبيقية، لعل رسالتي الخاصة من هذا المشروع تصل للقارئ أو الكاتب بضرورة أن تكون الكتابة ذات هدف تحريضي على التجويد والإتقان والتكامل والاستمرار أولا قبل أن تكون تحريضية على التغيير، فلكي تكون كاتبا يجب أن تستمر في التأمل والتطور حتى تكون لك بصمتك الخاصة التي تميزك عن غيرك، فليس المهم أن تكتب ولكن الأهم من ذلك أن تكون صوتك أنت النابع من رؤيتك بعيدا عن التقليد والسير في ركاب الآخرين، وإعادة إنتاج ما هو منتج.
كيف تتولد لديك الفكرة لتصبح قصة أو قصيدة فيما بعد؟
الكاتب كما أشرت سابقا هو صياد، ربما يحسن اصطياد الفكرة حية، ولا يقتلها في أوراقه، ولكنه يمنحها حياة أخرى، ربما أثارتني جملة هنا وجملة هناك، أو موقف هنا وموقف هناك، وربما جاءت الأفكار دونما مقدمات، كالمطر المباغت، أو الضوء الجامح. فلا أدَعُ الفكرة تمر دون تقييدها حتى في أكثر الأوقات حرجا، فأنا كما قلت أعمل صيادا على ثغرة الوقت حريصا على التقاط الفكرة، مع أن هناك كثيرا من الأفكار الخداج التي أتت مريضة معتلة، فماتت ولم تشكل أي حضور، فبعد أن لفتت الانتباه سرعان ما تتبخر، فأعلم أنها فكرة لا حياة فيها، وليس بإمكانها أن تكون نصا بملامح أدب حيويّ متفاعل في النفس أولا قبل القارئ، فلا أحفل بها منتظرا غيرها بلهفة جامحة!
ألا تتفق معي أن المجموعة القصصية قصصها تعد تكراراً لنفس الحالات؟ بمعنى محاكاة للواقع بمشاكله المكررة؟
هذه عموما مشكلة الكتابة، وهي مسألة قديمة، مطروحة في النقد القديم والحديث، إذ يجب أن تسأل نفسك ما الجديد الذي سيكون؟ وأما على صعيد العمل الأدبي الواحد كالمجموعة القصصية أو ديوان الشعر، فإن الكاتب ينبغي له أن يقدم موضوعاته على الأقل بأسلوب جديد، وبمعالجة فنية خاصة، تشعر القارئ بنوع من الجدة والإضافة، مع أنه ينبغي المحافظة على أن تكون المجموعة السردية أو الشعرية متمحورة حول فكرة واحدة بتنوعات مختلفة، ينتظمها ذلك الخيط الرفيع الذي يشكل وحدتها الفنية والموضوعية، وهذا ما يجعل المجموعة القصصية أحيانا تقرأ على أنها رواية بمشاهد متنوعة، تؤدي إلى إيصال فكرة واحدة. ومن ينجح في هذا من الكتاب قليل. فالمهمة صعبة، وتحتاج لروية لتقليم العمل الأدبي وتعديله حتى لا تتكرر الأفكار والمشاهد، ما يعني التراكم اللفظي دون دلالة معنوية متوالدة بسياق كلي يعطي للعمل الأدبي رصانته ومكانته النقدية التي ينبغي للكاتب أن يكون مهتما بها اهتماما مبالغا فيه.  
ما هي أبرز المشاكل التى واجهتك ككاتب فلسطيني؟
تختلف المعيقات من فترة لأخرى، فقبل عشرين عاما عندما بدأت الكتابة كانت أبرز المعيقات كيف يقرأني الآخرون، لذلك كنت مهموما بالنشر الورقي، ولم يكن النشر الإلكتروني معروفا، حتى في ظل النشر الإلكتروني وفي أكثر المواقع رصانة يظل النشر الورقي هاجسا يؤرق الكاتب، ويسعى إليه. ولم يكن ذلك بالأمر اليسير، لتواضع إمكانيات التواصل التي كانت مقتصرة على إرسال النص بالبريد العادي أو بـ (الفاكس)، وعندما ينشر ترى أن النص يعاني من جراح الأخطاء اللغوية والإملائية، فيحسب عليك. 
أما الآن في ظل هذه الثورة المعرفية، فقد صار النشر أوفر حظا خارج فلسطين وداخلها إلكترونيا وورقيا، ومع إصدار الكتب، وقد أصدرت حتى الآن (9) كتب يقف التوزيع عائقا كبيرا، والترويج لها كذلك، عدا عن طباعتها على نفقتي الخاصة، عدا كتاب واحد، مما تضطر إلى توزيع الكتب هدايا على القراء أو تقبل بتجبر الموزعين، فتعطيهم النسخ وتنسى أنك أعطيتهم كتبك، فمن يريد أن يكون كاتبا في فلسطين وفي أغلب البلاد العربية، خاصة لمن لم يحز المعرفة الكافية من القراء، سيعاني من هذه العوائق شاء ذلك أم أبى، وهو بين خيارين إما أن يستكين فلا ينشر، وإما أن يقبل بهذا الواقع. فلا يوجد جهات داعمة للكاتب في فلسطين والكل يشكو الفقر والحاجة الماسة للمال، وإصدار الكتب آخر ما يفكر فيه صناع الثقافة عندنا. 
ما هو حلمك ككاتب فلسطينى؟
حلمي أن أظل أكتب، ليس غير، وأن أظل قادرا على تمويل مشروعي الثقافي بجهدي الشخصي، دون اللجوء إلى أي جهة، وأن أتمه كما أخطط له. وأن يصل صوتي إلى القارئ، فيختلف معي ويحاورني، قبل أن يتفق معي ويقول لي "إنك رائع"! 
متى سيكون للكلمة نفس تأثير الرصاص؟
هي الكلمة رصاصة، ولكن ليس كل الرصاص صالحا لإتمام المهة المعد من أجلها، ثمة رصاصة فاسدة كذلك. على الكاتب أن يؤمن بضرورة أن يخترق الوعي، ويحلل العقليات ليستطيع أن يصل إلى هدفه النبيل في التعبير والحرية والتغيير ولو بضحكة من القلب تجاه نص جميل، ليقف النص مضادا لواقع أسود يعجّ بالخراب. 
هل لنشاتك أثر في كتاباتك بشكل ملحوظ؟
بكل تأكيد. فقد نشأت في أسرة فقيرة تقتات من عمل الأب اليومي، ليس لها أحلام كبرى أو صغرى إلا أن تظل على قيد الحياة، تجازف بالعمر، وتنجب الذرية، وتعيش كالآخرين، هذا الواقع جعلني أسائل أهمية كوني كائنا بشريا، هل أعيد الحياة نفسها؟ لذلك قررت أن أكون حالما خياليا، أبحث عن حلم كبير، وأتشبث بالمستحيلات، فأنا أحب ألا أصل لمبتغاي سريعا، أحب المعاناة في الوصل إلى الهدف. أكون سعيدا وأنا أناضل من أجل ذلك، حتى لو تقدمت ببطء نحو أحلامي، ورأيتها تتخايل أمامي. أحدق فيها البصيرة والبصر، وأتابع السير نحوها، ولعلني أصل يوما لما أريد! 
حدثنا عن دوائر العطش، وكيف صيغ الكتاب بهذا الشكل؟ وما سر اختيار العنوان؟
دوائر العطش كتاب سرديات قصيرة متنوعة في موضوعها بين السياسي والاجتماعي والعطش للمرأة الحلم، جربت فيه كتابة القصة القصيرة جدا والقصة الومضة، ويتمحور حول فكرة العطش بمفهومه العام، ومن هنا جاء سر العنوان، ففيه العطش للعيش بحرية والعطش الروحي والجسدي للمرأة والعطش للجمال. إنه رغبتي الذاتية في تحقيق كينونتي للارتواء، لعلني أصبح يوما ما كائنا بشريا متوازنا. واقعيا. حرا. رومانسيا. أمارس حياتي مع تلك المرأة الحلم التي كتبته لها، وكتبت كتبي كلها لأجلها.  
لماذا يميل الكاتب العربي للكتابة السوداوية؟
تشكل الكتابة علاجاً، ربما كانت علاجا وهميا للواقع، وليس فقط رجع صدى لهذا الواقع، فلا بد من الكاتب أن يكون متماهيا مع هذا الواقع الأسود، فكيف سيكون غير ذلك وهو يرى الخراب منتشرا في الأرض والفضاء وفي الروح؟ إنه قدر الحياة العربية وقدر الكاتب العربي. عدا أن الكتابة السوداوية ليست حكرا علينا نحن العرب، فثمة كتاب أجانب كتبوا بسوداوية حتى ممن يعيشون في أكثر الدول تطورا وحرية ورفاهيّة. يبدو لي أن الكتابة تتجه نحو العتمة لتضيئها، وتسائلها لعل سوداوية الكتابة تمحو سوداوية الواقع. فالكاتب عليه ألا يخدع القارئ ويحييه في عالم من الخيال. عليه أن يقول له ها هو واقعك. فماذا أنت فاعل بكل هذا السواد؟
أين أدب المقاومة من الكتّاب العرب؟
كل كتابة هي كتابة مقاومة بمعناها الأوسع، فليس فقط مقاومة الاحتلال أو الاستعمار، ثمة كتابة من أجل عالم أكثر احتمالا، وهي كتابة مقاومة، وما ينشر في العالم العربي يدور في هذه الأفلاك كلها ويعبر عنها، من مقاومة الاحتلال والخراب الاجتماعي والتردي الفكري والتطرف والعبثية.
متى تكتب لأميرة الصباح؟
أميرة الصباح هي امرأة الحلم والواقع، أكتب لها كل يوم لا أمل ولا أتعب، إن غابت أستحضرها، وإن حضرت سكبت في النفس روحها، وغمرت الحنايا بعطر أنوثتها الحيّ، فأنا كما تقول عني "متقوقع" في الكتابة فيها وعنها. كأنها تطمح أن تحررني من سيطرتها، ولكنني أرى أن حريتي تكمن في التغريد لها كل يوم مع أول شقشقات الصبح، لتظل معي بأفكاري وأحلامي طول ليلي ونهاري. هي المستحيل. ولكنها أميرتي، وأميرة الوقت. وليس الصباح فقط!
لمن تقول "أنت وحدك أغنية"؟
لأميرة الصباح تلك التي جعلتني كاتبا حقيقيا، ملهمتي الروحية، التي لا أستغني عنها، كتبت لها وسأظل أكتب. رتبنا معا القصيدة والأغنية والكتاب من الغلاف إلى الغلاف، حاضرة ما حضر الجمال، ولن تغيب ما دامت هي الأغنية الأبدية. 
متى تصف مزاج غزة بالعاصف؟
كان مزاج غزة عاصفا في الحرب، وكنت مكتئبا جدا عندما كانت الحرب مشتعلة، وكنت أكتب بصمت وألم شديدين نصوصا عن الأثر النفسي للحرب، لذلك لا يوجد في الديوان صواريخ ولا دبابات ولا مقاومة، ولا فصائل، ولا تمجيد، ولا صراخ، فيه الكثير من الضحايا المكتئبين أمثالي، لذلك هو عاصف بالنفس لشدة ما كان الجميع يعاني من بلاءات الحرب غير العادلة.
ما الذي يشكل الوعد للمستقبل المنتظر؟
أن أكون حرا من كل قيد، وأظل سائرا نحو تحقيق حلمي المستحيل.
لماذا تنحاز للمرأة في كتاباتك؟
المرأة تختصر الحياة وتلخصها، وهي أصل الكون والنشأة، فمن لا ينحاز للمرأة فليس بكاتب!
حدثنا عن أهم هلوسات ذكرى النكبة؟
هلوسات النكبة كثيرة، اجتماعية وفكرية، قبل أن تكون سياسية، ونحن في فلسطين ما زلنا نعيش النكبة بكل فصولها المتوالدة، فكل مرحلة من مراحل صراعنا مع المحتل هو نكبة إضافية وجديدة، ما لم يفضِ إلى التحرير والخلاص!
ما هو جديدك؟
أنتظر مولودا جديدا، سيخرج من رحم المطبعة قريبا جدا، كتاب بعنوان "يوميات كاتب يدعى X"، وهو الجزء الأول من سلسلة كتب تحت عنوان "قصص وسرد". 

لقاء مع الفنانة التشكيليَّة المتألقة جانيت بشارة

أجرى  اللقاء : حاتم جوعيه  -المغار -  الجليل    

  مقدمة وتعريف ( البطاقة الشّخصيَّة ) :   الفنانةُ التشكيليَّة  القديرة  والمتألقة " جانيت صبحي كركر بشارة " أصلها من مدينة القدس ، عمرها 43 سنة ( ولدت في 13 /10 / 1972 ) ، متزوجة ولها ثلاث بنات ، أنهت دراستها الثانويَّة في مدرسة  " مار متري الثانويَّة " - القدس ..وتعلمت بعد ذلك عدة دورات في مواضيع مختلفة : فنون وفن  تشكيلي ( رسم ) وغيرها .  تسكنُ في مدينةِ الناصرة منذ  4 سنوات .  لقد عملت في  مجال الحضانة  لسنوات عديدة  وعملت أيضا في مجال التجميل ومبيعاتها..وعملت وما  زالت تعملُ حتى الآن  معلمة  للرسم  حيث  تُدَرِّسُ  دورات رسم  وفنون للأطفال . هي فنانة تشكيليَّة قديرة  ونشيطة  ومميَّزة إبداعيًّا ، أقامت العديدَ من  المعارض الفنيَّة في مدينة الناصرة وغيرها من القرى والبلدان محليًّا وفي خارج البلاد أيضا.. وقد حققت شهرة وانتشارا واسعا محليًّا وعربيًّا وعالميًّا  وكتبَ عنها  وغطى أخبارَها ونشاطاتها  الفنيَّة والمعارض التي أقامتها الكثيرُ من وسائل الإعلام على  مختلف أنواعها ( صحف  ومجلات مواقع  أنترنيت ، إذاعات وتلفزيونات وفضائيات)..وهي تعتبر في طليعة الفنانين التشكيليِّين في البلاد  من  ناحية المستوى الفني  وعمق التجربة  الإبداعيَّة  وفي  رؤيتها الإنسانيَّة والفلسفيَّة  من  خلال  لوحاتِهَا   ورسوماتها   الرائعة   والمميزة  والمترعة بالغموض  والتي  تعكسُ  جوانبَ  عديدة من  واقع  الحياة  وأسرار الوجود والأبعاد الميتافيزيكيَّة  وتتحدثُ عن الكثير من المواضيع والقضايا  الفلسفيَّة  والإنسانيَّة والإجتماعيَّة وغيرها.وكان  لنا معها هذا اللقاء الخاص والمطول  والشائق .

سؤال 1 )  في بداية  هذا  اللقاء  نريدُ  أن تحدّثينا  عن البداياتِ مع الرسم.. متى بدأتِ تمارسين هذه الهواية الجميلة وكيف دخلتِ هذا المجال ؟
 - جواب 1 -  بدأتُ من  جيل صغير جدًّا وأنا طفلة.. وفيما بعد بدأتُ أشتغلُ  وأعملُ على  تطوير هذه الموهبةِ وصقلها حتى جيل 22 سنة حيث أصبحتُ فنانة تشكيليَّة معروفة ومحترفة ، وكما أنني درستُ هذا الموضوع  في عدة معاهد للفن التشكيلي لتطوير الموهبة  وكنتُ دائما أرسم  وبدأتُ أشاركُ  في معارض  فنيَّة كثيرة  فيما  بعد .. وأنا  أحبُّ  كثيرا هذا المجال الذي  جعلني أدخلهُ  وأستمرّ فيه وأخصِّصُ  له الكثيرَ من وقتي وطاقاتي . 

سؤال 2 ) من  أوّل  من  شجَّعكِ وأخذ  بيدكِ  لتنميةِ هذه  الموهبة ؟
- جواب -   أوَّلُ من  شجَّعني وأخذ  بيدي  ودعمني أمِّي  وزوجي  فيما بعد وبفضلهما  ودعمهما   تابعتُ  المشوار  وصمدتُ  رغم   جمميع   الظروف والصعوبات التي تواجهنا كفنانين محليِّين على جميع الاصعدة..( لأنّ الفنان المحلي  ليس  بسهولة  يستطيعُ  أن يستمرَّ  في  العطاءِ  في الوسط  العربي المحلي)  إلى أن وصلتُ إلى ما وصلتُ إليه من  شهرةٍ ونجاح .

سؤال 3 )  الصعوباتُ  والعراقيلُ التي واجهتكِ  في بدايةِ مشواركِ الفنِّي ؟؟ 
-  جواب 3 -  الشيىءُ الذي  يحدُّ من عطاءِ الفنان  وخاصة الرسام هو عدم  تجاوب  المجتمع  والناس  بشكل كاف للفنِّ التشكيلي..وأيضا نوع  المدرسة الفنيَّة  يلعب دورهُ في مدى تقبُّلِ الناس وتجاوبهم للأعمال الفنيَّة . فأنا أنتمي للمدرسةِ التعبيريَّةِ المُشِعَّةِ بالفلسفةِ والمليئة بالغموض والرموز، وطبعا ليس  كل الناس يفهمون أو بالأحرى يتذوَّقون هذا النوع من الفن .
     وأهمُّ  شيىء بالنسبةِ  لي أنني أتعاملُ مع الفنِّ  كفن ولخدمةِ الفنِّ الهادفِ  والحقيقي كرسالةٍ مقدسة  قبل أن أرضي  أذواقَ وعقليَّة بعض الأشخاص أو  جهات ونوعيَّات  معيَّنة  من المجتمع  الذين  يميلون  إلى  السهل  والواضح   والسطحي ولا يكلفون أنفسهم عناء دراسة وتحليل اللوحات وفهمها  بالشكل الصَّحيح العميقة  في معانيها وأهدافها  وتموُّجاتها والتي تحملُ رسالة  مثلى  وابعادًا  وأهدافا  فلسفيَّة  وإنسانيَّة  واجتماعيَّة .. وهذه  كانت  أهم  العراقيل  والصعوبات التي واجهتني  وما زلتُ أعاني منها  .    

سؤال 5 ) أنت الآن فنانة ٌ مشهورة  ومعروفة  محليًّا وخارج البلاد .. كيف وصلتِ إلى كل هذه الشهرة والإنتشار الواسع !!!؟؟
-  جواب 5  -   وصلتُ بفضل جهدي وتعبي وإيماني برسالتي واستمراري  في العطاء وبفضل مستواي الإبداعي.. وقد حدثَ أنَّ فنانا من الأردن  إسمه ( نظير عواوله)  رئيس جمعيَّة  " البلقاء " - الأردن -  أقامَ معرضا للأنامل الذهبيَّة   التشكيليَّة  ودورات  للرسم  وشاركتُ   أنا  فيه  وكانت  منهُ  نقطة الإنطلاق للشهرةِ  والإنتشار الواسع .  وأقمتُ  أنا أيضا  بعد  ذلك  معارضَ فنيَّة عديدة في الداخل عن طريق جمعيَّة " إبداع "ومعارضَ أخرى مستقلة، منها   معرض  شخصي  ومعرض   بالكنيسة  ومن  خلال  هذه  المعارض  إشتهرت  وحققتُ  شهرة واسعة محليًّا . وبعدها اشتركتُ في  معارض للفنِّ  التشكيلي  في  فرنسا  والمغرب  وفي  عمان  وإربد   بالأردن  وفي  نابلس   وتل أبيب  وغيرها..ومنها حققتُ الشهرةَ  الواسعة جدا محليًّا  وخارج البلاد  واصبحتُ معروفة للجميع . وهنالك نقادٌ  فنيُّون محليًّا وخارج البلاد  مدحُوا  كثيرا أعمالي الفنيَّة  ولوحاتي  ورسوماتي  ومستواها  وفي  كيفيَّة  استخدام  الألوان ومزجها  وتشكيلها .  

سؤال 6 ) كلُّ شخص ناجح ومشهور بغضِّ النظرعن نوع عملهِ وتخصُّصِهِ   يزدادُ حُسَّادُهُ وكأنَّهُ يدفع ضريبة مقابل النجاح الذي وصلَ إليهِ..وأنتِ حققتِ  شهرةً واسعة جدًّا .. كيف  أنتِ  والحسد  والحُسَّاد  وما هي  ضريبة  النجاح  التي قدمتيها ؟؟ 
-  جواب 5 -  بالنسبةِ لي  فأنا  إنسانةٌ  مُحبَّة  وشفافة  وقلبي  كبير  ومترع بالإيمان وحب الخير ولا أهتمُّ  وأكترثُ للحسدِ والحُسُّاد ...وأنا أعتبرُ الحسدَ كحجارة ٍ أستطيعُ  أن أخطو من  فوقها  وأجتازَها وأكملَ طريقي ومشواري  ورسالتي  .  وكلُّ  فنّان  وكلُّ إنسان  ناجح  بغضِّ  النظر عن  مجال  ونوع نجاحِه  ومهنتِهِ  فبالتأكيد  سيزدادُ حُسَّادُهُ  وسيجدُ  ويلقى بعضَ العراقيل من قبل  جهاتٍ  مغرضةٍ   وحاسدة ، ولكنَّ  الإنسانَ  المبدعَ   والمؤمن  بعطائِهِ  وبإبداعهِ  ورسالتِهِ  السَّامية  وعندهُ  الإيمان  العظيم  بالخالق  فالفن  بالنسبةِ لهُ  رسالة  وموهبة ربَّانيَّة مُنِحَتْ من الرَّبّ وعلى الفنَّان الحقيقي والموهوب   أن يتابع َرسالته  لخدمةِ الفنّ  والمجتمع ..والفنُّ هو شيىءٌ راقي  ويشيرُ إلى  رقيِّ  الإنسان  وَسُمُوِّهِ  روحيًّا  وفكريًّا  وأخلاقيًّا  وثقافيًّا .  

سؤال 7 )   هنالكَ   عدَّة  مدراس  في  الفنِّ   التشكيلي ، مثل : الكلاسيكي ، التكعيبي، والواقعي والسريالي والتجريدي .. إلخ ..  إلى أيِّ المدارس الفنيَّة  أنتِ  تنتمين  ولماذا ؟؟ 
-  جواب 7 -    أنا  أنتمي للمدرسة ِ التعبيريَّة  أو  بالأحرى  أمزجُ  ما  بين التعبيري والتجريدي . 

لماذا ؟؟  
-  جواب -   لأنني أحبُّ  التعبيرَ عن  ما  في داخلي  وما  أحسُّ وأشعرُ  بهِ  .. فهذا  شيىءٌ روحاني  ووجداني  وأريدُ ان  أخرجُ  وأبوحُ  بهِ  وأنفس عن نفسي،وأنا اجدُ نفسي وكياني في هذه الأساليب  الفنيَّة التشكيليَّة  التي ذكرتها ..  ولكن سبقَ  وأن  مررتُ وخطوتُ  في جميع المدارس التشكيليَّة  وأهمها المدرسة الواقعيَّة .. ولكنِّي كرَّستُ  كلَّ طاقاتي الفنيَّة  للمدرسةِ التعبيريَّة  .  

سؤال 8 ) هل الموهبةُ الفطريَّة ُهي العنصرُ الأساسي للإبداع أم أنَّ الموهبة  بحاجة إلى دراسةٍ لصقل الموهبةِ  وتطويرها ؟؟  
-  جواب 8 - الموهبة   تُخلقُ  مع  الإنسان  والربُّ  يقولُ  لهُ  أنتَ موهوب  والموهبةُ  مهمَّة   جدًّا  ولكن  على الشَّخص  أن  يُنمِّيها من  خلال  الدراسة النظريَّة والإستمرار في العمل والممارسة في هذه الموهبة.. فصقلُ الموهبةِ وتنميتها بحاجة لجهدٍ ووقتٍ  ومثابرة..والموهبة أيضا بدون  دراسةٍ ومثابرةٍ  وعمل تبقى مكانها  ولا تتطوَّر .      

سؤال 9  )  هل كلُّ  شخص  مهما  كانت  نوعيَّته  ومعدنه  ومستوى  ثقافتهِ  وحتى إذا لم  تكن لديه الموهبة الفطريَّة الربَّانيَّة في الرسم بإمكانهِ أن يصبحَ فنانا  تشكيليًّا ( رسَّاما) إذا درسَ  هذا الموضوع  في المعاهد والجامعات ؟؟
- جواب 9 -  ممكن أن يرسمَ ولكن يبقى عطاؤُهَ محدودًا وسطحيًّا ولا يصلُ إلى قمَّةِ الإداع  بل يبقى مكانهُ لأنَّ الموهبة هي الاساس  وبدون الموهبة  لا يسيتطيعُ الإنسانُ أن يكون فنانا،وهنالك فرق بين شخص يرسمُ وبين شخص  يخلق ويبدعُ  أشياءً  وأعمالا  فنيَّة مميَّزة وراقية ومبتكرة  لم يسبقهُ أحدٌ إليها ... فالموهبةُ  هي بذرة  وعلى الشخص ( الموهوب ) أن  يعملَ على تنميتها  حتى تكبرَ وتثمر كالشجرة أو النبتة . وبدون البذرة والأساس فمن المستحيل  أن يصبحَ الشخصُ فنانا . 

سؤال 10 )  هل عنصرُ الإيمان  مهمٌّ  جدًّا  في  مدى  عطاءِ  وإبداع  الفنان  وتألقهِ ؟ 
-  جواب 10 -    أكيدٌ  مئة  بالمئة  إنَّ  الإيمانَ هو عنصرُ  وإكسيرُ النجاح   وعبارة كالهواء النقي الذي يستنشقهُ الفنانُ  ومن دونهِ  لا يكون إبداعا وتألقا  وتميُّزا فنيًّا...ولا أصدِّقُ ولا  أومنُ أنَّ  فنانا  وإنسانا  مبدعا  وصلَ  للشهرةِ والنجاح  بدون الإيمان وإن حققَ بعضَ الشهرة  ففي النهايةِ سيسقط  وينهار أو ينتحر أو يجن ّ، وهنالك أمثلة  كثيرة على أشخاص  ملحدين  وماديِّين  لا يؤمنون بالخالق مارسوا الفن على مختلف أنواعه  ودرسوا مواضيعَ  عديدة كالموسيقى والفلسفة  والأداب  والمسرح .. ولهم  مؤلفات  وأعمال  في هذه  المواضيع  وغيرها...ولكن  كانت  نهايتهم  الإكتئاب والجنون أو الإنتحار . وأساس النجاح الدائم والأبدي  والخالد هو الإيمان  بالخالق .  

سؤال 11 ) هل  المظهرُ الخارجي  لهُ  تأثيرٌ وانعكاسٌ على  نفسيَّةِ  وماهيَّةِ الفنان وعطائهِ  وجودةِ  ونوعيَّةِ الفنِّ الذي يُقدِّمُهُ  والمواضيع التي  يطرحها  من خلال الفنّ ..وخاصَّة  أنتِ  فتاة  جميلة  وأنيقة  وجذابة  ومتألقة  دائما .. هل  كان  لمظهركِ الخارجي  وجمالكِ  الشكلي والروحي  أيضا  تأثيرٌ على ريشتكِ  الإبداعيَّة  وعلى جمال وسحر اللوحاتِ التي ترسمينها  ؟؟
 - جواب 12 - أولا  الجمال  الداخلي الروحي  يصعدُ ويخرجُ  إلى الخارج   ويهيمنُ ويؤثرُعلى كلِّ شيىءٍ إيجابيًّا وهو الأساس..وطبعا الجمال الخارجي  لهُ  تأثيرٌ نوعا ما  وانعكاسٌ  إيجابي على نوعيَّةِ الفنّ  ولكن بشكل طفيف .

سؤال 12 )   من  أينَ  تستوحينَ  مواضيع الوحات التي ترسمينها .. وكيف يأتيكِ الإيحاء ؟؟ 
 - جواب 12 -    أنا  إنسانة  روحانيَّة  وأستوحي  مواضيع  اللوحات  التي أرسمها  من إيماني العميق  بالخالق جلت  قدرته، والفنُّ  هو رسالة  بالنسبةِ  لي  قبل  كلِّ شيىء  وموهبة ربَّانيَّة  وضعهَا الرَّبُّ  فينا  وعلينا  أن  نوظفها  ونستخدمها ونكرسها بالشكل الصحيح  ولخدمةِ المجتمع والإنسانيَّة .    

سؤال 13 )  الفنانون التشكيليُّون  المفضلون لديكِ  ؟؟
- جواب  13  -   الفنانون المفضلون  لدي :   بيكاسو   وسيلفادور دالي .. وهناك فنان  تشكيلي  من اليمن  اسمه " زكي "  .

سؤال 14 )  المعارضُ الفنيَّة  التي  شاركتِ  فيها ؟؟ 
-  جواب 14 -  شاركتُ في العديد من المعارض المحليَّة  وخارج البلاد . 
محليًّا : في كفر ياسيف  وتل أبيب ، الناصرة ، نابلس ، وغيرها  ..
وخارج البلاد: في عمان  وفي أربد ( الأردن) وفرنسا والمغرب..وقد أتتني دعوات للمشاركةِ  في مهرجاناتٍ  ومعارض  كثيرة  للفن التشكيلي ( محليًّا  وخارج  البلاد )  ، مثل : أبو ظبي   وتركيا  ، بيروت ،  مصر ... وغيرها من  الدول  .  ولكنني  لم  أتمكن  من  الذهاب   بسبب  ظروفي   ومشاغلي وإلتزاماتي الكثيرة .  

سؤال 15 )  رأيكِ بمكانةِ الفنان المحلي ماديًّا ومعنويًّا ..وهل يستطيعُ الفنان التشكيلي المحلي أن  يعتاشَ من هوايةِ  الرسم  لوحدها  أم  أنَّ الفن لوحدهِ لا يطعمُ  خبزا وهو  بحاجة إلى مهنةٍ  وعمل  آخر  ليعتاشَ  منه ؟؟
-  جواب 15 -   بالنسبة للفنِّ  كفن  فوضعُ الفن صعبٌ جدا محليًّا ، والفنانُ  التشكيلي  بالذات  لا  يستطيع أن  يعتاشَ من هوايةِ  ومهنة  الرسم  فقط  بل يجب أن  تكون  لديه مهنةٌ ووظيفة اخرى ليعتاشَ منها  .  

سؤال 16 ) أنت ِ ريئسةُ  جمعيَّة ( الناصرة  للفن  التشكيلي ) حبَّذا  لو تدثينا عن هذه الجمعيَّةِ متى تأسَّست  ولماذا  تأسست  ومن الذي  بادرَ وباشرَ على تأسيسها . ومن هم أعضاؤُها..وماهي أهم أعمال وإنجازات هذه الجمعيَّة ؟؟ 
-  جواب 16- بما أنَّ  الفنان المحلي يُعاني كثيرا ماديًّا ومعنويًّا  ولا   يتمكنُ  من تسويق وبيع لوحاتهِ ولهذا فكرنا في تأسيس وإقامة جمعيَّة للفنِّ التشكيلي (جمعية الناصرة للفن التشكيلي)  وهدفها  دعم  وخدمة الفنان المحلي .  وأنا  أعملُ رئيسة  لهذه الجمعيَّة  وهدفها  كما  ذكرتُ  دعم  الفنان محليًّا وخارج البلاد أيضا وإقامة المعارض التشكيليَّة بشكل مكثف،وهنالك أيضا مؤسِّسُون  غيري في هذه الجمعيَّة ، منهم غادة  صفدي  وخزيمة  حامد .  

سؤال 16 ) أسئلة شخصيَّة ؟؟ 
*  البرج : العقرب   .       
* اليوم  المفضل :  الإثنين  . 
* الشراب المفضل :  شراب التوت  .  
* الأكلة  المفضلة :  المحمَّر والمسخَّن  . 
* العطر المفضل  :  البويزن  .  
سؤال ) هل تحبين : السفر والرحلات  والنزهات  والطبيعة ؟؟
-  جواب -   طبعا  أحبُّهم  والفنان بالذات يتأثّر بجمال الطبيعة  .
سؤال )  أكثر شيىء تحبينه  واكثر شيىء تكرهينه ؟؟
- جواب -    أحبُّ  التفاؤل وأكرهُ التشاؤم  .
سؤال ) أكثر مكان تحبِّين أن  تكوني موجودة  فيه دائما  ؟؟ 
 - جواب -   البحر وبين أحضان الطبيعة .
سؤال )  يقال وراء كل رجل عظيم امرأة ووراء كل امرأة عظيمة رجل  ما رأيكِ في هذه المقولة ؟؟                                                                         -  جواب  -  هذا صحيح  
سؤال ) ويقال أيضا :  الفنُّ والزواج  لا  يلتقيان  تحت سقف واحد  ما رأيك في هذه  المقولة ؟؟
- جواب -  ممكن إذا كان  هنالك  حب وتفهم  وانسجام بين الطرفين ، وذلك  يرجع  لنوعيَّة  الشريك .
سؤال )    لماذا  الكثير من  الفنانين  والكتاب  والأدباء  والشخصيّات  الفذة   يتزوَّجون  في جيل  متقدم نوعا ما  والبعض منهم  يعزفُ  كليًّا عن  الزواج .. ما هو السَّببُ  حسب رأيكِ  ؟؟ 
 - جواب - لأجل التفرُّغ  كليًّا  للفنّ ..أو الخوف من الإلتزامات  الإجتماعيَّة  وللهروب  من المسؤوليَّات...وأحيانا  لا  يجدُ الفنانُ  الشريكَ المناسبَ  الذي  يجسِّدُهُ  فنيًّا وروحيًّا  وعاطفيًّا وفكريًّا  وثقافيًّا  فيقضّلُ  أن  يبقى أعزبا مدى الحياة  .
 سؤال )  الشخضيَّة  المثاليَّة التي تتخذينها قدوة ً  لكِ ؟؟
- جواب -  المرحوم والدي ( صبحي كركر بشارة ) ولقد  تأثرتُ بشخصيَّتهِ  كثيرا .  
سؤال  ) رايكِ في كلِّ من : الحب ، السعادة  الحياة  ، الأمل ؟؟
- جواب -  الحبُّ  : هو أساسُ الحياة   وكلُّ  شيىء .                        
  الحياة : جميلة  ويجب  أن نعيشَها  بشكلها الصحيح  رغم الصعوبات التي نواجهها .                                                           
الأمل :   هو كلَّ  شيىء  أراهُ  أمل .. وكل  صعوبة  أمرُّ  فيها  وأجد  الحلَّ والخروج منها  فهو الأمل  وحلاوة الأمل  .                  السعادة :  أن  أعيشَ كلَّ لحظة ولحظة .  
سؤال ) كل فنان رومانسي هل أنتِ رومانسيَّة ؟؟
-  جواب -  بالتأكيد  أنا  رومانسيَّة .. والرومانسيَّة  هي طاقة حبّ.
سؤال )  هل  تحبِّينَ  الموسيقى  والغناء   ومن  هم  المطربون  والمطربات المفضلون  لديك ِ ؟؟  
- جواب -      أنا  أحبُّ  الموسيقى  والغناء  والفن  كثيرا وأستمعُ  للكثيرين  من المطربين  والمطربات  .
سؤال ) هل تحبِّين القراءة  والمطالعة  وما هو نوع الكتب التي  تقرئينها ؟؟ 
 - جواب - أنا أحبُّ  القراءة  والمطالعة  وأقرأ  جميع أنواع الكتب تقريبا ، وخاصَّة : الكتب الأدبيَّة والفلسفيَّة  وعلم النفس .
سؤال ) هل تحِبِّينَ  الشعر والأدب ومن هم  شعراؤُكِ وأدباؤُكِ المفضلون : محليًّا  ، عربيًّا  وعالميًّا ؟؟ 
-  جواب -   أنا أحبُّ  الشعرَ والأدبَ  أيضا  ولا يوجدُ  شاعرٌ وكاتبٌ محدِّدُ عندي فأنا  أقرأ   كلَّ ما  هو  جيّد  وعلى مستوى  عال .
سؤال ) أحسنُ  وأجملُ هديَّة  قدِّمَت  لكِ  حتى الآن  ؟؟
- جواب  -   أحسنُ  هديَّةٍ  قدِّمَت  لي من  زوجي  وهي ادوات الرسم  التي أعتزُّ  بها . 
سؤال )  ما  هي  مقاييسُ  الجمال  عندكِ  في  مفهومكِ  ومنظاركِ  الخاص بالنسبةِ للمرأة  وللرجل ؟؟
-  جواب -  مقاييسُ الجمال هي القيم والأخلاق  والمبادىء والروح الجميلة  والشفافة والمُحِبَّة للخير والسلام  والعطاء ولإفادةِ المجتمع ..فجمالُ الإنسان  هو  روحهُ  وأحلاقهُ  (  للرجل  وللمرأة  )  وبعدها  يأتي  الجمال الخارجي  الجسدي الشكلي  .
سؤال 17 )  طموحاتكِ   ومشاريعكِ  للمستقبل ؟؟
-  جواب -    طموحاتي  أن  أساعدَ الفنانين  ولا  يعيشون الصعوبات  التي عشتها  وواجهتني في بداياتي الأولى في مجال الفن .
سؤال 18 )  كلمة  أخيرة  تحبِّين  أن تقوليها  في نهايةِ هذا  اللقاء ؟
- جواب -  أشكركَ  جزيلَ الشكر على هذا  اللقاء الممتع  والشامل ..وأتمنى الخيرَ والتوفيقَ  والنجاح َ لجميع  الناس ، وخاصَّة   الفنانين المحليِّين  الذين  يعانون  من  الوضع   الصعب  وأن  يكون  لهم  أمل  بالوصول  إلى تحقيق الرسالة الفنيَّة السامية على أحسن وجه  .  

حوار مع الإعلامي د.عمار عبد الغني

الدكتور عمار عبد الغني إعلامي ومدرب تنمية بشرية واعلامية ، باحث وكاتب متخصص في مجال التربية وعلم النفس . 

 س: مالذي يدفعك للكتابة ؟

 ج : لكل كاتب حين يندفع باتجاه التصنيف والكتابة شيئاً يملكه ويتملكه ويريد أن يشارك عقولاً اخرى بماعنده ، ولاسيما فضوله الدائب للبحث عن الحقيقة والجديد ، وانا شخصيا يغريني الجديد لاكتشافه .

   س: لماذا اخترت ان تكتبت عن النفس والذات البشرية ؟

ج : اعتقد أنه لايوجد شيء أغلى من النفس ، ولهذا حين يقدم المرء نفسه فداء للمبادئ يسمى شهيداً ، وبنفس الوقت لايوجد بحر متلاطم الامواج يثور فينا مثل النفس البشرية .
 فلو وجدنا المفاتيح المناسبة لفتح مغاليقها فسيكون ذلك فتحاً كبيرا . وفي البداية والنهاية النفس هدية من الله ومكلفين بحمايتها وتهذيبها والمحافظة عليها .

   س: متى بدأت تهتم بالتربية وعلم النفس والتعامل مع الابناء والمراهقين ؟

ج : منذ سنوات طويلة وانا في عالم تربية الابناء والمراهقين والشباب قارئاً وكاتباً واعلاميا قدمت العديد من البرامج التلفزيونية والاذاعية التي تهتم بهذا الشأن .  

س: اذن جاء كتاب مشاكل المراهقين القنبلة الموقوتة تتويجاً لهذه المسيرة ؟

ج : الى حد ما هذا القول سليم ، فالكتاب لملم المشاكل الخطيرة التي تواجه المربين آباء ومعلمين بشكل عام ووضعها على مائدة البحث لتشريحها بمشرط المعالج الحذق , والكتاب حقيقة غني بالوقاية والعلاج .

   س : طيب لماذا قنبلة موقوقة ؟

ج : بالتأكيد مشاكل المراهقين قنبلة معدة للانفجار بأي لحظة في حال تم تجاهلها سيكون العقاب سريعا ً وخطيراً للاسرة والمدرسة والمجتمع . إن ويلات المجتمع اليوم من تخلف معرفي وجريمة وانحرافات منظمة واطفال شوارع  والذين وصل عددهم الآلاف بسبب اهمال الطفل والمراهق اهمالاً شديداً انتج لنا شاباً منحرفاً متحرشاً قاتلاً سارقاً والقائمة تطول .

  س: كيف تقيم تجربتك مع مجوعة النيل العربية ؟

ج : لاشك أنها تجربة رائعة بكل مافي الكلمة من معنى , فالقائمون على المجموعة وعلى رأسهم الاستاذ المحترم محمد الجابري من الثقافة والوعي والخلق النبيل بمكان مايجعلني اتشرف بالتعامل معهم . 

 س: ماجديدك ؟

ج : لدي محاولة جادة لكتاب جديد ( التنمية البشرية بين العلم والخرافة ) وهو محاولة  لفك الاشتباك بين مفهوم التنمية البشرية والخرافة ، اذ دخل على التنمية البشرية افكار وعقائد وطقوس خرافية وتندرج ضمن العلوم الزائفة ، وانا انهيت مرحلة التقصي وال والبحث وبدأت الآن في مرحلة الكتابة وأسال الله التوفيق

حوار مع الإستشارية التربوية الدكتورة ناريمان عطية

حاورها: عبد القادر كعبان/الجزائر

الدكتورة الأردنية ناريمان عطية  اسم لامع في مجال الاستشارة  التربوية و الأسرية، فهي الأكاديمية المتفوقة في مجالات متعددة كالتنمية البشرية و تطوير الذات و الكتابة الصحفية في شؤون الأسرة و المجتمع. وقبل كل ذلك وبعده هي الفنانة التشكيلية المبدعة والمثقفة التي تسعى جاهدة لخلق فضاء شبابي متعلم يسمو لخدمة المجتمع وتغييره إلى الأفضل. في حوار مع المدربة د. ناريمان عطية سألناها بعض الأسئلة و أجابت عنها باستفاضة كالآتي:
أولًا: ماذا تقولين عن طفولتك؟ ومن هي ناريمان عطية الإنسانة؟
      وجدت نفسي في مكان أعطاني الفرص وسمح لي بالكثير، ولدت في جبل عمان شارع الرينبو، شارع الثقافة في زمن الثمانينات، جاليري عالية الذي يقيم المعارض الفنية والندوات العلمية والثقافية التي أحضرها باستمرار، والمكتبة الخضراء للأطفال تسمح لي بالقراءة واستعارة الكتب، والمعهد البريطاني تعلمت فيه لغة وثقافة جديدة وكيفية التواصل مع شخصيات وثقافات من دول مختلفة، وسنتر أبو الذهب الذي سمح لي بممارسة الرياضة، وتأسسي في مدارس الأقصى التي ركزت على الأساس الديني والخلق. وأجمل ما يكون الجو الجميل واللمة العائلية في البيت وفي نهاية الأسبوع عند الذهاب إلى المزرعة والتعامل مع المساحة الخضراء ورائحة الزيتون وجمال المنظر والسهرات الرومانسية وروعة التعامل مع الحيوانات الأليفة التي تعطي شعور المحبة والعطف والتواضع... هنا تبلورت شخصيتي المستقلّة النشيطة المنتجة المحبة للمساعدة والعطاء والتي تبحث عن ابتسامة على شفاه من حولها وبنفس الوقت تبحث عن ذاتها... بدون مضرة للغير، والتي تمتلك أفق واسع وطموح لا حدود له، وتضع مخافة الله والخلق النبوي أساس تعاملها، وولدت الطالبة المميزة في كل شي تعد برامج للإذاعة المدرسية، وتكتب الخواطر لتلقيها بصوتها، وتمتلك مواهب متعددة بدءا بخط جميل تكتب به وسائل الإيضاح، والرسم فتمسك الريشة والألوان وترسم على جدران المدرسة، وتمارس التمثيل والرياضة، والتجارب العلمية والأنشطة المختلفة لتفوز بجوائز متعددة... وبمبدأ "أنا أفكر، أنا اعمل...إذن أنا موجود".
 ما هو دور العائلة في اختيار مسارك الأكاديمي؟
      والدي رحمه الله شخصية متعلمة منفتحة على الثقافات فهو حاصل على شهادة التوفل في الستينات متجدد سمح لي بكل شيء بضمن الدين والأخلاق وما تحتم عليه مصلحتي ومنفعتي، كان يعاملني كالصديقة ويعتبرني مستشارته في كل شيء في جو اسري أساسه الاحترام والمحبة والنظام، وكيفية التعامل بإنسانية، فكنت طفلة تعشق والدها الذي أعطاها قوة الشخصية والحرية في اختيار ما تريد فاخترت الأقرب إلى قلبي وما شعرت به بالمتعة الفنون الجميلة، ووالدتي صاحبة الشخصية الحكيمة المحبوبة والمعطاءه، تلك الأم المثالية التي أفنت حياتها لأولادها، فكنت نسخة أمي شجعتني على إختيار ما أحب وكانت تقول لي : اذا أحببتي الشي نجحت فيه وهذا ما حصل فقد حصلت على المركز الاول على دفعتي مع مرتبة الشرف.
فلنبدأ بشعارك "كن عبدا ربانيا بخلق نبوي...وضع بصمتك"، فما القصة يا ترى؟
      الرباني عبد لا يأخذ توجيهاتِه إلا من ربه، أخلص لله تعالى في عبادته وراقب أقواله وأفعاله، وجمع بين العلم النافع والعمل به، وقضى حياته في تعليم الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم، دائم البحث عن الخير، فهو يريد إصلاح نفسه وإصلاح المجتمع من حوله، وله دور في عملية التربية، يربي الناس بالعلم، وينفعهم في حياتهم وآخرتهم . وما أجمل أن نسعى لنكون عباد ربانيين خلفاء لله في أرضه، نحث على التخلق بمقتضى صفاته وأسمائه، كالعلم والقوة والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو... فما أجملها من معنى، وما أروعها من فعل، عندما نحفظها في قلوبنا ونرسخها في عقولنا، ونترجمها بأفعالنا، ونسير بها نورًا نبصر به، فنعيش ونحيا ونسعد، وتطيب حياتنا، ويزداد أملنا، فلا تُحبطنا أحزان ولا تعيقنا مصاعب، وترتاح أنفسنا، ونتحصن بها. وعلينا أيضًا أن نتخذ من خلق النبي صلى الله عليه وسلم طريقًا ومنهجًا، ويكون عليه أفضل السلام أسوة لنا في ضمائرنا وواقع حياتنا نعم القدوة، واذا وهبنا أنفسنا لله وكانت حياتنا وعملنا وعطاؤنا بدون مقابل، فقط لله "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" الإنسان الآية {9} وبنظرة ايجابية هادفه وبتعامل راقي وإنسانية نؤثر بمن حولنا ونترك أثر طيب ونضع بصمتنا.
د. ناريمان عطية متعددة النشاطات، فهي استشارية تربوية وكاتبة صحفية ومدربة في مجال التنمية البشرية، أين تجدين نفسك ولماذا؟
      أجد نفسي فيهم جميعًا فالعامل المشترك في ما بينهم التفكير بتحقيق المنفعة للناس لأنها تزيد من الوصول الى الأهداف السامية وتجعل التفكير بطريقة "نحن" وليس "أنا" فيكون النجاح والربح للجميع، والعمل على مساعدتهم لمعرفة ذاتهم وقيمتهم وإمكانياتهم، وأن يقوموا بتنمية أنفسهم وتطويرها وحل مشاكلهم إقتداء بخطى الرسول صلى الله عليه وسلم {الدين النصيحة} رواه مسلم وقوله : {أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً....} حسَّنه الألباني.
حدثينا بإختصار عن تجربتك في عالم الفن التشكيلي؟
      كانت البدايات الفنية منذ طفولتي حيث الشغف بكل شيء جميل ومميز، كانت السمة البارزة في شخصيتي، ملابسي، دفاتري التي تعج بالألوان، وأصوات من حولي يرددون "فنانه، مبدعة" اعطاني الدافع لتعلم الفن....زرعت الفن في قلبي وجسدته على كل خامة أجدها حولي سقيته بحبي وانتمائي وجدته يكبر ويزداد أشعرني بوجودي بالراحة والإنجاز، أعطاني الاحساس المرهف بمن حولي، والتعامل برقة، علمني الصبر وقوة التحمل، وأن الخطأ لا نقف عنده بل هو القوة التي تدفعنا لأن نعيد تجاربنا مرات عديدة، فالنجاح يأتي بعد الفشل وتكرار المحاولة مع القوة والإصرار. تفوقت في دراستي، ووظفت الفن في عملي فكنت معلمة تحب الفن وتنقله لطلبتها بكل إخلاص فوضعت بصمتي، ومازال الفن يسري بدمي، والى الآن ابحث عن نفسي وأجدها في رسمي.
ممارسة الكتابة تعني بالضرورة ممارسة المطالعة، فما هي نوعية الكتب التي تفضلينها؟
       نعم صدقت فأنا منذ صغري أحب المطالعة كثيرًا ولدي الفضول لمعرفة كل شيء، وكل ما يدور حولي فلا حدود لقراءتي، الكتب الدينية والتربوية والفنية وعلم النَّفْس والتنمية وابحث دائمًا عن كل ما هو جديد وأبدأ بالقراءة.
أنت ما دمت أكاديمية في مجال أصول التربية، كيف تنظرين الى الأسرة العربية في الوقت الحالي؟
      هناك بعض الأسر العربية مازلت متمسكة في الوقت الحالي بأحكام الدين الإسلامي وتطبيقاته واستفادت مما حدث من تطور بطريقة ذكية ووصلت الى أعلى مستوى من النجاح في التربية الحديثة، واما البعض الآخر من الأسر تشكلت بقالب جديد إمتزجت ما بين القديم والحديث وتأثرت بالغزو الثقافي الغربي بدرجة عالية نتيجة الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال والإنفتاح على العالم وأصبحت بجو مختلف عن أصولها فلم تعد تركز على مبادئ وأساسيات هامة في التنشئة الصحيحة والتربية الأخلاقية وأصبح تركيزها على كيفية الحصول على المادة لتحسين مستوى المعيشة بعيدًا عن الترابط الأسري وأصبح الهدف في تربية الأولاد فقط الوصول إلى درجة مرتفعة من التعليم، وغابت التربية الأسرية ولم يعد هناك وقت للجلوس والحوار الأسري الهادف والتوجيه وحل المشكلات وغاب دور الأب والأم وجاء دور الغير فحلت الخادمة محل الأم، والشوفير محل الأب مما أدى إلى الجفاف العاطفي الأسري والذي يؤدي إلى التفكك، وحدوث حالات من الطلاق. وإن ما وصلت إليه هذه الأسر يدق ناقوس الخطر خوفًا من أن يؤدي إلى انهيار الأسر العربية بدون أن تشعر بذلك لذا يجب علينا جميعا أن نتدارك ما سوف يحدث من نتائج قبل حدوثها وتأثيرها على جيل قادم نعقد عليه الآمال بالإنفتاح على العالم ومتابعة التطور والتجديد بمنظور إسلامي راقي وفكر معتدل، وولادة حضارة متميزة هادفة، وواجبنا أن نوفر لهم تربية صحيحة ليرتقوا بشخصيتهم وقيمهم وعلمهم .
هل تستطيعين أن تقولي أن تخصصك في أصول التربية هو بدايتك كمدربة في التنمية البشرية؟
      نعم كان لتخصصي في أصول التربية أثر واضح في تأكيد توجهي نحو التنمية البشرية، فالتربية تعمل على تنمية الأفراد من جميع النواحي ليتمكنوا من العيش والتكيف مع المجتمع، والإرتقاء بأنفسهم وسلوكهم إذن هي تسعى إلى التنمية باعتبارها عملية شاملة مستمرة  تساعد الإنسان في كيفية تعلم تطويع ظروف المجتمع للوصول للنجاح.
ما هي جملة الصفات التي يجب أن يتحلى بها مدرب التنمية البشرية في رأيك؟
       تتمركز الصفات حول نقطة تركيز رئيسة وهي امتلاك المدرب فن التأثير فإذا استطاع أن يؤثر استطاع أن يدرب وأن يصل إلى قلوب طلبته التي تفتح عيونهم وعقولهم وتحفزهم للابداع والتعلم والسعي نحو التغير. ويرتبط كذلك بامتلاك المدرب المعرفة بمهارات التدريب وتميزه بالتواضع والبساطة.
هناك من يرى أن عالم التنمية البشرية هو بداية لدخول أبواب الدعوة الإسلامية، فما تعليقك؟    
        إن الدّعوة إلى الله عز وجل مطلوبة من كل مسلم كلٌّ بحسب ما يستطيع فهي دعوةٌ في البيت بين الأبناء والأقارب والمحيط مع الجيران والزملاء، وفي كل مكان، وفكرة الدعوة ليست فقط بالكلام والكتب أو بالإنتماء إلى مجموعات إنما هي التطبيق الشخصي؛ أنت بأفعالك وتصرفاتك وأفكارك تكن قدوة حسنة ونموذج متزن بخلقك والتزامك بدستور واضح كتاب الله وسنة رسوله فعندما يتعامل معك كل من يمكن أن يصادفك في حياتك سواء ببلدك أو بالعالم العربي والغربي يدخل عنصر التشويق عنده لمعرفة ما هذا الدين الرائع الذي أوجد هذا الشخص المميز نظيف القلب والجسد راقي بأخلاقه وأفعاله والذي أصبح قدوة حسنة وأعطي صورة رائعة عن الإسلام، وإذا كان عالم التنمية البشرية الهدف منه ما سبق ذكره ومن خلال توعية دينية وخلق جيل واعي عقلاني يمتلك فكر نير معتدل غير متطرف وزيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات والمساعدة على تطوير الذات معرفيًا وسلوكيًا ودينيًا والعمل على تغير السلوكيات السلبية وتعويضها بايجابية يمكنني الدخول إلى هذا المنفذ الجميل.
ماذا عن تفاعلك مع القراء عبر الفيسبوك؟
        تفاعل مميز بالمحبة في الله والإحترام والفائدة المتبادلة يشعرني بالاستمرارية في العطاء ويمدني بطاقة ودافعية ويظفي الروعة والجمال على حياتي.
هل من كلمة أخيرة للشباب العربي؟
أقول لهم: أنتم أيها الشباب مسيرة التقدم والنماء في المجتمعات والركيزة الأساسية لمسيرة التنمية، والدافع الأكبر الذي تعول عليه الدول في تجاوز التحديات والعقبات بطاقاتكم وحيويتكم وحماسكم، وتكسب من خلالكم الفرص لتكون في مكان الصدارة والتأثير، وفي مواقع ومهام وظيفية وحيوية، كونوا متفائلين اتجاه كل أمر بحياتكم وفي يومكم الذي يسير بساعات متسارعة، إبعثوا في أنفسكم الأمل، والتوكل على الله، وتحدثوا عن كل شي تريدون الحديث عنه بشكل ايجابي سواء كان بحياتكم، عملكم، صحتكم، مستقبلكم، وابتعدوا عن النظرة السلبية والتفكير بتشاؤم، وعن كل شيء يؤثر عليكم، وضعوا أمام أعينكم الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام واقتدوا به، ادفعوا أنفسكم إلى الأمام دائمًا فالوصول إلى #القمم_يحتاج_همم، وأجمل شعور شعور النجاح الذي يحرك الدافعية ويقوي الإرادة، فأنتم وحدكم من تصنعوا نجاحكم فلا تنتظروا العون من أحد وسيروا #خطوة_بقوة_وخطوة_بثقة.